ف4: قالوا في الإمام (عليه السلام)

كتاب امام الانسانية .. سيرة حياة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الصادر عن مؤسسة الامام علي بن ابي طالب (ع) للدراسات للتوثيق

2021.07.27 - 10:06
Facebook Share
طباعة

الباب الأوَّل
المفكرون والفلاسفة العرب:
أولاً - الأقدمون:
1. شهادة ضرار بن ضمرة فيه:
          يَنقل التاريخ أنّ أحد أصحاب الإمام عليّ "عليه السلام"، وهو ضرار بن ضمرة، دخل على معاوية بعد استشهاد أمير المؤمنين، فقال معاوية: صف لي عليّاً، قال: أعفني، فقال معاوية: لتصفنَّه، قال: "أمَّا إذا كان لابُدَّ من وصفه، فإنَّه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يَقُول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدُّنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلّب كفّه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبّئنا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيّانا، وقربه منّا، لا نكاد نكلّمه هيبةً له، فإنْ تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدِّين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القويُّ في باطله، وأَشهد لقد رأيته قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأنّي أسمعه الآن وهو يقول: «يا دنيا غرّي غيري، أليَّ تعرّضت أم إليَّ تشوّفت، هيهات هيهات! قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير، آهٍ آهٍ إذا كان أمير المؤمنين يتأوَّه، فماذا نقول نحن؟ آهٍ من قلّة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق" ([1])، فبكى معاوية، ووكفت دموعه على لحيته ما يملكها، وجعل ينشّفها بكمّه، وقد اختنق القوم بالبكاء، وقال: رحم الله أبا الحسن، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: "حزن مَن ذُبح ولدها في حجرها، فهي لا ترقأ عبرتها، ولا يسكن حزنها"، ثمّ خرج.
2.   الجاحظ:
          نقل الجاحظ عدَّة خطب للإمام أمير المؤمنين "عليه السلام" في كتابه البيان والتبيين، واقتطف الجاحظ مائة كلمة من كلام أمير المؤمنين "عليه السلام" قبل أن ينقلها السيِّد الرضي فيما عمد رشيد الوطواط وابن ميثم البحراني، إلي شرح هذه الباقة التي جمعها الجاحظ، ووصف الجاحظ هذه الكلمات قائلاً: "إنَّ كلَّ كلمة منها تفي بألف من محاسن كلام العرب، ولم يخصَّها من سائر حكمه، وكان من تأليفات الجاحظ كتاب باسم "مائة من أمثال علي عليه السلام".
3.   الأديب والخطيب ابن نباتة:
          ابن نباتة عبد الرحيم بن محمّد بن إسماعيل "م ٣٧٤ هـ" من أشهر الأدباء والخطباء المبرزين العرب، تسنَّم منصب الخطابة في عهد سيف الدولة في مدينة حلب، يقول ابن نباته: "حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب".
4.   ابن أبي الحديد:
          تحدَّث ابن أبي الحديد كثيراً عن أمير المؤمنين علي "عليه السلام"، وكان من جملة ما أورده ما يلي: فهو "عليه السلام" إمام الفصحاء، وسيد البلغاء، وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوقين، ومنه تعلَّم الناس الخطابة والكتابة.
5.   الشاعر والفقيه العراقي العلامة السيد الرضي([2]):
          حيث قال: "ومن اتخذ عليَّاً إماماً لدينه، فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه".
6.   الفيلسوف الفخر الرازي([3]):
حيث قال: أمَّا إنَّ علي بن أبي طالب "عليه السلام" كان يجهر بالتسمية، فقد ثبت بالتواتر، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه قوله "ص": "اللَّهم أدر الحق مع علي حيث دار".
7.   الحكيم والفيلسوف صاحب بن عباد([4]):
حيث قال: وأما فضائله "عليه السلام"، فإنها قد بلغت من العظم والجلال والانتشار والاشتهار مبلغا يسمج معه التعرض لذكرها والتصدي لتفصيلها، فصارت كما قال أبو العيناء لعبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل والمعتمد: "رأيتني فيما أتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزهر، الذي لا يخفى على الناظر، فأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز، مقصر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك".
8.   الإمام الشيخ محمد عبده:
وممَّا قاله في وصف فكر الإمام علي "عليه السلام": "فتارة كنت أجدني في عالم يغمرني فيه من المعاني أرواح عالية، في حلل من العبارات الزاهية تطوف على النفوس الزاكية، وتدنو من القلوب الصافية، توحي إليها رشادها، وأحياناً كنت أشهد أن عقلاً نورانياً، لا يشبه خلقاً جسدياً، فصل عن المركب الإلهي، واتصل بالروح الإنساني، فخلعه عن غاشيات الطبيعة، وسما به إلى الملكوت الأعلى"([5]).
ثانياً - المؤرخين والكتاب العرب في العصر الحديث:
1.   الأمم المتَّحدة والإمام علي:
          في العام 2002م، اقترح كوفي عنان مداولة الإمام علي ورسائله، إلى عامله "مالك الأشتر" الذي ولاه مصر، وراسله في عدَّة خطب، عرفت بمراسلات الفكر الإنساني في المساواة والعدل، واقترح كوفي عنان اعتماد تلك الرسائل كقانون ومرجع وصفحة مشرقة في تاريخ الإنسانيَّة، ومعتمدة من منظمة الأمم المتَّحدة لحقوق الإنسان.
2.   جورج جرداق:
          من أجمل وأروع ما كُتب عن الإمام علي "عليه السلام" في عصرنا الراهن كان كتاب "علي صوت العدالة الإنسانيَّة"(خمسة أجزاء) للشاعر والكاتب اللبناني الراحل جورج جرداق، حيث قال: "علي بن أبي طالب، هو في الحقيقة والتاريخ واحد، سواء عرفته أم لم تعرفه، فالتاريخ والحقيقة يُذعنان بأنّ له ضميراً حيّاً وقهّاراً، وأبو الشهداء والأحرار، وهو صوت العدالة الإنسانيَّة، وشخصيَّة الشرق الخالدة"، ومما قال فيه:
كلما بي عارض الخطب الم ..... وصماني من عنا الدهر الم
رحت أشكو لعلي علتي ........ وعلي ملجأ من كل هم
وأنادي الحق في إعلامه .......وعلي علم الحق الأشم
فهو للظالم رعد قاصف ... وهو للمظلوم فينا معتصم
وهو للعدل حمى قد صانه ..... خلق فذ وسيف وقلم
من لأوطان بها العسف طغى ..... ولأرض فوقها الفقر جثم
غير نهج عادل في حكمه ...... يرفع الحيف إذا الحيف حكم
          وأضاف: "هل عرفت صاحب سلطان تمرَّد على سلطانه لإقامة الحق في الشعب، وصاحب ثروة أنكر منها إلا القرص الذي يمسك عليه الحياة، وما الحياة لديه إلا نفع إخوانه في الخلق؟ أما الدنيا فلتغر سواه"، وأضاف: "ويستمر تولّد الأفكار في "نهج البلاغة" من الأفكار، فإذا أنت أمام حشدِ منها لا ينتهي، وهو مع ذلك لا يتراكم، بل يتساوق ويترتب بعضه على بعض، ولا فرق في ذلك بين ما يكتبه علي وبين ما يلقيه ارتجالا، فالينبوع هو الينبوع، ولا حساب في جريه لليل أو نهار، وفي حديثه عن عدله "عليه السلام"، أضاف جرداق: "أمَّا العدل في الرعيَّة، العدل الذي هو أساس الملك، فهو ينعكس من الجالس على العرش، وقد عرفت أرباب العروش الأمويَّة، وفيهم العاجز والسفيه والخليع والسكِّير والظالم، ولا نغفل عن أسلوب بني أميَّة المستهجن في شتم علي ابن أبي طالب وبنيه على منابر الأمصار"([6]).
ويقول فيه: "علماً شاملاً ساحراً، وبلاغة آسرة، وخلقاً نقياً تصغر عنده إشراقة الصباح، وإنسانيَّة تتدفق بحراً من الجمال والجلال، رآه وكأنما هو: قرآن بعد القرآن، وإنه ليراه "أقرب الخلق إلى المسيح بوداعته"، وزهده، وتواضعه، واستقامته، وصلابته مع الحق، وعظمة أخلاقه، وقوة إيمانه، وعمق إنسانيته، وجلال مأساته، وقال الإمام علي صوت العدالة الإنسانيَّة"([7]).
3.   العقاد والإمام علي:
          كشف العقاد في مقدِّمة كتابه "فاطمة الزهراء والفاطميُّون" الصادر سنة 1953م، عمَّا أسماه أثر عامل الوراثة في عنايته بالكتابة عن الموضوعات الإسلاميُّة، وما اتصل منها بالعترة النبويَّة على التخصيص، فقد فتح أذنه كما فتح عينه على عبارات الحُب الشديد للنبي "ص"، فمولد النبي كان حفلة سنويَّة تقام في بيتهم، ويترقبها مع بقية الصغار في سنه ويفرحون بها، لأنَّهم القائمون بالخدمة فيها، ووصف العقَّاد ما ورثه من أسرته بالحب الشديد للنبي وآله عليهم سلام الله ورضوانه، ويندرج في هذا النطاق كتاب "عبقريَّة الإمام"، الذي جاء متَّصِلًا بما قبله من كتب العبقريَّات من ناحية المنهج، العبقريات التي أراد منها العقاد أن يكون صاحب أدب متفرد، يصك باسمه، ويتفارق به عن غيره ويتمايز، محققًا إنجازًا بات يؤرخ له ليس في تاريخ تطور الأدب المصري الحديث فحسب، وإنما في تاريخ تطور الأدب العربي الحديث أيضًا، لهذه الخواص وغيرها، انفرد الإمام عليّ -في تصوُّرِ العقَّاد- بلقب الإمام وحازه دون سواه، ومن هنا جاء عنوان كتابه، حث أشار العقاد فيه إلى العديد من النظرات والانطباعات الدالَّة في نظره، والكاشفة عن عبقريَّة الإمام "عليه السلام"، ومن هذه النظرات والانطباعات، ما دلَّت عليه الولادة التي انفرد بها الإمام، وعُدَّت من الكرامات التي ذكرت له وعرفت، وامتاز بها على غيره شرفًا وفضيلةً، وأشار العقاد لهذا الأمر قائلًا: "ولد علي في داخل الكعبة، وكرم الله وجهه عن السجود لأصنامها، فكأنَّما كان ميلاده ثمّة إيذانًا بعهد جديد للكعبة وللعبادة فيها، وكاد علي أن يولد مسلمًا، بل لقد ولد مسلمًا على التحقيق، إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح؛ لأنَّه فتح عينيه على الإسلام، ولم يعرف قط عبادة الأصنام، فبحق ما يقال: إن عليًّا كان المسلم الخالص على سجيته المُثلى، وإنَّ الدين الجديد لم يَعرف قط أصدق إسلامًا منه، ولا أعمق نفاذًا فيه، كان المسلم حق المسلم في عبادته وفي علمه وعمله، وفي قلبه وعقله، حتى ليصح أن يقال: إنَّه طبع على الإسلام فلم تزده المعرفة إلَّا ما يزيد التعليم على الطباع".
          ومن هذه النظرات والانطباعات ما دلَّت عليه سيرة الإمام، إذ يرى العقاد أنَّ في كل ناحية من نواحي النفوس الإنسانيَّة ملتقى بهذه السيرة، لكونها ملتقى بالعاطفة والخيال والفكر والذوق الأدبي، وحسب قوله: "في كل ناحية من نواحي النفوس الإنسانيَّة، ملتقى بسيرة علي بن أبي طالب "رضوان الله عليه"؛ لأنَّ هذه السيرة، تخاطب الإنسان حيثما اتجه إليه الخطاب البليغ من سير الأبطال والعظماء، وتثير فيه أقوى ما يثيره التاريخ البشري من ضروب العطف ومواقع العبرة والتأمل".
          وعن ملتقى السيرة بالعاطفة، تحدَّث العقاد قائلًا: "في سيرة ابن أبي طالب ملتقى بالعاطفة المشبوبة، والإحساس المتطلِّع إلى الرحمة والإكبار، لأنَّه الشهيد أبو الشهداء، يجري تاريخه وتاريخ أبنائه في سلسلة طويلة من مصارع الجهاد والهزيمة، ويتراءون للمتتبِّع من بعيد واحدًا بعد واحد شيوخًا جلّلهم وقار الشيب ثم جلّلهم السيف الذي لا يرحم، أو فتيانًا عولجوا وهم في نضرة العمر يحال بينهم وبين متاع الحياة، بل يحال بينهم أحيانًا وبين الزاد والماء، وهم على حياض المنية جياع ظماء، وأوشك الألم لمصرعهم أن يصبغ ظواهر الكون بصبغتهم وصبغة دمائهم، حتى قال شاعر فيلسوف كأبي العلاء لا يظن به التشيُّع، بل ظنت بإسلامه الظنون"، ومما قال فيه:
وعلى الأفق من دماء الشهيدين
علي ونجله شاهدان
فهما في أواخر الليل فجران
وفي أولياته شفقان
          "وهذه غاية من امتزاج العاطفة بتلك السيرة قلّما تبلغها في سير الشهداء غاية، وكثيرًا ما تتعطش إليها سرائر الأمم في قصص الفداء التي عمرت بها تواريخ الأديان».
          وقال العقَّاد من الصفات الأخرى التي امتاز بها الإمام وعُرف، صفة الزهد، وعنها قال العقاد: "فلم يعرف أحد من الخلفاء أزهد منه في لذَّة دنيا، أو سيب دولة، وكان وهو أمير للمؤمنين يأكل الشعير وتطحنه امرأته بيديها، وكان يختم على الجراب الذي فيه دقيق الشعير فيقول: لا أحب أن يدخل بطني ما لا أعلم، وقال عمر بن عبد العزيز وهو من أسرة أميَّة التي تبغض عليًّا وتخلق له السيئات وتخفي ما توافر له من الحسنات: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب، وقال سفيان: إن عليًّا لم يبن آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، وقد أبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفة إيثارًا للخصائص التي يسكنها الفقراء، وربَّما باع سيفه ليشتري بثمنه الكساء والطعام، وعلى هذا الزُّهد الشديد كان علي "عليه السلام" أبعد الناس من كزازة طبع وضيق حظيرة وجفاء عشرة".
          ومن هذه الصفات كذلك التي امتاز بها الإمام وعرف، صفة الفطنة النافذة، وعنها قال العقاد: "والحق الذي لا مراء فيه أنَّه كان على نصيب من الفطنة النافذة لا ينكره منصف، وأنَّه أشار على عمر وعثمان أحسن المشورة في مشكلات الحُكم والقضاء، وأنَّه كان أشبه الخلفاء بالباحثين والمنقِّبين أصحاب الحكمة ومذاهب التفكير، وعنه أخذ الحكماء الذين شرعوا علم الكلام قبل أن يتطرَّق إليه علم فارس أو علم يونان، وكان يفهم أخلاق الناس فهم العالم المراقب لخفايا الصدور، ويشرحها في عظاته وخطبه شرح الأديب اللبيب".
          كما امتاز الإمام بصفة النخوة، وعنها قال العقاد: "وقد كانت النخوة طبعًا في علي فطر عليها، وأدبًا من آداب الأسرة الهاشميَّة نشأ فيه، وعادة من عادات الفروسيَّة العمليَّة التي يتعوَّدَها كل فارس شجاع متغلِّب على الأقران، وإن لم يطبع عليها وينشأ في حجرها؛ لأنَّ للغلبة في الشجاع أنفة تأبى عليه أن يسف إلى ما يخجله ويشينه، ولا تزال به حتى تعلمه النخوة تعلمًا، وتمنعه أن يعمل في السر ما يزري به في العلانيَّة، وهكذا كان علي "عليه السلام" في جميع أحواله وأعماله، بلغت به نخوة الفروسيَّة غايتها المثلى، ولا سيما في معاملة الضعفاء من الرجال والنساء، فلم ينسَ الشرف قط ليغتنم الفرصة، ولم يساوره الريب قط في الشرف، والحق أنهما قائمان دائمان كأنهما مودعان في طبائع الأشياء، فإذا صنع ما وجب عليه فلينس من شاؤوا ما وجب عليهم، وإن أفادوا كثيرًا وباء هو بالخسار".
          وبعد أن أشار العقاد إلى هذه الصفات التي عُرف بها الإمام، وجد أنَّها تنتظم في نسق موصول، وحسب قوله: "هذه صفات تنتظم في نسق موصول، رجل شجاع لأنَّه قوي، وصادق لأنه شجاع، وزاهد مستقيم لأنَّه صادق، ومثار للخلاف لأنَّ الصدق لا يدور بصاحبه مع الرضا والسخط والقبول والنفور، وأصدق الشهادات لهذا الرجل الصادق أن الناس قد أثبتوا له في حياته أجمل صفاته المثلى، فلم يختلفوا على شيء منها إلَّا الذي اصطدم بالمطامع وتفرَّقت حوله الشبهات، وما من رجل تتعسَّف المطامع أسباب الطعن فيه، ثم تنفذ منه إلى صميم".
          ومن نظرات العقاد وانطباعاته ما تعلَّق بحب النبي إلى الإمام، وحسب قوله: "إن عليًّا كان من أحب النَّاس إلى النبي، إن لم يكن أحبهم إليه على الإطلاق، حب النبي لهذا الإنسان حقيقة لا حاجة بها إلى تأويل الرواة، ولا إلى تفسير النصوص؛ لأنَّها حقيقة طبيعيَّة، أو حقيقة بديهيَّة قائمة من وراء كل خلاف، ومما لا خلاف فيه كذلك أنَّه "ص" كان لا يكتفي بحبِّه إياه، بل كان يسرَّه ويرضيه أن يحبِّبه إلى الناس، وكان يسوؤه ويغضبه أن يسمع من يكرهه ويجفوه".
          ومن نظرات العقاد وانطباعاته ما تعلق بسياسات الإمام وإدارته، إذ يرى أن الإمام اتبع "من اليوم الأول في خلافته، أحسن السياسات التي كان له أن يتبعها"، فلا نعرف سياسة أخرى أشار بها ناقدوه أو مؤرخوه ثم أقاموا الدليل على أنَّها خير من سياسته في صدق الرأي وأمان العاقبة، أو أنَّها كانت كفيلة باجتناب المآزق التي ساقته الحوادث إليها، فمن اللحظة الأولى، أخذ في تجنيد قوى الخلافة الدينيَّة التي لا قوة له بغيرها، فكل ما صنع فهو الحكمة كأحسن ما تُراض له الحكمة، وهو السداد كأقرب ما يتاح له السداد، وأن أحدًا لم يثبت قط أن العمل بالآراء الأخرى كان أجدى وأنجح في فض المشكلات من العمل برأي الإمام، وإن أحدًا لم يثبت قط أن خصوم الإمام كانوا يصرفون الأمور خيرًا من تصريفه، لو وضعوا في موضعه واصطلحت عليهم المتاعب التي اصطلحت عليه، فما استطاع أحد قط أن يحصي عليه كلمة خالف فيها الحق الصراح في سلمه وحربه، وبين صحبه أو بين أعدائه".
يقول تحت عنوان "مفتاح شخصية الإمام علي" آداب الفروسيَّة هي مفتاح هذه الشخصيَّة النبيلة، الذي يفض منها كلُّ مغلق، ويفسر منها كل ما يحتاج إلى تفسير، وقد بلغت به نخوة الفروسيَّة غايتها المثلى، ولا سيما في معاملة الضعفاء من الرجال والنساء، ولقد كان رضاه من الآداب في الحرب والسلم رضى الفروسيَّة العزيزة من جميع آدابها ومأثوراتها".
ثم يقول: "والإمام علي فارس لا يخرجه من الفروسيَّة فقه الدين، بل هو أحرى أن يسلكه فيها، ولا تزال آداب الفروسيَّة بشتى عوارضها هي المفتاح الذي يدار في كل باب من أبواب هذه النفس، فإذا هو منكشف للناظر عما يليه"([8]).
ويجعل العقَّاد الحديث عن علي "البطل، الموجَع، المتألم" فيقول: إنَّ ثقافة الإمام هي: ثقافة العَلَم، المفرد، والقمَّة العالية بين الجماهير في كل مقام، وإنَّها هي ثقافة الفارس، المجاهد في سبيل الله، يداول بين القلم والسيف، ويتشابه في الجهاد بأسه وتقواه، لأنَّه بالبأس زاهد في الدنيا، مقبل على الله، وبالتقوى زاهد في الدنيا مقبل على الله، فهو فارس يتلاقى في الشجاعة دينه ودنياه.
4.   الأديب طه حسين والإمام عليّ:
          افتتح الدكتور طه حسين كتابه "عليّ وبنوه" من دون الإشارة إلى طبيعة منهجه، لكونه أشار إليه في كتابه السابق الذي مثّل الجزء الأول من كتاب "الفتنة الكبرى"، وحمل عنوان "عثمان"، وجاء هذا الكتاب متممًا له، ومتصلًا به، خاصًّا الحديث فيه عن الإمام علي وبنيه.
          في الجزء الأوَّل أفصح طه حسين بوضوح كبير عن منهجه، معلنًا تمسكه الصارم بهذا المنهج، متحريًا الصواب مستطاع، ومتجردًا من نزعات العواطف والأهواء، حاملًا نفسه على الإنصاف، مفضلًا الحياد بلا مشايعة لأحد.
          مباشرة وبلا مقدمات، ومن السطر الأول ولج طه حسين في الحديث عن موقفه وطريقته وما يريد الالتزام به، والسير عليه، قائلًا: "هذا حديث أريد أن أخلصه للحق ما وسعني إخلاصه للحق وحده، وأن أتحرى فيه الصواب ما استطعت إلى تحري الصواب سبيلًا، وأن أحمل نفسي فيه على الإنصاف لا أحيد عنه، ولا أمالئ فيه حزبًا من أحزاب المسلمين على حزب، وأنا أريد أن أنظر إلى هذه القضية نظرة خالصة مجردة، لا تصدر عن عاطفة ولا هوى، ولا تتأثر بالإيمان ولا بالدين، وإنما هي نظرة المؤرخ الذي يجرد نفسه تجريدًا كاملًا من النزعات والعواطف والأهواء مهما تختلف مظاهرها ومصادرها وغاياتها".
          بخلاف العقاد ومنهجه النفسي، اختار طه حسين المنهج التاريخي، متقمصًا نظرة المؤرخ، متقصيًا الوقائع، متفحصًا الأخبار، مازجًا بين السرد والتحليل، وبين التوثيق والنقد، مناقشًا الأقوال ومجادلًا، معلنًا موقفه بلا خشية وبلا مواربة، مقدمًا نفسه بوصفه صاحب رأي في دراسة التاريخ الإسلاميُّ، متحررًا من الضغوط، متعاليًا على الحساسيات، منفكًا من الإكراهات، واثقًا بنفسه ثقته المعهودة بذاتيته.
          ليس من غرضنا تتبع الحوادث التاريخية التي سردها بطريقته طه حسين لأنها لا حصر لها، لكنَّنا سوف نتتبع نظراته المتعددة حول الإمام، وما سجل من انطباعات عنه، على الطريقة التي سلكناها من قبل مع العقاد.
من هذه النظرات والانطباعات ما تعلَّق بالسيرة العامَّة للإمام، فقد تحدث عنه طه حسين قائلًا: "وسيرته التي لم تعرف العوج قط، وشدته في الدين، وفقهه بالكتاب والسنة، واستقامة رأيه في كل ما عرض من المشكلات، وقد عاش علي قبل الفتوح كما عاش بعد الفتوح، عيشة هي إلى الخشونة والشظف أقرب منها إلى الرقة واللين، فلم يتّجر ولم يتّسع، وإنما اقتصر على عطائه بعيش منه ويرزق أهله، ولما مات لم تحصَ تركته بالألوف فضلًا عن عشراتها أو مئاتها أو الملايين، وإنَّما كانت تركته كما قال الحسن ابنه في خطبة له: سبعمائة درهم".
          ومن نظرات طه حسين وانطباعاته، ما أشار إليه حين اضطربت الأحوال بعد مقتل عثمان، مميزًا الحال الذي كان عليه الإمام، قائلًا: "أمام هذه الأمور العظام، وفي قلب هذه الفتنة المظلمة الغليظة، وجد علي نفسه كأحسن ما يجد الرجل نفسه، صدق إيمان بالله، ونصحًا للدين، وقيامًا بالحق، واستقامة على الطريق المستقيمة، لا ينحرف ولا يميل، ولا يدهن من أمر الإسلام في قليل ولا كثير، وإنما يرى الحق فيمضي إليه لا يلوي على شيء، ولا يحفل بالعاقبة، ولا يعنيه أن يجد في آخر طريقه نجحًا أو إخفاقًا، ولا أن يجد في آخر طريقه حياة أو موتًا، وإنما يعنيه كل العناية أن يجد أثناء طريقه وفي آخرها رضا ضميره ورضا الله".
          ومن نظرات طه حسين وانطباعاته كذلك، ما أشار إليه حين تولى الإمام الخلافة بوصفه أجدر الناس إليها، قائلًا: "فقد كان خليفتهم الجديد، أجدر الناس بأن يملأ قلوبهم طمأنينة، وضمائرهم رضا، ونفوسهم أملًا، فهو ابن عم النبي، وأسبق الناس إلى الإسلام بعد خديجة، وأول من صلّى مع النبي من الرجال، وهو ربيب النبي قبل أن يظهر دعوته ويصدع بأمر الله، وأخذ النبي عليًّا فكفله وقام على تنشئته وتربيته، فلما آثره الله بالنبوة كان علي في كنفه لم يجاوز العاشرة من عمره إلَّا قليلًا، فنستطيع أن نقول: إنه نشأ مع الإسلام، وكان النبي يحبه أشد الحب، ويؤثره أعظم الإيثار، استخلفه حين هاجر على ما كان عنده من ودائع حتى ردها إلى أصحابها، وأمره فنام في مضجعه ليلة ائتمرت قريش بقتله، ثم هاجر حتى لحق بالنبي في المدينة، فآخى النبي بينه وبين نفسه، ثم زوّجه ابنته فاطمة، ثم شهد مع النبي مشاهده كلها، وكان صاحب رايته في أيام البأس، وقال النبي يوم خيبر: «لأعطين الراية غدًا رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، فلما أصبح دفع الراية إلى علي، وقال النبي له حين استخلفه على المدينة يوم سار إلى غزوة تبوك: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي»، وقال للمسلمين في طريقه إلى حجة الوداع: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه».
          ومن نظرات طه حسين وانطباعاته أيضًا، ما أشار إليه حين تحدث عن عناية الإمام بوعظ المسلمين وتعليمهم، قائلًا: "وكان يعظهم جالسًا على المنبر أو قائمًا، وكان يجلس لهم في المسجد فيسألهم عن أمورهم، ويجيب من سأله منهم عمَّا يهمه من أمر دينه أو أمر دنياه، ثم لم يكن يعظهم ويعلّمهم بما كان يقول لهم حين يخطبهم أو يحاورهم فحسب، وإنما كان يعلّمهم ويعظهم بسيرته فيهم، كان لهم إمامًا، وكان لهم معلمًا، وكان لهم قدوة وأسوة، وكان يخالطهم حين كانوا يضطربون في حياتهم، فكان يمشي في الأسواق ويأمر الناس بتقوى الله ويذكّرهم الحساب والمعاد".
          ومن نظرات طه حسين وانطباعاته، ما أشار إليه متحدثًا عن المساواة بين الناس في سيرة الإمام، قائلًا: "وكان شديد الحرص على أن يحقّق المساواة بين الناس في قوله وعمله وفي وجهه، وفي قسمته لما كان يقسم فيهم من المال، بل كان يحرص على هذه المساواة حين يعطي الناس إذا سألوه، جاءته امرأتان ذات يوم تسألانه وتبيّنان فقرهما، فعرف لهما حقهما، وأمر من اشترى لهما ثيابًا وطعامًا وأعطاهما مالًا، ولكن إحداهما سألته أن يفضّلها على صاحبتها لأنها امرأة من العرب وصاحبتها من الموالي، فأخذ شيئًا من تراب فنظر فيه ثم قال: ما أعلم أن الله فضل أحدًا من الناس على أحد إلَّا بالطاعة والتقوى".
          يضاف إلى هذه النظرات والانطباعات، ما أشار إليه طه حسين متحدثًا عن ترفّع الإمام وعدم استباحته للمكر والدهاء، قائلًا: "لم يكن علي يستبيح لنفسه مكرًا ولا كيدًا ولا دهاء، كان يؤثر الدين الخالص على هذا كله، وكان يحتمل الحق مهما تثقل مؤونته، لا يعطي في غير موضع للعطاء، ولا يشتري الطاعة بالمال، ولا يحب أن يقيم أمر المسلمين على الرشوة، ولو شاء علي لمكر وكاد، ولكنه آثر دينه، وأبى إلَّا أن يمضي في طريقه إلى مُثله العليا من الصراحة والحق والإخلاص والنصح لله والمسلمين، عن رضا واستقامة لا عن كيد والتواء".
5.   الشرقاوي والأمام علي:
          عرّف الشرقاوي كتابه "علي إمام المتقين" إلى القراء بصورة متدرجة ومتوالية، من خلال نشره في حلقات أسبوعيَّة في صحيفة الأهرام المصريَّة، حصل ذلك بعد انضمامه إليها كاتبًا ملتزمًا بمقالة مطوّلة تغطي صفحة كاملة، كانت تنشر يوم الأربعاء من كل أسبوع في منتصف ثمانينيَّات القرن العشرين.
          ونقل الكاتب المصري محمد شمروخ أنَّ حلقات الشرقاوي في الأهرام لقيت ذيوعًا عظيمًا بين القرَّاء، الذين كانوا يحجزون نسخهم لدى الباعة، ليطالعوا بشغف ما يسطّره الشرقاوي، أما حلقاته عن الإمام علي فكانت تتابع متابعة عشّاق الدراما للمسلسلات التلفزيونيَّة.
          وفي وقت لاحق جمع الشرقاوي هذه الحلقات، وأصدرها في كتاب حمل العنوان المذكور، مكوَّنًا من جزأين، أراد في البداية أن يفارق بينهما من جهة العنوان، واعدًا في نهاية الطبعة الأولى من الجزء الأول، أن يكون الجزء الثاني بعنوان "علي إمام المساكين"، لكنَّه تلقّى نصائح وصفها بالصادقة، فضّلت العدول عن هذا العنوان، خشية تأويله تأويلًا قبيحًا منكرًا، إما عن جهل بمعنى المساكين، وإما عن سوء قصد، وإما عن غفلة الكريم.
          عندها نظر الشرقاوي في هذا الأمر، مستمعًا للنصح عسى أن يستنقذ كتابه مما قد يثار عليه من غبار، ينبغي أن تتنزه عنه حياتنا الفكريَّة والثقافيَّة، فارتأى البقاء في الجزء الثاني على عنوان الجزء الأول من دون تغيير أو تبديل.
          وعن فكرة الكتاب ومنهجه، تحدَّث الشرقاوي في مفتتح مقدمته قائلًا: "إن هذا الكتاب ليس بحثًا تاريخيًّا، ولا هو كتاب سيرة، ولا هو مفاضلة بين الصحابة، ولا هو دفاع عن حق أحد في الخلافة قبل الآخر، فمن يلتمس في هذا الكتاب شيئًا من ذلك فليعدل عنه إلى غيره".
          وما أراده الشرقاوي هو أن يصنع شكلًا فنيًّا يكون أقرب إلى الفن القصصي اعتمادًا على حقائق التاريخ الثابتة، وسعيًا منه لعرض مبادئ الإسلام وقيمه، من خلال تصوير فني للإمام علي بوصفه بطلًا خارقًا، ومفكرًا وحكيمًا وعالمًا وزاهدًا، وإنسانًا عظيمًا، كان يواجه بنبالة الفروسيَّة، وبعظمة الزهد، وبسمو الفكر كل ما طالعته به الحياة الجديدة من أطماع وجحود ودسائس وحيل وأباطيل.
          هذا الربط بين قيم الإسلام والإمام علي، أوضحه الشرقاوي قائلًا: "ذلك أنَّ الإمام عليًّا تجسدت فيه أخلاق الإسلام ومثله، فقد تعهده الرسول طفلًا، وربّاه صبيًّا، وثقفه فتى، وقال عنه: أنا مدينة العلم وعلي بابها، ثم إن عليًّا قد كرَّم الله وجهه لم يسجد لغير الله تعالى، وما دخل قلبه منذ الطفولة شيء غير الإسلام، ثم كان هو المجاهد العظيم في سبيل الله، وما صارع أحدًا إلَّا صرعه، وقد علم الصحابة "عليه السلام"، مكانة علي عند الرسول "ص"، وأنَّهم ومعهم المسلمون في كل مكان وزمان ليقولون في كل صلاة: اللَّهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد".
          ما بين الجزء الأول والجزء الثاني، أشار الشرقاوي إلى مفارقة لها علاقة بالأقوال والتوثيقات، هي الوحيدة التي تقصد لفت الانتباه إليها بنوع من الاهتمام، وقد حددها قائلًا: "ثم إنِّي في هذا الجزء الثاني من كتاب علي إمام المتقين، قد خرجت عمَّا ألفته من قبل كلما رسمت صورة قلميَّة فنيَّة من تراثنا الجليل معتمدة على الحقائق الثابتة في التاريخ، خرجت في هذا الكتاب عمَّا ألفته وعمَّا تعوده القراء مني، ذلك أني أوردت من الوقائع والأقوال ما قد يصدم بعض العقول، فأثبت أوثق المراجع من كتب أئمة أهل السنة، وعذري في ذلك أن من الناس من تحداني أن أذكر المراجع التي تثبت ما لم يقبله لأنه في الحق يناقض مصالحه! ثم لأن من الناس من يتهم بدلًا من أن يفكر ويبحث ويتعلم، ومن الناس من يجادل بغير علم ولا هدى ولا سراج منير".
          وسيرًا على الطريقة المتبعة، سوف نقتبس من الشرقاوي بعض نظراته عن الإمام، وما دوّن حوله من انطباعات تواكب سيرته الطاهرة، من هذه النظرات والانطباعات ما تعلق بنشأة الإمام، إذ يرى الشرقاوي أن عليًّا لم يكن يحنِ وجهه لصنم أو وثن قط، فقد كرم الله وجهه، فلم يحنه لغير الله تعالى، وانفرد بهذه الخصلة إذ كان أول من أسلم من الذكور، وأول من صلى منهم خلف رسول الله "ص"، ولأنَّه أسلم وهو صبي لم يبلغ الحلم، ولأنَّه لزم الرسول "ص" فقد كان يشعر إلى أغوار قلبه بكرامة الإنسان الذي علا على الشهوات، والتزم مكارم الأخلاق، وَلَكَم عفا عمَّن ظلمه، ووصل من قطعه، وأعطى من حرمه، وَلَكَم كظم من غيظ، وَلَكَم ناضل لكي يوفي الأُجراء أجورهم، قبل أن يجفَّ عرقهم، وواجه بكل هذه الفضائل التي تعلمها من النبي عليه الصلاة والسلام عصرًا شرسًا تنهار فيه قيم لتسود قيم جديدة.
          ومن نظرات الشرقاوي وانطباعاته ما تعلق بزهد الإمام، إذ يرى قائلًا: "وما كان زهد علي في الدنيا زهد هارب منها، ولكنه زهد المنشغل عن إسعاد نفسه بمتاعها إلى إسعاد الآخرين، من أجل ذلك أحب من اللباس أخشنه وهو الصوف، وإنه في أغوار نفسه ليشعر بالرضا كلما أمكنه أن يسد حاجة لمحتاج، ولو بكل ما عنده، واثقًا في أن الله سيعوضه خيرًا، فما هو زهد العازف عن الحياة ولكنها تقوى العارف بالله".
          ومن نظرات الشرقاوي وانطباعاته ما تعلق برعاية الإمام إلى المحتاجين، إذ يرى قائلًا: "وما كان علي لينتظر حتى يسأله سائل، بل كان يبحث هو نفسه عن صاحب الحاجة، والمسكين واليتيم والفقير والمحروم، يمضي إليهم هو ويعطيهم من ماله ما يعتقد أنه حق لهم معلوم، وكان يقول: السخاء ما كان ابتداء أما ما كان عن مسألة فحياء وتذمم "فرار من الندم" ولشدَّ ما كان يرضى إذ يسعد الآخرين، وكان عند ربه مرضيًّا".
          ومن هذه النظرات والانطباعات ما تعلق بذكاء الإمام، إذ يرى الشرقاوي قائلًا: "وكان علي يملك هذا الذكاء اللمّاح النفاذ الذي يمكنه من استقراء أعماق القلوب، وقراءة صفحات الوجوه، وتقصّي فلتات الألسنة، وكان هذا الذكاء -مع علمه الغزير العميق- أداته في الاجتهاد والفتيا والقضاء، من أجل ذلك كان لا يحكم بظاهر الأشياء ولا ينظر لها، وإنما يتحرى ما وراء الظاهر، ويعمد إلى جوهر الحقيقة نفسها، وكم ثبت له أن الباطن يخالف الظاهر، وأن من الظواهر ما يخدع".
          ومن نظرات الشرقاوي وانطباعاته كذلك، ما تعلق بحضّ الإمام على التعقل والتفكر، إذ يرى قائلًا: "وكان من هم الإمام أن يحضّ الناس على التفكير والتدبر، وعلى ألَّا يطيعوا بلا فهم كالأنعام، وألَّا يخرّوا على آيات الله إذا ذكّروا بها صمًّا وعميانًا، وإلَّا كانوا شر الدواب، إن الله خلق لهم الحواس والمشاعر والعقل ليروا ويسمعوا ويتدبروا، فيعرفوا الحسن والقبيح بذاته وبالعقل، وهو هكذا يعرف قبل أن يحدده الشرع، فالإمام همه أن يرتفع بمستوى العقل والإرادة في الإنسان".
          يضاف إلى هذه النظرات والانطباعات، ما أشار إليه الشرقاوي في خاتمة الكتاب متحدثًا عن الإمام بعد شهادته قائلًا: "وهكذا ووري التراب جسده النبيل، جسد رجل لم تعرف الإنسانية حاكمًا ابتلي بمثل ما ابتلي به من فتن، على الرغم من حرصه على إسعاد الآخرين، وحماية العدل، وإقامة الحق، ودفع الباطل! قُبض الشهيد، واستقر في وعي الزمن أنه كلما قيلت كلمة الإمام فهو الإمام علي، على كثرة الأئمة في الإسلام! ذلك أن ما امتلكه من علم وفقه في الدين، وما أوتي من الحكمة لم يتوفر قط لفقيه أو عالم، قُبض الشهيد الرائع البطولة، الأسطوري، المثالي، واستقر في ضمير الزمن، أنه كلما نطق أحد باسم أمير المؤمنين فحسب فهو الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ذلك أن عليًّا اجتمع له من عناصر القدوة وشرفها، واجتمع فيه من مقومات القيادة ونبالتها وشرفها ما لم يجتمع قط لحاكم، وهكذا كان فريدًا حقًّا، عالمًا وحاكمًا! فسلام عليه يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حيًّا، وسلام عليه إذ توارى جسده في التراب، وبقيت كلماته منارات إشعاع ومنابع حكمة، ومثار عزائم، وعدّة للمتقين والمساكين بعد كتاب الله والأحاديث النبوية الشريفة، وسيظل القلب ينبض بما قال، وتشرق به النفس، ويزهو به العقل".
          وآخر ما ختم به الشرقاوي نظراته وانطباعاته، ما أشار إليه في آخر سطور الكتاب قائلًا: "فقضى ولم يخلّف تراثًا غير الحكمة والقدوة الحسنة، وما مات أحد من رعيته إلَّا خلف من المال أكثر مما ترك الإمام، عاش يناضل دفاعًا عن الشريعة والعدل والحق والمودة والإخاء والسلام والمساواة بين الناس فسلام عليه"([9]).
6.   جبران خليل جبران:
          قال الأديب اللبناني "جبران خليل جبران" في الإمام علي: "في عقيدتي أنَّ علي بن أبي طالب كان أوَّل عربي لازم الروح الكليَّة وجاورها وسامرها، وهو أوَّل عربي تناولت شفتاه صدى أغانيها، فردَّدها على مسمع قوم لم يسمعوا بمثلها من ذي قبل، فتاهوا بين مناهج بلاغته وظلمات ماضيهم، فمن أعجب بها كان إعجابه موثوقاً بالفطرة، ومن خاصمه كان من أبناء الجاهليَّة"([10]).
          وقال جبران في وفاة الأمام علي "مات علي بن أبي طالب "عليه السلام" شهيد عظمته([11])، مات والصلاة بين شفتيه، مات وفي قلبه الشوق إلى ربه، ولم يعرف العرب حقيقة مقامه ومقداره حتى قام من جيرانهم الفرس، أناس يدركون الفارق بين الجواهر والحصى"، "مات قبل أن يبلغ العالم رسالته كاملة وافية، غير أنَّني أتمثله مبتسماً قبل أن يغمض عينيه عن هذه الأرض، مات شأن جميع الأنبياء الباصرين الذين يأتون إلى بلد ليس ببلدهم، وإلى قوم ليسوا بقومهم في زمن ليس بزمنهم، ولكن لربك شأن في ذلك وأعلم".
7.   ميخائيل نعيمة:
          قال نعيمة في الإمام علي: "تسألني عن الإمام علي، كرم الله وجهه، ورأيي أنَّه من بعد النبي "ص" سيد العرب على الإطلاق، بلاغة وحكمة وتفهما للدين، وتحمُّسا للحق وتسامياً عن الدنايا، فأنا ما عرفت في كل من قرأت لهم من العرب رجلاً دانت له اللُّغة مثلما دانت لأبن أبي طالب، سواء في عظاته الدينيَّة وخطبه الحماسيَّة ورسائله التوجيهيَّة، أو في تلك الشذور المقتضبة التي كان يطلقها من حين إلى حين، مشحونة بالحكم الزمنيَّة والروحيَّة، متوهِّجة ببوارق الإيمان الحي ومدركة من الجمال في البيان حد الإعجاز، فكأنما اللآلىء بلغت بها الطبيعة حد الكمال، وكأنه البحر يقذف بتلك اللآلىء دونما عنت أو عناء" ([12]).
          وأضاف نعيمة: "ليس بين العرب من صفت بصيرته صفاء بصيرة الإمام علي، ولا من أوتي المقدرة في اقتناص الصور التي انعكست على بصيرته، وعرضها في إطار من الروعة هو السحر الحلال، حتى سجعه، وهو كثير، يسطو عليك بألوانه وبموسيقاه، ولا سطو القوافي التي تبدو كما لو أنَّها هبطت على الشاعر من السماء، فهي ما اتخذت مكانها في أواخر الأبيات إلا لتقوم بمهمة يستحيل على غيرها القيام بها، إنها هناك لتقول أشياء لا تستطيع كلمات غيرها أن تقولها، كالغلق في القنطرة، وأضاف إنَّ علياً لمن عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان"([13]).
ويقول: "إنَّه ليستحيل على أيِّ مؤرخ أو كاتب، مهما بلغ من الفطنة والعبقريَّة، أن يأتيك، حتى في ألف صفحة بصورة كاملة لعظيم من عيار الإمام علي، ولحقبة حافلة بالأحداث الجسام، كالحقبة التي عاشها([14]).
8.   الفيلسوف والمفكر شبلي الشميل:
ومما قاله: "الإمام علي بن أبي طالب، عظيم، نسخة مفردة، لم ير لها الشرق صورة طبق الأصل، لا قديماً ولا حديثاً"([15])، ويواكب الفيلسوف شبلي الكاتب الإسلاميُّ المصري الأستاذ أحمد عباس صالح فيقول: "لو لم يسر علي سيرته المثالية، أكانت تبقى الجذوة - أي جذوة الحق - مشتعلة كامنة في النفوس، وكأن دور علي الوحيد أن يكون مثالاً في التاريخ، كأنه علامة فارقة من علامات الطريق([16]).
9.   بولس سلامة:
          شُغِفَ بولس بشخصيَّة أمير المؤمنين، حتى امتلأ كيانه ووجدانه وروحه وضميره بهذا الحب، وهام بهذا الكمال الإنساني والذروة من الخلق البشري، فإذا بقلمه يسكب هذا الوله شعراً يفصح فيه ما أفاضت عليه جوارحه، حتى ليحسب القارئ أنَّه يقرأ شعراً شيعيَّاً لشاعر عاش في أجواء المجالس الشيعيَّة، وخالط علماءها وتغذى بفكرها، نعم، إنه مسيحي وهو نظير المسلم في الخلق، كما قال أمير المؤمنين: "الإنسان إمَّا أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق"، ونظرته وهدفه يتوحَّد نحو القيم المثلى والأهداف العليا، إنَّها غايات الإنسان مثلما هي غايات الفئة والجماعة، ويؤكِّد الشاعر ذلك في مقدِّمة ملحمته فيقول:
"وربّ معترض قال: ما بال هذا المسيحي يتصدّى لملحمة إسلامية بحتة؟ أجل إنَّني مسيحي، ولكن التاريخ مشاع للعالمين، أجل إنَّني مسيحي ينظر من أفق رحب لا من كوة ضيّقة، مسيحي يرى "الخلق كلهم عيال الله" ويرى أنَّ: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، مسيحي ينحني أمام عظمة رجل يهتف باسمه مئات الملايين من الناس في مشارق الأرض ومغاربها خمساً كل يوم، رجل ليس في مواليد حواء أعظم منه شأناً وأبعد أثراً وأخلد ذكراً، رجل أطلّ من غياهب الجاهلية فأطلت معه دنيا أظلها بلواء مجيد كتب عليه بأحرف من نور: "لا إله إلا الله، الله أكبر"".
          وفضلاً عن التاريخ فقد تصدّى الشاعر سلامة في ملحمته بعض القضايا الفكريَّة أيضاً، وفي صدد حديثه عن الملحمة يقول: "قد يقول قائل، ولم آثرت علياً دون سواه بهذه الملحمة؟ ولا أجيب على هذا السؤال إلاّ بكلمات، فالملحمة كلها جواب عليه وسترى في سياقها بعض عظمة الرجل الذي يذكره المسلمون فيقولون: "عليه السلام، وكرم وجهه، و"عليه السلام"" ويذكره النصارى في مجالسهم، فيتمثَّلون بحكمته، ويخشعون لتقواه، ويتمثل به الزهاد في الصوامع فيزدادون زهداً، وقنوتاً وينظر إليه المفكر فيستضيء بهذا القطب الوضّاء، ويتطلَّع إليه الكاتب الألمعي فيأتمّ ببيانه، ويعتمده الفقيه والعالم المدرك فيسترشد بأحكامه".
          ويقول: "حقاً إنَّ البيان ليسفّ وإن شعري لحصاة في ساحلك يا أمير الكلام، ولكنها حصاة مخضوبة بدم الحسين الغالي، فتقبل هذه الملحمة وانظر من رفارف الخلد إلى عاجز شرّف قلمه بذكرك".
10.     سليمان كتاني:
          الكتاني وهو صاحب كتاب "الإمام عليّ نِبراس ومِتراس"، ويقول في علي "رض الله عنه": " هو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب، ابن عمّ الرسول محمّدِ بن عبد الله بن عبد المطّلب الهاشمي، رُبِّي عليّ وترعرع في كنف ابن عمّه، في هذا الوقت كان محمّد يتقبّل الوحي عن فم جبرئيل في غار حراء، وكان عليّ أوّل من يشهد ولادة الرسالة الجديدة، وفي سنٍّ مبكِّرة بين التاسعة والعاشرة أصبح مقتنعاً بصحة الدين الجديد".
          ويضيف: "هو أوّل المؤمنين، وأقوى المدافعين، وأشجع المناضلين، وأصمد المقتحمين، وأبلغ المحقّقين، وقد لمح النبيّ عن ذلك بمثل قوله: «اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه»، «عليّ منّي وأنا من عليّ»، «من أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله»، «عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ»، «حقّ عليٍّ على المسلمين حقّ الوالد على الولد»، «أنت أخي في الدنيا والآخرة".
          وقال الكتاني في كتابه: "من ذلك المعدن الطيب كفكفت شخصيّة الإمام مستكملةً كلّ مقوّماتها، شخصية برز العقل فيها السيّد المطلق، فإذا هي منه كما هي الديمة من الغمام تستمطره فينهمر بها انسجاماً بانسجام، وهكذا بسط لواءَه كما أسلست له قيادها فامتصّته وامتصّها قوّةً بقوّة، ولوناً بلون، حتى لكأنّ الهيكل المتين كسبيكة الفولاذ ما استجمعت أوصاله إلاّ ليكون قاعدةً جبّارةً لقائد جبّار، فإذا السيف في كفِّه وامض بكر له حدّان متساندان، حدّ على الترس، وحدّ على القرطاس في حُلّة أبداً بيضاء ذات وجهين: وجه على الجهاد، ووجه على السداد".
          ويقول: "العفّة والصدق ريشتان ناعمتان كان لهما من القوّة لديه ما كان لهما منها في زنديه الترس والفرند، والزهد والجود جناحان رهيفان أفاء عليهما من ظلّه فإذا هما بعين المدى يتباعدان، ثم لديه يلتقيان، فإذا الزهد في الدنيا جود بها، وإذا الجود بالزهد اكتماله، والتقوى والإيمان شعوران صميميّان ومنبعان صافيان غارا في جنانه، واندفقا على لسانه، فإذا هما به على نصب الكعبة حسام، ومن ورعه قبلة للإسلام".
          وأضاف في شخصيَّة الإمام: "مهما يصفه الساردون بأقلام تشطّ في معابيرها، أو تتنزّى بها الأهواء فإنّ بطولته التي تتغلّب في سرَدِهم على بطولةً أصحاب الأساطير تبقى بطولةً أضعفَ بكثير من حقيقته; لأنّها من النوع الذي تخيب في وصفه حروف الساردين، من هنا أنّ كلَّ قول في عليّ بن أبي طالب يحصره في مكان أو زمان يبقى حديثاً له قيمة السَرد، ويبقى حروفاً مقفّلةً لا تنفذ إليها ألوان المعاني".
          وأضاف: "إنّ هذه الشخصيّة المنشودة قدَّمت لها الرسالة الجديدة كلَّ ملابسها، وها هو ابن أبي طالب يفصّل منها كلّ ثيابه ويتقدّم بها زيّاً وطرازاً ليعرضها على بني قومه ليكون لديهم في قدوة العارض، لَبِسها في تفهّمه للدنيا وفي تفهّمه للآخرة. فكان زهده بالأولى طريقاً إلى الثانية".
          وقال في إيثاره: "لم تكن لتغريه الرئاسة، فإنّه لم يطلب يوماً مجد الدنيا وكنوزها، وكثيراً ما توفّرت له فرفضها، ولكنّه كان يتشدّد في طلب الخلافة; لأنّه كان يؤمن تمام الإيمان بنفسه ولم يكن شديد الإيمان بغيره، وإنّ الرسالة التي قدّمها النبيّ لم يكن هو أخفّ منه شأناً فيها، فإنّه والنبيّ أبواها، هكذا قال الرسول: «أنا وأنت يا عليّ أبَوا هذه الأمة»، فالرسالة له وهي جزء منه، من عقله، من قلبه، من كلِّ كيانه، فمن هو الذي يكون أحقَّ منه بالدفاع عن نفسه؟ إذن ليس حبّ الظهور هو الذي دفعه من قبل إلى المطالبة بهذا الحقّ".
          وقال عنه "عليه السلام": "لم يلبس الدنيا إلاّ بقميص من الكرابيس، وبمدرعة مرقوعة، ولم يأكلها إلاّ في حبّات من الشعير تطحنها كفّه لقمةً يابسةً لفمه، ولم يسكنها في قصورها، بل في أحقر خصٍّ من خصاصها، ولم يمتطِها إلاّ كما يمتطي الفارس الجواد إلى ساحة الجهاد، حقيرة لديه غايةً، عزيزة عليه وسيلةً «الدنيا دار منّي لها الفناء، ولأهلها منها الجلاء، وهي حلوة نظرة، وقد عجلت للطالب، والتبست بقلب الناظر، فارتحلوا منها بأحسن ما يحضركم من الزاد، ولا تسألوا فيها فوق الكفاف، ولا تطلبوا منها أكثر من البلاغ".
          وقال فيه: "إنَّه أعظم رجل عرفه تاريخ العرب بعد النبيّ، أكبر رجل كان بإمكانه صيانة الأمة وإرسائها على أصول من المناقب والفضائل; تتجمّل بها لو فعلت وحين تفعل إلى أبد الدهر، وهو أعلم إنسان بما جاء في الآيِ الكريم، وهو القائل: «سَلُوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل".
ومما ذكره في كتابه: "بهذه المناجاة أحببت أن أقرع الباب في دخولي على علي بن أبي طالب، وأنا أشعر أن الدخول عليه ليس أقل حرمة من الولوج إلى المحراب، والحقيقة، أن بطولته هي التي كانت من النوع الفريد وهي التي تقدر أن تقتلع ليس فقط بوابة حصن خيبر، بل حصون الجهل برمتها، إذ تتعاجف لياليها على عقل الإنسان([17]).
11.     سعيد عقل:
مما قاله في الإمام علي "عليه السلام": "أنا أحب الإمام علي بكل ما فعل، والربط بيني وبين الإمام علي هو الكبر، ما كتب كلمة إلا وفيها كبر، كذلك الوقوف إلى جانب المبدأ([18]).
12.     الباحث الإسلاميُّ المصري عبد الكريم الخطيب:
          يقول في كتابه النفيس "علي بن أبي طالب بقيَّة النبوة"، كان عليّ بطل الإسلام دون منازع، لا يعرف المسلمون سيفاً كسيف علي في إطاحته رؤوس أئمة الكفر، وطواغيت الضلال من سادة قريش وقادتها، وكان علي فقيه الإسلام، وعالم الإسلام، وحكيم الإسلام، غير مدفوع عن هذا أو منازع فيه".
ثم يزيدنا أيضاً في أسباب عداوة قريش لعلي، تلك العداوة الحمراء التي ورثها الأبناء عن الآباء فيقول: "ما أردنا تقريره، من أنَّ علياً كان أكثر المسلمين شدة على مشركي قريش، وأكثرهم تنكيلاً بهم، وإفجاعاً لهم في الآباء والأبناء، والأعمام والأخوال، والذي نريده من هذا هو أن نذكر تلك التِّرات، وهذه الإحن التي وقعت في القلوب، وغمرت النفوس في المعارك التي وقعت بين المسلمين ومشركي قريش، وما وقع فيها من صرعى، وأن نذكر أن تلك المحن وهذا التِّرات قد صادفت من قريش قلباً خالياً من الإيمان بالله، فتمكن الحزن منها، واستمرت الحسرة فيها، على حين أن ما أصاب المسلمين في أنفسهم وفي أهليهم لم يكن ليجد له مقاماً في نفوس آمنت بالله، وآثرت الموت على الحياة، وطلبت الشهادة وتعجيلها في سبيل الله، هذه الإحن، وتلك التِّرات، التي وقعت في نفوس قريش المشركة، قد ظلت حية فيها، بعد أن دخلت في الإسلام، هذا الدخول العام الذي كان عن قهر، أكثر منه عن نظر واقتناع، وسنرى آثار ذلك وشواهده، حين يُمتحن المسلمون بتلك الفتن التي أطلت برؤوسها بعد وفاة النبي(ص)، وحين تقف قريش في وجه بني هاشم، وحين تذودهم عن الخلافة، ثم تنالهم بسيوفها".
13.     نصري سلهب:
مما أورده سلهب عن الإمام علي "عليه السلام": "قال علي "عليه السلام" من أولئك البشر الذين كتب عليهم أن يموتوا لتحيا بموتهم أمم وشعوب، وأعداء علي "عليه السلام" من أولئك النفر الذي آثروا الحياة على الموت فأماتوا بحياتهم كل إباء وشمم، ذكراه ليست ذكرى البطل الذي استشهد فخلد في ضمير الله بقدر ما هي ذكرى الغادرين الذين غدروا فخلدوا في نار جهنم، ثم يقول: حريّ بعليّ وهو في الدنيا خلوده أن يبكينا لأننا من الساح فررنا وأخلينا الميدان لأعداء لنا يجولون فيه ويصولون بل يسرحون ويمرحون كم نحن اليوم بحاجة لعلي"([19]).
14.     جوزف الهاشم:
          اعتبر أنَّ من يتعرَّف إلى شخصيَّة الإمام علي "عليه السلام" استهوته، ومن استهوته أثرت فيه، ومن أثرت فيه اقتدى بها، ومن اقتدى بها أصلح نفسه، ومن أصلح نفسه تصالح مع الآخرين، ولعل الذين يجهلون الإمام أو يتجاهلونه، يتَّهِموننا ونحن نعظمه بالمغالاة أو بالإفراط العاطفي([20]).
15.     المؤرخ اللبناني فيليب خوري حتي([21]):
مما قاله في الإمام "عليه السلام": "الباسل في الحرب، البليغ في الخطاب، الشهم تجاه الخصوم، المثل الأعلى للمسلمين بالشهامة والفروسيَّة والنبل".
 
الباب الثاني). المستشرقون والمفكرون والفلاسفة الغربيِّون:
1.   روجيه غارودي([22]):
قال غارودي: "تصوُّري أنًّ هذا الرجل لم يمت في حينها ولم يفقد الوعي، لقد وصلت الضربة إلى أعماق المخ، هناك حيث تقبع الحكمة والمعرفة، دون أن يفقد وعيه أو يحصل له ما يحصل للبشر في مثل هذه الحالات، وبعد يوم واحد فقط، راح يملي وهو على فراش الموت والضربة القاتلة نافذة في أعماق المخ وصية إلى ابنه البكر الحسن، وصية هي أروع ما عرفه التراث الإنساني عبر تاريخه على الإطلاق، وصية تتضمن الحكمة والموعظة والتواد، وقد بقي بكامل وعيه، وكتب أجمل وصية يكتبها أب لولده في تاريخ الإنسانيَّة".
2.   الفيلسوف الإنكليزي كارليل ([23]):
ويقول: "أمَّا عليّ فلا يسعنا إلا أن نحبه ونعشقه، فإنَّه فتى شريف القدر، عالي النفس، يفيض وجدانه رحمة وبراً، ويتلظى فؤاده نجدة وحماسة، وكان أشجع من ليث، ولكنها شجاعة ممزوجة برقة، ولطف، ورأفة، وحنان"([24]).
          وقال: "إنَّه محارب الشر والنفاق، أسد الله على الفساد، النبيل تجاه المسيحيين، المكلل نعمة إلهيَّه صاحب الجرأة الناريَّة هو علي بن أبي طالب"([25]).
3.   المؤرخ والمحقق الفرنسي كارديفو ([26]):
يقولك "علي هو ذلك البطل الموجَعُ، المتألم، والفارس الصوفي، والإمام الشهيد، ذو الروح العميقة القرار التي يكمن في مطاويها سرّ العذاب الإلهي، ويرى كارديفو في علي فارساً غالباً، ولكنه فارس صوفي، أي أنَّ فروسيَّته نهلت من معين المعارف الإلهيَّة حتى الارتواء، فهو لا يرفع سيفه النبيل، ويهوي به إلا ليقتل شيطاناً من طواغيت الاستكبار المشرك، والطبيعة الجاهليَّة البطرة ليعز كلمة الله، ويجعل الناس يعيشون تحت ظلالها جنات الإخاء، والمحبة، وسلامة الصدور من الأحقاد، والبغضاء، والمفاسد التي اتخذ منها إبليس جنوداً ليحجب الإنسان عن ربه وإنسانيته".
ويرى كاراديفو أنَّ علياً يحمل فكراً اجتماعيَّاً ثورياً فاعلاً يرقى في تطوير المجتمع إلى تحقيق ما تحلم به الإنسانيَّة من حياة فاضلة كريمة، وإنَّه استشهد في سبيل ما كان يريد أن يجعله واقعاً حياً، لذلك فهو إمام شهيد، صاحب نفس وضيئة تختزن سراً إلهياً قدوسياً، هو سر قبول تحمل العذاب حتى الموت لإنقاذ الإنسان من الظلمات إلى النور.
4.   المؤرخ البريطاني إدوارد جيبون ([27]):
قال: "الإمام علي شخصيَّة فريدة متألقة، شاعر ومؤمن ونبيل وقديس، حكمته كالنسيم الذي يتنفسه كل إنسان، فهي أخلاقيَّة وإنسانيَّة، منذ مولده وإلى وفاته، كان حكيما جمع تلاميذه وناداهم بإخوتي وأحبائي، حقَّاً كان هارون المتجدد صدّيق النبي موسى، كما وصفه النبي محمد (ص)".
5.   الطبيب والمفكِّر البريطاني "هنري ستوب"([28]):
          قال: "ازدرى الإمام علي العالم المادي ومجده الخادع، خشي الله وكان محسنا جواد إلى الخير، الأول والسابق إلى كل فعل إلهِي، وحكمه كان اجتماعيا، ويملك إبداعا وذكاء حادا، ولذا بدا غريبا على مجتمعه، لان الإبداع لم يكن شائعا، لم يمتلك تلك العلوم التي تنتهي على اللسان، ولكن تلك العلوم والحكمة الخفية التي تمتد ولا تنتهي أو تموت"([29]).
6.   المؤلِّف وكاتب المقالات والسير، واشنطن إيرفنغ ([30]):
          قال: "كان الإمام علي من أنبل عائله من قبيلة قريش، لديه ثلاث صفات يعتز بها العرب: الشجاعة والبلاغة، والسخاء، روحه الباسلة استحقت لقبا خالدا من النبي محمد (ص) "أسد الله"، نماذج بلاغته لا زالت مؤثرة على كل لسان عربي، وعلى كل تفسير قرآني، وعلى كل مثل وقول ساد الأمة العربية إلى يومنا هذا، في كل جمعة كان يلقنهم حكمته وما انزل على النبي محمد (ص)، ليذكرهم بما وعاه صدره، وفيه خزائن العلوم الإلهية، وهذا دليل على سخائه وتواضعه وحبه، دون شرط مسبق"([31]).
7.   الشاعر الإطالي، في الكوميديا الإلهيَّة، دانتي أليغييري ([32]):
قال في الإمام: "جمرة النار الحارقة كان النبي محمد وعلي بن أبي طالب وما يستطيع الناس تحمل هذا".
8.   ريلفريد ماديلونغ ([33]):
قال فيه: "لا اهتم بالطابع الإيديولوجي أو الاقتصادي وحتى التاريخي بفترة حكم الإمام علي، ما يهمُّني هو شخصيته وما حملته من قيم ايجابيه أو سلبيه هادفة أو ضاره، وبلا شك فانه شخصيه عظيمه".
 
 
9.   الشاعر جيرارد أوبنز ([34]):
قال "سيظل علي بن أبي طالب فارس الإسلام والنبيل الشهم".
10.     المستشرق الأسكتلندي سير ويليام موير([35]):
قال في الإمام: "بذكائه المتألق، وعطفه، وتأثيره الساحر في حياة من خالطه وجالسه، وكونه موضع ثقة صحبه ومجتمعه، مذ كان فتى صغير السن وهو يبذل ويجود بروحه وحبه للدفاع عن النبي محمد ورسالته السمحاء، متواضع وبسيط، يوما حكم نصف العالم الإسلاميُّ بالخير لا بالسوط".
11.     المؤرخ والممثل الأميركي روبرت أوزبورن([36]):
          قال في الإمام: "حفظ الإسلام الحقيقي، والذي نادى به النبي محمد علي يد علي بن أبي طالب".
12.     المستشرق الإنكليزي سيمون أوكلي:
قال في الإمام: "شيء يستحق أن نقف عنده ونتساءل عن حكمته، لقد ولدته أمه في نفس البيت المقدس في مكة، والذي يأمر الله أن يُطهرّ ويُعبد له خالصا، لم يحدث هذا لأي إنسان ولا حتى بأي دين سماوي".
 


[1] - 1001 قصة من حياة الإمام علي "عليه السلام", صفحة 429, وذكره الشيخ مهدي فقيه إيماني, في كتاب الإمام علي "ع" في آراء الخلفاء, الصفحة 157, وذكره أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي, في كتاب كنز الفوائد, الجزء الثاني.
[2]_http://shiaonlinelibrary.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/1638_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A8%D9%86-%D8%A3%D8%A8%D9%8A-%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8-%D8%B9-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%85%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D8%AD%D8%A9_112
[3] - http://www.haydarya.com/?id=1738
[4] - http://www.taghribnews.com/ar/report/453869
[5] - جرداق، الإمام علي صوت العدالة الإنسانيَّة، الجزء الخامس، عليّ والقوميَّة العربيَّة، صفحة 1228.
[6] - المرجع السابق نفسه.
[7] - مقتطفات من كتاب “الإمام علي صوت العدالة الإنسانيَّة” لجورج جرداق.
[8] - عباس محمود العقاد، عبقريَّة الإمام علي، صفحة 22- 31، تحت عنوان الفصل الثاني والثالث - ط/ دار الهلال - مصر.
[9] - عبد الرحمن الشرقاوي، علي إمام المتَّقين، الجزء الثاني، صفحة 394-398 الناشر مكتبة غريب - مصر.
[10] - مجلَّة العرفان مج 21 – ج2 – صفحة 145.
[11] -جورج جرداق، الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، الجزء الخامس: عليّ والقومية العربية - ص1221و1222، تحت عنوان: المعري وجبران ونعيمه يتحدثون عن الإمام -، ط/ دار الروائع - بيروت.
[12] - جرداق، الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، المصدر السابق.
[13] - مقدمة كتاب “الإمام علي صوت العدالة الإنسانية” ص18،17/ لجورج جرداق.
[14] - المرجع السابق.
[15] - المرجع السابق.
[16] - أحمد عباس صالح، مجلَّة الكاتب العربي المصريَّة، عدد نيسان 1965م.
[17] - مدخل كتاب “الإمام عليّ "ع" نبراس ومتراس” صفحة 55-58.
[18] - كلام الشاعر سعيد عقل في حوار مع جريدة “الشراع” سنة 2009م.
[19] - مقدِّمة كتاب “خطى الإمام علي” لنصري سلهب.
[20] - مقدِّمة كتاب “عليّ والحسين في الشعر المسيحي” صفحة 9،8.
[21] - https://inahj.org/articlesandresearch/460
[23]- محمد المثل الأعلى، تأليف توماس كاريل، تعريب محمد السباعي، ترجمة محمود النجيري، مكتبة نافذة، العام 2012م، صفحة 34.
[24].http://arabic.balaghah.net/content/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%AA%D9%87-%D9%88%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%82%D9%88%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8-0
[25] - https://elaph.com/Web/opinion/2016/6/1095590.html
[26] -   كاراديفو, في كتابه مفكرو الإسلام, صفحة 10.
[27].https://www.alnaeem.tv/%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%AF%D8%A9%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%B1%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%AC%D9%84%D9%8A%D8%B2%D9%8A-%D8%A5%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AF-%D8%AC%D9%8A%D8%A8%D9%88%D9%86-%D9%81/
[28] - https://m.iicss.iq/?id=29&sid=21
[29]_http://arabic.balaghah.net/content/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%AA%D9%87%D9%88%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%87%D9%81%D9%8A%D8%A3%D9%82%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8-0
[30] - https://www.alraimedia.com/Home/Details?Id=9d20be27-4706-4a6b-81cd-a01630debb0f
[31] - http://www.alseraj.net/ar/s/11/?bab&1149680766_7ncrYOeJhE&3
[32] - https://ar-ar.facebook.com/ALI.313ALI/posts/489082437850777/
[33]_http://arabic.balaghah.net/content/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%AA%D9%87-%D9%88%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%82%D9%88%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8-0
[34] - https://alsada.ahlamontada.com/t130-topic
[35]_https://arabiyaa.com/2018/08/22/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%86%D8%A3%D8%A8%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B4/
[36]_http://arabic.balaghah.net/content/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%AA%D9%87-%D9%88%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%82%D9%88%D8%A7%D9%84-%D9%85%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8-0
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى