مقدمة كتاب امام الانسانية

كتاب امام الانسانية .. سيرة حياة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الصادر عن مؤسسة الامام علي بن ابي طالب (ع) للدراسات للتوثيق

2021.07.27 - 09:46
Facebook Share
طباعة

شخصيَّة أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب "عليه السلام" كانت الملهم للكثير من الكتّاب والباحثين عبر العصور لسبر أغوارها، والوقوف على أسرار عظمتها وتميّزها، فلم تحظ شخصيّة تاريخيّة بمثل الاهتمام الذي أحيط بشخصيّة الإمام.
فما حازه من فضائل في مسيرة حياته الحافلة لم يتسنّى لغيره من صحابة رسول الله "ص"، فلقد قال الإمام أحمد بن حنبل عنه: "ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله "ص" من الفضائل ما جاء لعليِّ "عليه السلام". فمنهم من استشف الكمال في إيمانه من قول الرّسول الكريم له يوم الخندق حين خرج لعمرو بن ود العامري: "خرج الإيمان كلّه للشرك كله[1]"، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلّم: "ضربة عليّ هذه توازي عبادة الثّقلين[2]"، ومنهم من استمدّ من تصريح الخليفة عمر بن الخطّاب: "لولا عليّ لهلك عمر"[3]، مقامه المركزي من الدّعوى كالقطب من الرّحى أسوةً ببقيّة الصّحابة. ومنهم من وجد فيه شخصيّة البطل الهمام الذي واجه الفرسان فرادى وجموعاً فصوّره كأخيل العرب والمسلمين، غير أنّ لأخيل نقطة ضعف، إلا أن لا ضعف في عليّ (عليه السلام) مطلقاً.
أمّا في العلم فهو حده وباب مدينة العلم[4]، فلا يمرّ علينا يومٌ دون أن نصادف الاستشهادات بأقواله عليه السلام في كلّ المواقع والكتب، هذا ما جعل العقّاد[5] يقف حائراً أمام عبقريّة هذا الإمام الفذّ الذي سبق عصره بقرون، فقال عنه: "مما يجوز لنا أن نسميه أساسًا صالحًا لموسوعة المعارف الإسلاميُّة في جميع العصور، أو يجوز لنا أن نسمِّيه موسوعة المعارف الإسلاميُّة كُلَّها في الصدر الأوَّل من الإسلام[6]"، وقال: "وليس الإمام علي أوَّل من كتب الرسائل، وألقى العظات، وأطال الخطب على المنابر، في الأمة الإسلاميُّة، لكنَّه ولا ريب أوَّل من عالج هذه الفنون معالجة أديب، وأوَّل من أضفى عليها صبغة الإنشاء الذي يُقتدى به في الأساليب[7]".
إنّه السّحر، أجل السّحر الذي تنطوي عليه هذه الشخصيّة العظيمة هو ما جعل الأمم المتّحدة في العام 2002 تطوّبه[8] كأعدل حاكم في التاريخ؟ وهو لقب لم يحصل عليه أحدٌ سواه، ما أعظمك يا أبا الحسن، فما من أحدٍ رشا هيئة الأمم المتّحدة حتّى تعطيك هذا اللقب، بل إنّها سيرتها التي كتبتها بدمك، وإنسانيّتك التي أعجزت أعداءك، ومخالفيك، إنّها إنسانيّتك التي جعلت الكتّاب المسيحيين كجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وجورج جرداق، وجورج شكّور، يتسابقون للكتابة عنك، والإشارة إلى عظمتك وفرادتك في البشريّة، إذ وجدوا فيك تجسيداً لحياة الأنبياء، ليس محمّداً فقط، وإنّما المسيح ويحيى وزكريا وإبراهيم ويوسف ويعقوب.
الإمامُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ، هو الرمزُ الإسلاميُّ الذي حاول حكامُ الإمبراطورياتِ التي هيمنتْ على الدولةِ الإسلاميُّةِ بعدَ استشهادِه جاهدين لتشويه صورتَهُ فكانت النتيجة أنّ صورته ازدادت بريقاً ورونقاً، أمّا أباطيلهم وأكاذيبهم فبقيت شاهداً على قصورهم واغتلابهم على أمرهم.
قرّائِنا الأحبّةِ في روسيا وأوروبا، سنوجز في هذا الكتاب ما أوثر عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مما أجمع عليه أهل الملّة، مبتعدين عن كلّ ما هو موضع خلاف واختلاف، مبتعدين أيضاً عن المغالاة الرّخيصة المكشوفة، والقصص المدسوسة على تراثه الجمّ، وعن التّشويه الذي حاول أعداء الإمام إلصاقه بشخصيّته وما لا يمكن أن يصدّقه عقل من أكاذيب لا تنسجم مع سيرته العطرة وبلاغته التي لا تخفى على اللبيب.


[1] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 19 / 61، ينابيع المودة: الباب الثالث والعشرون، رواه عن ابن مسعود ورواه الميلاني في قادتنا: 2 / 108 عن الدميري في حياة الحيوان: 1 / 248 وعن الفضل بن روزبهان: انّه حديث صحيح لا ينكره إلاّ سقيم الرأي ضعيف الإيمان.
[2] الفخر الرازي في نهاية العقول: ص 104، ومستدرك الحاكم: ج 3 / 32، وتاريخ بغداد: ج 3 / 19، والذهبي تلخيص المستدرك: ج 3 / 32، وأرجح المطالب: ص 481
[3] ابن حجر، في الإصابة 2/509.
[4] ابن كثير في البداية والنّهاية، ج 11، ص 96. الطبراني المعجم الكبير، ج 11، ص 65. الأصبهاني معرفة الصحابة الجزء 1، ص 88. والكثير من الرواة والمحدّثين.
[5] محمود مصطفى العقاد.
[6] كتابه عبقرية الإمام علي, ص141.
[7] المرجع السّابق ص 144.
[8] نصّبته وكرّمته
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى