ف2: فضائله عليه السلام

كتاب امام الانسانية .. سيرة حياة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الصادر عن مؤسسة الامام علي بن ابي طالب (ع) للدراسات للتوثيق

2021.07.27 - 09:59
Facebook Share
طباعة

فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام):
بلغت فضائله "عليه السلام" من العظم والجلالة والانتشار والاشتهار مبلغاً يصبح معه التعرُّض لذكرها، والتصدي لتفصيلها، كمفسر الماء، فصارت كما قال أبو العيناء لعبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكِّل والمعتمد: "رأيتني فيما أتعاطى من وصف فضلك، كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزاهر، الذي لا يُخفى على الناظر، فأيقنت أنِّي حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز مقصر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكَّلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك".
حينما استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها، اجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره، والتحريض عليه، ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعَّدوا مادحيه وحبسوهم، وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمَّن له فضيلة، أو يرفع له ذكراً، حتى حظروا أن يسمَّى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلا رِفعةً وسموَّاً، وكان كالمِسكِ كلَّما سُتر انتشر عُرفه[1]، وكلما كُتم تضوّع نشره[2]، وكالشمس لا تستر بالراح[3]، وكضوء النهار إن حَجُبَت عنه عين واحدة، أدركته عيون كثيرة.
في الحقيقة فإنّ أمير المؤمنين لا تُنسبُ له الفضائل، وإنّما الفضائل تنتسب له. فبذكره تطيب الأعمال، وتستقيم الأقوال، وحسبنا أنّه تُعزى إليه كل فضيلة، وتنتهي إليه كل فِرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وسابق مضمارها، فإنّه عليه السلام مُظهرها، ومجلّيها، وكل من ظهر اسمه في ميدان الفضائل بعده، فإنّما أخذ منه واقتفى أثره، وعلى مثاله احتذى، وسنستعرض معاً أهمّ تلك الفضائل:
 
أولاً - بلاغتُه:
          تُنسبُ لسيّدنا عليّ (عليه السّلام) أربعُ مائةٍ وثمانونَ خطبةً، بينَ قصيرةٍ وطويلةٍ، كان يُوردُها على البديهة. وقد جمعَ الشاعرُ والعالمُ المعروفُ، الشريفُ الرّضيُّ، خُطَبَهُ وإنتاجَهُ في كتابٍ معروفٍ باسمِ "نهج البلاغة"، وقسّمَه إلى ثلاثةِ أجزاء: الأوَّلُ والثاني جمعَ فيهما خطبَه فقط، وفي الجزءِ الثالثِ جمعَ حِكَمَهُ وأجوبةَ مسائلِهِ ورسائلِهِ.
          ثم جاء ابنُ أبي الحديدِ المعتزلي، إذ طلب منه وزير الخليفة المستعصم مؤيّدُ الدين العلقميّ، أنْ يشرحَ "نهجَ البلاغةِ" لكي يكون مفهوماً للقراء بسبب جزالة ألفاظه وصعوبة تراكيبه وبلاغة معانيه، فأنفق أربعَ سنواتٍ كاملةٍ في كتابةِ شرح آثارِ الإمامِ عليٍّ بنِ أبي طالب. ولا يخفى على ذي حجى[4] مدى علم وفصاحة ابن أبي الحديد الذي اعتُبر شيخ المحدّثين في زمانه، لكنّه وقف مبهوتاً مدهوشاً أمام عظمة وبلاغة ما بين يديه من أقوال أمير المؤمنين، حتّى أنّ حاشية شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد تعدّ مرجعاً تاريخيّاً ولغوياً وعقائديّاً عند الكثير من فقهاء المسلمين.
من الثابت أيضاً إسهامات أمير المؤمنين الجمّة في حفظ القرآن واللغة العربيّة، فأهمّ قراءات القرآن مروية بالسّند عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكذلك حادثة جمع القرآن في عهد الخليفة عثمان بن عفّان تمّت بموافقة ومباركة الإمام عليّ (عليه السلام) وبإشراف مباشر منه على صاحبه ومواليه أبيّ بن كعب، وأخيراً فإنّ الإمام عليّ هو من نقّط اللغة العربيّة وأرسى قواعد النّحو حين أمر عامله أبو الأسود الدؤلي بوضع قواعد اللغة العربيّة [5]، فمن يجرؤ على هذا إلا بليغ متحصّن بالعلم، لا يخشى الخطأ ولا الركاكة، إنّه إمامنا وسيّدنا أمير المؤمنين (عليه السلام).
 
ثانياً- شجاعته عليه السلام:
أ‌-       بطولة عليّ (عليه السلام):
-         لم يسلم المسلمون من أذى قريش رغم رحيلهم عنهم، واستيطانهم في يثرب أو المدينة المنوّرة، فتتالت فصول العدوان والظلم على المسلمين، ابتداءً من مصادرة أموالهم وأملاكهم في مكّة، مروراً باستعداء العرب عليهم وتحشيد القبائل ضدّهم لإجهاض الدّعوة التي هددت جاهليّة قريش، فابتدأت منذ السنة الثانية للهجرة موجة من الوقائع والحروب والغزوات كانت ضرورية لردّ العدوان عن المسلمين أو للثأر من عدوان جرى عليهم، فالعدوان بحد ذاته محرّم في الإسلام، حتّى القتال دفاعاً عن النّفس احتاج إلى إذن من الله نزل قبل موقعة بدر في رمضان في السنة الثانية للهجرة. قال الله تعالى: "﴿أذن للذين يُقاتَلون بأنّهم ظُلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير[6]﴾، فكان لأمير المؤمنين في تلك المرحلة قصب السّبق ووقفات خلدّها التاريخ، وأجمع عليها أهل السير بمختلف مشاربهم ومذاهبهم، حتّى أنّ البعض شبهه عليه السّلام بأبطال الأساطير اليونانيّة كهرقل وعوليس وأخيل، أو رستم وزهراب في الشاهنامة الفارسيّة. والحقّ يقال أنّ ما ورد في المصادر التاريخيّة عن هذا الموضوع يجعل الإمام (عليه السّلام) في مصافهم أولئك الأساطير وأكثر، إذ لم يقف في التاريخ فارس واحدٌ بوجه جيش عرمرم، إلا هو وابنه الحسين[7] (عليه السلام) من بعده. ففي بدر خرج لمبارزة صناديد قريش وجندلهم بسيفه، وشدّ على المهاجمين من المشركين ومن خلفه عمّه الحمزة فقَتَلَ وحده نصف قتلى المشركين، حتّى صاح بهالحجاج بن علاط السلّمي مستعطفاً: "على رسلك يا ابن العمّ فقد أثكلت كلّ بيت في قريش"، فرقّ قلب الإمام (عليه السلام) له، وتركه حيّاً.
-         ويوم أحد بعدما انقلبت الأمور على المسلمين حين عصوا الرّسول وفرّوا تاركينه في الميدان لمصيره، ثبت معه عليّ (عليه السلام) وحده، يردّ عنه كتائب الفرسان الذين يريدون دمه الشريف، فجندل الإمام صناديدهم وردّهم حتّى عجزوا عن ذلك وانخذلوا، يومها سمع أهل أحد جميعهم، صوتاً ينادي في السّماء: "لا فتى إلا عليّ، ولا سيف إلَّا ذو الفقار[8]"، وهذه شهادة ربّانيّة لعلي وسيفه تجعله -كما قلنا- فوق مراتب الأساطير والحكايات التي يختلط فيها الحق بالغلوّ.
-         وهُوَ الّذي قَلعَ بابًا في حِصنٍ ضخمٍ في "خَيْبَر"، يحتاجُ عشرينَ رجلًا لفتحِه، فخلعه من مكانه، وبدأ يتّقي به السّهام المنطلقة من الحصن[9]. وفي ذات الموقعة، خرج له فارس خيبر صاحب الصيت المخيف، مرحب الخيبري، الذي كان يظنّ أصحابه أنّه لا يموت أبداً. هُوَ فارسُ فرسان القبيلة والعرب في تلك المنطقة من الجزيرة العربيّة، هرب المسلمون من أمامه اتّقاءً لبطشه وجبروته، غير أنّ الإمام واجهه بثباتٍ، وقتلَه بضربةٍ واحدةٍ لم يُثنّها، وكان فتح خيبر على يديه الشريفتين.
-         وله يوم الخندق حين جمعتْ قريش جيشًا ضخمًا حاصرت به المدينة مع أحلافها من القبائل العربيّة، موقفٌ شهيرٌ، يومها عبرت الخندق مجموعة من صناديد قريش بقيادةِ فارسِ فرسانِ العربِ، عمرُ بنُ عبدِ وِدٍّ العامريّ، الشهيرِ بقاتلِ الألفِ، أي أنّه وحده يعدل في الميدان ألف رجل. يومها تحدّى عمرٌو بنُ عبدِ وِدٍّ العامريُّ المسلمين، فأحجموا جميعاً عنْ مبارزتِهِ ولاذوا برسول الله (ص)، خوفاً منه ومن قوّته وجبروته، إلا عليّ (عليه السلام)، يقولُ لرسولِ الله "ص": "أنا لهُ يا رسولَ الله"([10])، حتى أَذِنَ لهُ رسولُ الله (صلواتُ اللهِ عليهِ وآلِه)، فخرج له عليّ (عليه السّلام)، وما هي إلا ضربة واحدة حتّى انهزمَ العامريُّ، وانتهت اسطورته على يد أمير المؤمنين. يومها قال رسول صلى الله عليه وسلّم في ذلك: "ضربة عليّ هذه توازي عبادة الثّقلين[11]". ومن الجدير بالذكّر أنّ خير من أرّخ لهذه البطولة الفريدة، هي أخت عمرو بن عبد ود العامري عمرة بنت عبد ود وكنيتها أمّ كلثوم، حين أنشدت في الإمام علي "عليه السلام" شعراً بعدما نعوا إليها أخاها فارس فرسان العرب ([12]):
لو كان قاتل عمرو غير قاتله          بكيته أبدا ما دمت في الأبد
لكنّ قاتله من لا نظير له               وكان يدعى أبوه بيضة البلد
وروي أيضاً أنَّ علياً "عليه السلام"، لما قتل عمرواً لم يسلبه، وكان من عادة العرب أنّ من يقتل مبارزاً في الميدان، يغنم درعه وسيفه وخوذته، فلمّا جاءت أخته رأته غير مسلوب، فقالت: "من ذا الذي اجترأ عليه؟"، فقالوا: "ابن أبي طالب"، فقالت: "ما قتله إلا كفؤ كريم.
فهل تكرر في التّاريخ أن يشهد ذوو المقتول بفضائل القاتل؟ إنّ هذا لا يحدث إلا إذا كانت القصّة تُروى عن عظيمٍ كأمير المؤمنين (عليه السلام).
-         تكررت بطولته الفريدة أيضاً يوم حنين، حين انكشف المسلمون أمام أحلاف المشركين من هوازن وثقيف، وتركوا رسول الله وحده في الميدان، فكان لعلي وقفته الشّهيرة مع بعض فتية بني هاشم التي ردّت الأذى عن رسول الله (ص)[13]، فكان سيف ذو الفقار يُطيح رؤوس المهاجمين الذين يريدون شرّاً برسول الله.
-         وفي حربٍ صفّين، وقبلَ أنْ يبدأَ القتالَ، دفعَ الإمامُ "عليه السلام" فرسَهُ إلى مقدّمةِ جيشِ معاويةَ، ثمّ نادى عليهِ ليبارزَهُ، حتّى لا يسقطَ ضحايا مِنَ الجيشينِ فتُحسِمُ الحربَ المبارزةُ بينَ قائدَيْها. فقالَ عَمْرُو بنُ العاص[14]: "لقدْ أنصفَكَ الرّجل".
 فقال معاويةُ: "ما غشَشْتَني منذُ نصحتَني إلا اليومَ، أتأمرُني بمبارزةِ أبي الحسن، وأنتَ تعلمُ أنّهُ الشجاعُ المُطْرِقُ، أراكَ طَمِعْتَ في إمارةِ الشّامِ بعدي". أي أنّ معاويةَ يعرفُ أن لا أملَ لأيِّ مبارزٍ بالفوزِ في مواجهةِ عليٍّ "عليه السلام".
يقول "عليه السلام" في ذلك عن نفسه: "ما بارزتُ أحدًا إلّا وكنتُ أنا ونفسُه عليه[15]". وقيلَ له: يا أميرَ المؤمنينَ ألا تُعِدُّ فرسًا للفرِّ والكرِّ؟ فقال "عليه السلام": أمّا أنا فلا أفِرُّ ومَنْ فرَّ منّي فلا أطلبُه[16]".
-         وقيل: "إنّه لمْ ينهزمْ في معركةِ قطُّ، ولمْ يكرِّرْ ضربةَ قطّ([17])، إذا ضربَ من أعلى قدَّ[18]، وإذا ضربَ من الجانب قطَّ[19]، وفي الحديثِ كانتْ ضرباتُه وِترًا[20]".
 
    ب - عليّ الفدائي:
 
من ضروب شجاعته العظيمة أيضاً، تلك النّزعة الفدائيّة التي اتّسمت بها شخصيّته، إذ لم يكن يُبالي بالموت طالما أنّه في سبيل الله ورسوله والمصلحة العامّة للمسلمين، ونرى ذلك يتجلّى في عدّة مواقف أهمّها:
-           بعد الجهر بالدّعوة، وبدء ارتداد النّاس عن دين الجاهليّة، تململت قريش من هذا الذي يدّعي أنّه رسول، ويسفّه الأصنام التي هي مصدر عزّ قريش ومكّة، فمكانة قريش بين العرب اتّخذتها من كونها الحارس على كعبة الله وما تضمّنته من أصنام للعرب هي ودائع عند قريش تحميها للعرب، ويأتون لزيارتها كلّ عام في موسم الحج. بدأت قريش تكيد للنّبي وأصحابه، خاصّة أنّهم قلّة مستضعفين، إذ كان كلام النّبيّ (ص) يستهوي الضّعفاء والمساكين ويستعدي الطّغاة وأهل الكبر. فكانت السنين الأصعب التي عاشها النّبي ومن تبعه من المسلمين، فيها القتل والتنكيل والتعذيب، والحصار، فحوصرَ النبيُّ ومَنْ مَعَهُ مِنَ المسلمينَ الأوائلِ في شعب أبي طالب بمكّة، حيث مُنع عنهم الماء والزرعَ والطعامَ. قرابةَ مائةِ شخصٍ مَعَ عوائلِهِم، لا تبيعُهم قريش شيئًا ولا تشتري منهم، بل وتمنع عنهم من يودّ ذلك.
كانَ الإمامُ "عليه السلام"، فتًى لمْ يتجاوزِ العقدَ الثانيَ بعد، ينزِلُ منَ الجبلِ إلى المدينةِ مخاطِرًا بنفسِه مَعَ آخرينَ لنقلِ الماءِ والطعامِ إلى المحاصَرينَ في الشِّعبِ، غير هيّاب لسطوة قريش وأزلامها، فمن غير فتى بني هاشم يجرؤ على مخالفة جبروت قريش؟ على هذِهِ الحالِ، بقيَ المسلمونَ الأوائلُ حتّى أذن الله لرسوله وللمسلمين بالهجرة، فكان آخر من بقي في مكّة من المسلمين عليّ وأبو بكر والمصطفى (ص) وبضعة نسوة من بني هاشم.  ظنّت قريش أنّها تستطيع الاستفراد بالنّبيّ وقتله، خاصّة وأنّ كافله وحاميه أبو طالب مات في الحصار، فجهّزتْ فِرْقةً لاغتيالهِ مؤلَّفةً من فرسانٍ من قبائلَ شتى حتّى يضيعَ دمُهُ بينَ القبائلِ، فلا يدري أهلُه ممّنْ يطلِبون ثأرَه، على عادةِ العربِ في الانتقامِ ذاكَ الزمان.
-         ثمّ كانت ليلة هجرةِ الرّسول (ص) من مكةَ إلى يثربَ، وكتيبة الإعدام مرابطة على الباب، ليلتها طلب النّبي من عليّ أن يبات في فراشه. لم يعبئ عليّ (عليه السلام) بالخطر، بل سأل الرّسول بنفسٍ تشتعل خوفاً على رسول الله: "أوَتسلمنّ يا رسول الله؟"، فطمأنه الرّسول بأنّ الله معه وسيكفيه النّاس فلادّ أمير المؤمنين: "إذاً لا أبالي[21]".
 قال أمير المؤمنين، في حادثة مبيته على فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم:
وقيت بنفسي خير من وطىء الحصى          ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رســــــــــــــــــــــول إله خاف أن يمكروا به               فنجّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاه ذو الطول الإله من المكر
وبـــــــــــــــــات رسول اللَّه في الغار آمناً                مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوقّىًوفي حفظ الإله وفي ستر
وبتّ أراعـــــــــــيهم ولما يشوشني وقد             وطّـــــــــــــــــــــــــــــــــنت نــــــــفسي على القتل والأسر
ونزل قوله تعالى في حقّ الإمام عَلِيّ بن أبي طالب "عليه السلام": "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ"([22]).
-         يوم أحد، وبعد انقشاع غبار المعركة، وإخلاء قريش للميدان مزهوّةً بانتصارها، وقف الرسول الكريم وعليّ على يمينه يتأمل جثمان عمّه وأخيه من الرّضاعة ورفيق عمره الحمزة بن عبد المطلب مقلوع العينين، مجدوع الأنف، مبقور البطن، وقد أُخرجت أحشاؤه، ومثّل به أشنع تمثيل. لم يستطع الرّسول تمالك نفسه فانحلّت قدماه من الحزن على الحمزة، وكاد يقع لولا أنّ علياً أسنده، وقال له مواسياً: "أعظم الله لك الأجر يا مولاي، مُرني فلا أعود من مكّة إلا بثأر يليق بعمي"، عندها أمره الرّسول باختيار سبعين رجلاً فدائياً من المسلمين، وأمرهم أن يعصبوا رؤوسهم بعصابات حمراء كدليل على طلبهم الشّهادة في سبيل الله، ثمّ أعطى رايته المعقودة سلفاً لعلي، الذي سارع بطلب المشركين، فأدركهم في موقع مشرف على طريق مكّة يدعى "حمراء الأسد". غير أنّ المشركين لمّا علم بنيّة المسلمين بالانتقام، سارعوا بالعودة إلى مكّة، ولم يجرؤا على ملاقاة الرّجال السبعين، مع أن جيش قريش كان يقدّر بثلاثة ألاف مقاتل، مزهوين بنصر الأمس، إلا أن خشيتهم من بأس عليّ ورفاقه دفعهم إلى الهرب وتجنّب اللقاء. فأنزل الله تعالى في ذلك: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}[23].
 
-         سرّ قوّة الإمام (عليه السّلام):
 
برغم بطولته الفريدة، وإقدامه النّادر، وشجاعته العظيمة، فقدْ كانَ الإمام لا يبدأُ أحداً قتالًا، بل يعرِضُ على خصومِهِ أنْ يتركوا الحربَ ويختاروا السّلمَ، يحاورُهُم بصدق ويُعلِمُهُم أنما هُوَ يقاتلُ للهِ العليِّ القديرِ، لا لشخصِهِ ولا لمجدِهِ، وأن دينَهُ يأمرُهُ بعدمِ ارتكابِ العُدوانِ، ويقبلُ منهمُ السّلمَ إنْ جَنَحوا لهُ وتركوا الحربَ، فإنْ قرّروا العِنادَ وقرّروا الاستمرارَ في العُدوانِ، حينَها فقطْ يقاتلُهُم. فقوّةُ الإمام لم تتأتّى من المادّيات والعضلات كغيره من أبطال التّاريخ والسير، بلْ أتت قوّته من الإيمانِ ومِنْ قوةِ الرّوح، فقد قالَ عنْ نفسِهِ: "واللهِ ما خلعتُ بابَ خيبرَ بقوةٍ جسديةٍ، ولكنْ بقوةِ روحيّة"([24]). وهو الذي أراد يومًا أنْ يكسرَ قُرصًا من الخبزِ، فلمْ يستطعْ أنْ يكسرَهُ إلا بعدَ الاستعانةِ بيديهِ وركبتِه، لوهن جسده، إذاً فهي قوةُ الرّوحِ، لا قوةُ الجسم ([25]).
 
ثالثاً إنسانيّة علي بن أبي طالب (عليه السلام):
         علّمنا أمير المؤمنين من خلال سيرته الحافلة بالمواقف الإنسانيّة أنّ قيمة الفرد تتأتى من إنسانيّته فقط، لا من الجاه ولا السلطة ولا القرابة ولا العنصر. يقول في ذلك "عليه السلام": "الذليل عندي عزيز، حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه[26]"، ويقول "عليه السلام" أيضاً: "النَّاس صنفان، إمَّا أخٌ لك في الدِّين، أو نظيرٌ لك في الخلق[27]". إنَّه حضور إنساني كبير، في قلب استوعب الجميع، فدافع عن الفقير والمظلوم، المسلم وغير المسلم، الأبيض والأسود. حتّى أنّه دافع عن معارضيه، الذين تأمروا عليه وهم في حمايَته، وهو يعلم بذاك؛ لأنَّه "عليه السلام" لا يسبق الجناية بالعقاب، وبذلك رسم الإمام "عليه السلام" منهجاً سياسيَّاً يحفظ ويحمي للإنسان حريَّتَه في التعبير عن رأيه، والوصول إلى الحق باختياره، إذ لم تكن السياسة عنده إلا مبادئ أخلاقيَّة وإنسانيَّة ودينيَّة، لا وسيلة نفعيَّة تبرَّر فيها الغاية الوسيلة، فلم يكن "عليه السلام" ليضحّي بهذه المبادئ ولو كانت تؤدي إلى شهادته، لأنَّها الأصل الذي يَهدف إلى امتداد القيم وترسّخها في عمق الضّمير البشري. ولا أدلّ على إنسانيّته من وصيّته لابنه الحسن على فراش الموت، أن يرفق بقاتله ابن ملجم، وألا ينكّل أو يمثّل به[28]، فأيّ حاكم عبر التّاريخ تحلّى بمثل هذه الإنسانيّة؟
في سيرة أمير المؤمنين "عليه السلام" نجد تجليّات انسانيّته بدقَّة وموضوعيَّة وتجرُّد في كلّ تفاصيل حياته، وهذا ما شهد به ألدّ أعداءه، ويمكن لنا أيضاً أن نستشف منهجه السياسي الإنساني المُنصف للجميع دون تمييز لفئة على فئة؛ فهو الذي رفض المبايعة من طريق المساومة على المبادئ، لأجل حصد الأنصار المتدافعين على المصالح السلطويَّة، فهذا المنهج الإنساني الذي يحمي المظلوم، ويُدافِع عن حقوق الإنسان في الأمن والحريَّة، لم يكن معروفاً قبل عليّ (عليه السلام)، وكيف لا وهو تلميذ مدرسة النّبوّة من الفها إلى ياءها. لذا لم تستطع الإنسانيّة تفهّم نهج الإمام العظيم إلا بعد مرور مئات السنين، وتناوب الحضارات، فمنهج الإمام علي "عليه السلام" في الحكم والحياة، سبق عصر الحقوق، والقانون الدّولي الإنساني، وكلّ المنادين بالإنسانيّة بأشواط كبيرة، خاصّةً أنّهم نظّروا فقط، بينما أعطى هو تطبيقاً عملياً لعالمٍ خالٍ من المستضعفين.
رابعاً - حلمه وصفحه "عليه السلام":
          جُبلت نفس مولانا أمير المؤمنين على السماحة والحلم، فكان بحقّ إمام السّماحة والحلم عبر الزمن بلا منازع. فهو وحده دوناً عن بقيّة المسلمين فهم درس رسول الله (ص) يوم الفتح، كيف يكون مقتدراً فيعفو.
ربّما لا نستطيع أن نحصر في كتاب مهما تعددت صفحاته جوانب الحلم والسّماحة في حياة أمير المؤمنين، لكننا سنشير إلى بعض الصّور من سماحته سلام الله عليه، تلك التي أظهر فيها طبعاً لا يألفه البشر عادة.
ففي يوم الجمل، حين ظفر الإمام بأعدائه، وسقط أهل البصرة بين قتيل وجريح وفار، أصدر الإمام عفواً عامّاً عن كلّ من قاتل في الموقعة، في سابقة تاريخيّة قلّ مثيلها، فها هو مروان بن الحكم، يقول عن ذلك، وقد كان في جيش البصرة: "لمّا توافقنا يوم الجمل لم يلبث أهل البصرة أن انهزموا، فقام صائح لعليّ فقال: لا يقتل مدبر، ولا يذفف[29] على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن طرح السلاح فهو آمن.
قال مروان فدخلت داراً، ثمّ أرسلت إلى حسن وحسين وابن جعفر وابن عباس فكلموه، فقال: هو آمن فليتوجه حيث ما شاء، فقلت: لا تطيب نفسي حتى أبايعه، قال: فبايعته، ثمّ قال: اذهب حيث شئت[30]". ثمّ ظفر يومها بعبد الله بن الزبير، الذي لم يوفّر شتيمة للإمام، فصفح عنه وقال اذهب فلا أريدك لم يزده على ذلك، وظفر بسعيد بن العاص أيضاً، فأعرض عنه، ولم يقل له شيئاً. أمّا ما فعله مع السيّدة عائشة لمَّا انتهت المعركة فهو مدرسة بخدّ ذاته، فقد أكرمها إكراماً لرسول الله، وأرسلها للمدينة معززة يخفرها عشرون امرأة من نساء عبد القيس عمَّمَهنَّ بالعمائم، وقلَّدهن بالسيوف، حتّى لا يقولن أحدٌ أنّ أمير المؤمنين هتك لرسول الله حرمة.
ما يزال إعلان العفو العام الذي أصدره الإمام عليه السّلام بعد موقعة الجمل مثالاً يحتذى للعاملين في المجال الإنساني، إذ لم يقم أيّ جيشٍ مظفر عبر التاريخ بتطبيق ما ألزم به الإمام (عليه السلام) أصحابه، فقد سارع إلى إرسال داعٍ إلى البصرة يبلّغهم العفو، كي يأمنوا في دورهم ومساكنهم، فلا انتقام ولا ضغينة، هي فتنة انتهت والسلام، نادى يومها منادي الإمام في النّاس بعد المعركة مباشرة: "ألا لا يتبع مولى ولا يجهز على جريح، ولا يقتل مستأسر، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن تحيَّز إلى عسكر الإمام فهو آمن"، لم يأخذ أثقالهم، ولا سبى ذراريهم، ولا غنم شيئاً من أموالهم، ولو شاء أن يفعل كلَّ ذلك لفعل، ولكنَّه أبى إلا الصفح والعفو.
وفي صفّين، لما ملك عسكر معاوية عليه الماء، وأحاطوا بشريعة الفرات[31]، سألهم عليّ "عليه السلام" وأصحابه أن يسمحوا لجيشه بشرب الماء، فقالوا: "لا والله، لا تذوقوا منه قطرة"، فلمَّا رأى "عليه السلام" أنَّه الموت عطشاً لا محالة، تقدَّم بأصحابه، وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة، حتى أزالهم عن مراكزهم، بعد قتل ذريع سقطت فيه الرؤوس والأيدي، وملكوا  الماء، فانعكست الآية، وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم، فقال له أصحابه وشيعته امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي، فلا حاجة لك بالحرب، فقال عليه السلام كلاماً لم يتوقّعوه، فهو الذي يبدّي السّماح والإنسانيّة على الانتقام، قال يومها لأصحابه: "لا والله، لا أكافئهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة ففي حد السَّيف ما يغني عن ذلك"، أي أنّه لا يسمح بقتل عدوّه ظمأً،  فبينهما السّيف، والسيف فقط هو الفيصل والحكم، والميدان، لعمري إنّه منطق النبلاء والفرسان الشجعان، الذين لا يخشون المواجهة، ومنطق أهل السماحة والحلم والدين والورع، وفارسها وسيّدها الإمام عليّ "عليه السلام".
نستطيع أن نصنّف الكتب والمجلدات في أخلاقه في الحروب، فهو قبل فقهاء القانون الدولي الإنساني مؤسس لفقه الحرب، وسيّد من أنسنها، فالحرب في عرف البشر شرٌّ لا بدّ منه، يبدأها الجاهل، ويخوضها العاقل، ويضبطها الحكيم، ويُنهيها الحليم، فالإمام (عليه السّلام)، لم يبدأ حربًا قطّ، ولا غزا بلدًا، ولا اعتدى على أممٍ، ولا أجبر شعبًا على اعتناقِ الدّينِ، كما فعل غيره، ومن جاؤوا بعدَهُ، بصفتِهِم خلفاءَ حاكمينَ للدولةِ الإسلاميُّةِ.
 
خامساً- أخلاقه "عليه السلام":
 
          تربّى الإمّام في حجر النبيّ، والنّبي هو أعظم النّاس خلقاً، وقد قال الله تعالى فيه: "وإنّك لعلى خلقٍ عظيم[32]"، إذاً فهو تعلّم الأخلاق على يد خير معلّمٍ في الدّنى، وربّما يكون قد نال غيره أيضاً حصّةً من التعليم على يد الرّسول، ولكن لم يخبرنا التاريخ عن شخصيّة أحسنت التأسّي برسول الله كالإمام عليّ (عليه السلام)، فقد أثبت الإمام طيلة حياته أنّه بدّى الأخلاق على ما سواها من نوازع النّفس البشريّة، فهو بذلك ارتفع عن سويّة البشر برأي الكثيرين، فليس هناك من يستطيع الثبات على أخلاق أمير المؤمنين، فقد قال لأصحابه يوماً: "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد[33]".
فهو المتواضع رغم ملكه لأكبر الدّول في عصره حين استلم الخلافة، لدرجة لفتت أنظار المدعوين إليه، يلبس المرقوع والخشن من الثياب، وهو أمير المؤمنين، فقد روى عمرو بن قيس قال: "رُئي على عليٍّ ثوب مرقوع فعوتب في لباسه، فقال: يقتدي المؤمن، ويخشع القلب"([34]، لم يكن لبسه للمرقوع عجزًا عن غيره، ولكن قهرًا للنفس، ومعالجة للقلب، ليكون أكثر إنابة وخشية لله سبحانه وتعالى، فإن القلب كلما فرِّغ من حطام الدنيا وزينتها، كان أقرب للتعلّق بمولاه، والعمل بتقواه، إضافة إلى ذلك فهو أدعى لاقتداء المدعوين به. وفي موقف آخر من مواقف أمير المؤمنين "عليه السلام" في التواضع، ما كان منه حين اشترى تمرًا بدرهم، فحمله في ملحفته، فقالوا: نحمل عنك يا أمير المؤمنين؟ قال: "لا، أبو العيال أحق أن يحمل"([35]).
        ولما أُتي عليٌّ "عليه السلام" ببرذون([36]) عليه صفة ديباج، وضع رجله في الركاب وأخذ بالسرج زلت يده عنه، فقال: ما هذا ؟ قالوا ديباج، قال: والله ! لا أركبه ([37]).
       وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" بتواضعه هذا يعلم علم اليقين ما لهذا الخلق العظيم من أثر على الرّعيّة، وهو الذي يقرأ في القرآن الكريم أمر الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد "ص" بالتواضع للناس، بقوله: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}([38]).
       وخلق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" وسع حتى أشد الناس عداوة له، وأضرّهم به، وأشدهم حقدًا عليه، هو عبد الرحمن بن ملجم الذي ضربه على رأسه بالسّيف، فقد أمر بنيه أن يحسنوا إليه، ويطيبوا مطعمه ومشربه، وألا يمثلوا به، قال لهم: "إنه أسير، فأحسنوا نزله، وأكرموا مثواه، فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن مت فاقتلوه ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين"([39])
 
سادساً – عبادته، وتقواهُ (عليه السلام):
 
          لا ينكرُ أحدٌ أنّ الإمام عليّ (عليه السلام) هو مِن عظماءِ هذا الكونِ في عبادتِهِ ونُسُكِهِ، فهُوَ الّذي علَّمَ الناسَ حبّ الله، وحبّ التنسّك في المحراب تعظيماً لذات الله، فالعلاقة بين عليّ والله علاقة محبّة جميلة يتمنى الإنسان أن يتأسّى بها، فهو القائل: "إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك، لكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك[40]". هذه العلاقة التي أسس لها النّبيّ (ص)، وبلورها الإمام (عليه السلام) في مسيرته العباديّة، كانت الملهم لكثير من الفلاسفة والنسّاك عبر العصور ليجترحوا النّظريات حول العلاقة السويّة مع الله، ومحبّته لا لشيء، فقط لكونه إلهاً عظيماً يستحقّ ذلك. بالطّبع فإن أصحاب الوعي القليل ينحازون لخطاب الترغيب والترهيب، غير أنّ الإنسان الذي وعّاه الرّسول (ص) يحب الله لأنّه الله.
تتضّح علاقة الإمام الفريدة مع خالقه من خلال الأذكار والأوراد المأثورة عنه، والتي فيها تصوير رائع لنوعيّة الإيمان السّليم التي يطلبها الله من عباده، بعيداً عن الرّياء والزيف.
إن للإمام عليّ علاقة خاصّة مع ربّه، فهو الذي عبده منذ تفتّح الوعي ولم يرتضِ له رباً غيره، فكان إذا صلّى غاب عن دنياه في دنيا ولا أحلى، ولولا مسؤوليّاته الجسام لترهبن في محراب العبوديّة للمولى عزّ وجلّ تطوّعاً وحباً وكرامة. حتّى جهاده في سبيل الله كان عبادة، وهو الذي قال رسول الله (ص) عن ضربته يوم الخندق: "ضربة عليّ توازي عبادة الثقلين[41]".
أمّا تقواه وعفّته، فهو الذي قالوا عنه أنّه أكثر النّاس ورعاً عن محارم الله، وأثر عنه كذلك أنّه ما نظر إلى عورةٍ قطّ، وحادثة "صفين" مشهورة، حين سقطَ عمرو بنَ العاص أرضًا وهُوَ يبارزُهُ، فلمّا أرادَ الإمامُ الإجهازَ عليه انقلبَ ابنُ العاص مُظْهِرًا قفاهُ وكاشفًا ملابسَهُ عنْ سوْءَتِهِ[42]، فانصرفَ عنهُ الإمامُ عليٌّ، وهُوَ يعلمُ أنّ قتلَ عمرٍو بنِ العاص كانَ سيُنهي الحربَ بانتصارِهِ هُوَ، وقدْ كان عمرٌو أحدَ دهاةِ العربِ الأربع. وإلى هذا يشيرُ الشاعرُ أبو فراسٍ الحمدانيّ:
ولا خيرَ في دفعِ الردى بمذلّةٍ         كما ردّها، يومًا بسوءتهِ "عمرُو"
وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا        لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ
 
سابعاً - سخاءه وجوده عليه السلام:
 
          أما السخاء والجود فحاله فيه ظاهرة، وكان يصوم ويطوي ويؤثر بزاده وفيه وفي زوجه الزهراء وبنيه الحسن والحسين نزل قول الله تعالى: "وَيُطْعِمُونَ اَلطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اَللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً[43]".
           وأُنزل الله فيه قوله تعالى: (اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَاَلنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً)([44])، ولا ننسى أيضاً قول الله تعالى : "الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزّكاة وهم راكعون[45]"[46]، فهذه الشّهادة جاءت من الخالق عزّ وجلّ بحقّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، من أنّ صلاته لم تكن لتلهيه عن السّخاء والجود، ومنها أعطى الإله إجازة للمصلين أن يتحرّكوا في صلاتهم إذا كان لأجل غرضٍ سامٍ، كتأديّة واجب العطاء للنّاس، فلم يكن ذلك من مبطلات الصلاة، فأيّ النّاس له مثل تلك الشّهادة من الله في كتابه؟
وقال الشعبي عنه "عليه السلام": "كان أسخى الناس[47]". روى الأصبغ بن نباتة قال: جاء رجل إلى الإمام فقال له: يا أمير المؤمنين إنّ لي إليك حاجة قد رفعتها إلى الله تعالى قبل أن أرفعها إليك، فإن قضيتها حمدت الله تعالى وشكرتك وإن لم تقضها حمدت الله تعالى وعذرتك، فقال له الإمام (عليه‌ السلام): اكتب حاجتك على الأرض فإنّي أكره أن أرى ذلّ السّؤال على وجهك، فكتب الرجل إنّي محتاج فأمر الإمام بإحضار حلّة[48]، فأتي بها إليه، فأخذها الرجل، فلبسها وقال:
كسوتني حلّة تبلى محاسنها               فسوف أكسوك من حسن الثّنا حللا
إن نلت حســن ثنائي نلت مكرمة                   ولست تبغي بما قد قلته بدلا
إنّ الثّناء ليحيي ذكـــــــــــر صاحبه               كالغيث يحيي نداه السّهل والجبلا
لا تزهد الـــــــــــدّهر في خير تواقعه             فكلّ شخص سيجزى بالّذي عملا
وأمر الإمام بمائة دينار فلمّا حضرت دفعها له وبادر الأصبغ قائلا: أمير المؤمنين ومائة دينار؟! فأجابه الإمام: سمعت رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌) يقول: أنزلوا النّاس منازلهم وهذه منزلة الرّجل عندي[49].
كان على الخلق الذي يحبُّه الله، السخاء والجود، ما قال لا لسائل قط، حتّى أنّ عدوه معاوية بن أبي سفيان قال لمحفن بن أبي محفن الضبي، لما قال له جئتك من عند أبخل الناس فقال: "ويحك كيف تقول إنَّه أبخل الناس، لو ملك بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفد تبره قبل تبنه، وهو الذي كان يَكنُس بيوت الأموال، ويصلِّي فيها، وهو الذي قال: "يا صفراء ويا بيضاء غري غيري"، وهو الذي لم يخلف ميراثاً، وكانت الدنيا كلَّها بيده إلا ما كان من الشام[50].
 
ثامناً - زهده عليه السلام:
 
أمّا زهده "عليه السلام" فهو نزع لكل عوامل النفوذ والقوَّة من قلبه، تلك النّوازع التي تحرِّك في الإنسان عناصر الجشع والطمع والطغيان؛ فبهذا الزهد الخالص يصبح الحاكم منسجماً مع الحق الإنساني متضادّاً مع أهواء الباطل؛ فالسُّلطة النّهمة تؤدي إلى الفساد السياسي والاستبداد المطلق والعنف الدّامي، وزهده "عليه السلام" قمَّة الواقع التطبيقي لحاكم عادل تتمثل فيه المبادئ التي تصبح رمز قوته في بناء السعادة والعدالة الإنسانيَّة؛ يقول "عليه السلام": "أأقنع نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدَّهر؟ أو أكون أسوةً لهم في جشوبة العيش؟ فما خُلقت ليشغلني أكل الطيِّبات كالبهيمة المربوطة همَّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمِّمَها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها[51]"، ويقول "عليه السلام" أيضاً: "وإنْ دُنياكُم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضُمَها، ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى، نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزَّلَلَ وبه نستعين[52]". مسألة الزّهد عند أمير المؤمنين (عليه السّلام) ليست محلّ نقاش، فقد عُرف عنه زهده بالخلافة طيلة حجبها عنه، وزهده بمزاياها حين قدّموها له، واكتفاءه من دنياه بقرصي شعير بتناولهما يوميّاً وهو خليفة واحدة من أكبر الدّول في العالم القديم: "ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه[53]، ومن طعامه بقرصيه[54]". ونستشهد من عظات الإمام للناس بنموذجين:
 النموذج الأوَّل - خطبته "عليه السلام" بالكوفة:
خطب علي بن أبي طالب "عليه السلام" بالكوفة فقال:
"أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ، فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ، أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ[55]، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ اصْطَبَّهَا صَابُّهَا، أَلَا وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ كُلَّ وَلَدٍ سَيُلْحَقُ بِأَبِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ"([56]).
النموذج الثاني - كلام الإمام علي "عليه السلام" لأبي ذر الغفاري عند وداعه:
          أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري (المتوفى سنة 32 هـ)، هو صحابي من السابقين إلى الإسلام، قيل رابع أو خامس من دخل في الإسلام، وأحد الذين جهروا بالإسلام في مكَّة قبل الهجرة النبويَّة، قال عنه الذّهبي في ترجمة له في كتابه "سير أعلام النبلاء": "كان رأسًا في الزُهد، والصدق، والعلم والعمل، قوّالاً بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، على حِدّةٍ فيه"([57]). بعد وفاة النبي محمد، شارك أبو ذر في الفتح الإسلاميُّ للشام، وشهد فتح بيت المقدس مع الخليفة عمر بن الخطاب، وبعد الفتح أقام في الشام يُفتي الناس ويُعلّمهم أمور دينهم، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ولكن في حِدّة، تسببت حدّته تلك في فساد العلاقة مع معاوية بن أبي سفيان والي الشام، حين اختلفوا في آية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" فيمن نزلت، حيث قال معاوية: "نزلت في أهل الكتاب"، بينما قال أبو ذر: "نزلت فينا وفيهم"، فكتب معاوية يشكوه إلى الخليفة عثمان بن عفان، بأنَّه أفسد عليه الشام، فطلبه عثمان؛ فخرج أبو ذر إلى المدينة، وأقام أبو ذر في المدينة يدعو الناس بنفس المنهج الحاد، ما دعا الخليفة عثمان لمعاملته معاملة خاصَّة يَغالبُها الحذر، وما لبث أن اصطدم معه أيضاً، فقرَّر نفيه إلى الربذة[58]. وعندما جاء أبا ذر لوداع الإمام علي "عليه السلام" فكان من أبلغ ما قاله في لحظة وداعه: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ غَضِبْتَ لِلَّهِ فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ، إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ وَخِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ، فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْهِ، وَاهْرُبْ مِنْهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ، فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ، وَمَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ، وَسَتَعْلَمُ مَنِ الرَّابِحُ غَداً، وَالْأَكْثَرُ حُسَّداً، وَلَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْدٍ رَتْقاً، ثُمَّ اتَّقَى اللَّهَ، لَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً، لَا يُؤْنِسَنَّكَ إِلَّا الْحَقُّ، وَلَا يُوحِشَنَّكَ إِلَّا الْبَاطِلُ، فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لَأَحَبُّوكَ، وَلَوْ قَرَضْتَ مِنْهَا لَأَمَّنُوكَ"([59]).
إن وصف أمير المؤمنين للدنيا وتفاهة ما فيها في الخطبة الماضية، لهو مدرسة في الزّهد قائمة بذاتها، فوالله إنّ المجلدات تصغر أمام معانيها العميقة، وبعد مراميها.
 
هذا غيض من فيض أخلاقه العظيمة التي لم ينازعه فيها أحد من خصومه، فهم ما اختلفوا معه في مسألة الأخلاق قط، وإنّما نازعوه في الملك ليس إلا، وكل نفسٍ بما كسبت رهينة، وكلّ امرؤٍ يعرف بما أثر عنه، ولو أردنا الاستفاضة في شرح أخلاقه العظيمة (عليه السلام) لضاق بنا المجال، قبل أن نبلغ الأرب.
 
 


[1] الرائحة الطيّبة.
[2] تضوّع نشره: أي انتشرت رائحته الزّكيّة.
[3] راحة اليد.
[4] عقل
[5] الإصابة لابن حجر، ج3 ص456.
[6] سورة الحج، آية 39.
[7] موقعة كربلاء سنة 6- ه، إذ بقي الحسين وحده يقاتل آلافاً مؤلّفة من جيش عبيد الله بن زياد، إلى أن سقط شهيداً في موقعة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.
[8] الطبري، تاريخ الطبري: ج2، ص197، الهيثمي، مجمع الزوائد: ج6، ص114، الهندي، كنز العمال: ج15، ص126، ابن كثير، البداية والنهاية: ج6، ص5، ابن هشام، السيرة النبوية: ج2، ص106، المعتزلي، شرح نهج البلاغة: ج14، ص250 .
[9] الحسين بن محمد ابن الحسن الديار بكري في تاريخه الخميس في أحوال أنفس النفيس، والحافظ الطبري في ذخائر العقبى، وأحمد في مسنده، وابن عبد البر في الدرر، والذهبي في تاريخ الإسلام، وابن كثير في البداية والنهاية وفي السيرة النبوية، وابن هشام في السيرة النبوية، والخوارزمي في المناقب، والقندوزي في ينابيع المودة، ومحمد بن يوسف الصالحي الشامي في كتاب سبل الهدى والرشاد.
[10] - محمد مهدي الحائري، شجرة الطوبى، الجزء الثاني، الصفحة 288, شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، الجزء 19، صفحة 63.
[11] الفخر الرازي في نهاية العقول: ص 104، ومستدرك الحاكم: ج 3 / 32، وتاريخ بغداد: ج 3 / 19، والذهبي تلخيص المستدرك: ج 3 / 32، وأرجح المطالب: ص 481
[12] - المستدرك على الصحيحين, ٣ / ٣٦ / ٤٣٣٠ وراجع بحارالأنوار: ٢٠ / ٢٦٠, وذكره عباس العقاد في كتابه, عبقريَّة الإمام علي, دار الكتب المصريَّة, وكالة الصحافة العربيَّة ناشرين, 2018م.
[13] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 62؛ الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، ج 1، ص 386.
[14] أحدُ مستشاري معاوية وقد اشتهر بمراوغته وحنكته وعداءه لأمير المؤمنين عليه السلام.
[15] أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٣٣٠.
[16] مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج ٣ - الصفحة ٨٤.
[17] - بحار الأنوار العلامة المجلسي، ج109، ص36.
[18] فلقّ.
[19] شقّ.
[20] أي ضربة واحدة لا تُثنّى.
[21] عن المجلسي، بحار الأنوار، ج19، ص60.
[22] - ذكر قصّة مبيت الإمام عليّ ع - في فراش النبي "ص" عدد كبير من العلماء والمؤرّخين منهم: الطبري: 2/99, وأحمد بن حنبل في مسنده:1/ 313، وأسد الغابة:4/45 وابن عساكر في تأريخ دمشق 137/1،   والحاكم في المستدرك 3/4، وبحار الأنوار, 19/60.
[23] أسباب نزول الآية 172 من سورة آل عمران في تفسير البغوي، وتفسير السعدي، التفسير الوسيط، تفسير ابن كثير، تفسير الطبري.
[24] - ذكر ذلك في أمالي الشّيخ الصّدوق، صفحة 514, المجلس 77 ج10، وانظر الإرشاد: ج1 ص128, وذكره تاريخ الخميس ج ٢ صفحة ٥١ عن شرح المواقف، وذكر في البحار ج ٢١ صفحة ٤٠ عن مشارق أنوار اليقين، وفي إرشاد القلوب ٢: ٢١٩.
[25] - ذكر ذلك الشيخ الإربلي، في كشف الغمَّة، ج‏1، صفحة 237, وذكر في أعلام الهداية، الإمام علي بن أبي طالب "ع"، المجمع العالمي لأهل البيت، صفحة 31-32.
[26] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٨٩
[27] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٣ - الصفحة ٨٤
[28] ابن جرير في تهذيب الآثار، البيهقي في السنن الكبرى، الطبراني في المعجم الكبير، الحاكم في المستدرك،
[29] يجهز على جريح.
[30] أنساب الاشراف (ترجمة الإمام) ۲ / ۲٦۲. شرح النهج لابن أبي الحديد ۲ / ٥۳.
[31] مكان يُسقى منه الجند والدّواب.
[32] سورة القلم، الآية 4.
[33] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٦ - الصفحة ٢٠٥.
[34] - أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة، تحقيق وصي الله بن محمد عباس 1 / 549, وقال المحقق: إسناده صحيح، وأخرجه الإمام أحمد أيضًا في الزهد صفحة 163, وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة 3 /213.
[35] - أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة، تحقيق وصي الله بن محمد عباس 1 / 546، وكذلك أخرجه في كتاب الزهد صفحة 166, وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 8 / 5, والكامل في التاريخ 2 / 443, والمحب الطبري في الرياض النضرة 3 / 218.
[36] - البرذون: وهو ما ينتج عن إتيان الحمار للفرس، وهو عكس البغل.
[37] - أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 11 / 71.
[38] - سورة الشعراء، الآية 215.
[39] - أخرجه ابن سعد في الطبقات 3 / 35, وابن الأثير، أسد الغابة 4 / 35, وأخرج الإمام أحمد في فضائل الصحابة نحوه، تحقيق وصي الله بن محمد عباس 2 / 560, وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، تحقيق د. باسم فيصل الجوابره 1 / 140, والطبراني في الكبير 1 / 58.
[40] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤١ - الصفحة ١٤.
[41] راجع فقرة شجاعة عليّ يوم الخندق.
[42] العقد الفريد، ج4، ص97.
[43]  سورة الدّهر، الآية 9.
[44] - ذكر ذلك العياشي بإسناده عن أبي إسحاق, والشيخ المفيد في الاختصاص, وأبو علي الطبرسي, في مجمع البيان,المعجمالكبير: ١١ / ٨٠ / ١١١٦٤، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٣٥٨, وأيضا في نفس الصفحة عن مجاهد، أسدالغابة: ٤ / ٩٩ / ٣٧٨٩، الكشاف: ١ / ١٦٤ نحوه، تفسيرابنكثير: ١ / ٤٨٢ عن مجاهد، الصواعق المحرقة: ١٣١، المناقب لابن المغازلي: ٢٨٠ / ٣٢٥؛ تفسير الحبري: ٢٤٣ / ١٠ وفيه " أربعة دنانير " بدل " أربعة دراهم "، تفسير فرات: ٧١ / ٤٢ وص ٧٢ / ٤٤ عن مجاهد و ح ٤٥ عن أبي عبد الرحمن السلمي والأربعة الأخيرة نحوه.
[46] المعجم الأوسط: ٦ / ٢١٨ / ٦٢٣٢، شواهد التنزيل: ١ / ٢٢٣ / ٢٣١، النور المشتعل: ٧٤ / ١٠ نحوه، الدر المنثور: ٣ / ١٠٥. تفسير الطبري: ٤ / الجزء ٦ / ٢٨٩، تفسير ابن كثير: ٣ / ١٣٠ وص ١٢٩ عن سلمة بن كهيل، تفسير الفخر الرازي: ١٢ / ٢٨ عن ابن عباس وليس فيه " تصدق وهو راكع "، تاريخ دمشق: ٤٢ / ٣٥٧ عن سلمة، تذكرة الخواص: ١٥ نحوه، الدر المنثور: ٣ / 105. وابن شهراشوب.
[47] شرح نهج البلاغة، ج1، ص22.
[48] ثوب.
[49] موسوعة أمير المؤمنين، السيد باقر القرشي، ج1، ص120.
[50] شرح نهج البلاغة، ج1، ص22.
[51] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٣ - الصفحة ٧٢
[52] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ٢١٨
[53] ثوبين كان الإمام لا يملك غيرهما، يغسل أحدهما ويلبس الآخر.
[54] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٣ - الصفحة ٧٠
[55] تنتهي بسرعة.
[56] - شرح النهج لابن أبي الحديد مج 1 صفحة 218، الطبعة الأولى، وورد في الخصال للشيخ الصدوق، الصفحة 51، وورد في شرح النهج لابن أبي الحديد مجمع 1 صفحة 218، الطبعة الأولى.
[57] - سير أعلام النبلاء ج 2 صفحة 32.
[58] الرّبَذة: موضع على قرب من المدينة المنورة فيه قبر أبي ذَرّ الغفاري.
[59] - ابن أبي الحديد، الجزء 8, الصفحة 252.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى