علي بن أبي طالب (ع) من الكعبة إلى النّجف : الحلقة الثانية

2022.06.04 - 10:51
Facebook Share
طباعة

 يتكامل النّور شيئاً فشيئاً في بطن فاطمة بنت الأسد، ومحمّد الأمين يأتي ليطمئنّ على مربيّته كلّما نزل من الغار، يمسح على بطنها ويدعو لها بالبركة والخلاص، ويقول لعمّه أبي طالب: "سيكون لولدك هذا يا عمّ ملك لا يبلى"، فيجيب أبو طالب: "هذا ما قاله لي جدّك عبد المطّلب حين أوصاني بك. قال لي ولدي عبد مناف، سيكون لولدي هذا ملك لا يبلى، فإيّاك أن يُظلم بحضرتك، أو يضام بعزوتك، احفظه من قريش، وافده بكل عزيز وغالٍ لديك"، فقال محمّد الأمين: "ونعم الكافل أنت والله يا عمّ، وإنّ لولدك هذا نصيب من كلّ هذا، فهو وزيري ووصيي وحامل رايتي"، قال أبو طالب: "ألا تريح عمّك يا ولدي فتخبرني عن أيّ أمرٍ تتكلّم"، نظر محمّد الأمين لعمّه مبتسماً: "هو أمر لم يظهر لي بعد، أمرٌ أحسّه بكلّ كياني، لكنّي لا أعلم ما هو، غير أنّي أشعر بدنّو أوانه، فكن يا عم مطمئناً، فلن يكون لك من هذا الأمر إلا الخير لك ولأهلك وللعشيرة على مرّ الزّمان".

في ليلة كان فيها العباس بن عبد المطّلب جالساً ما بين فريق بني هاشم إلى فريق من بني عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي حامل لتسعة أشهر. كان يوم تمام بدر رجب، وأنوار القمر تلبس البيت سكينة ما في الوجود مثلها. أفسح لها الرّجال طريقاً إلى الكعبة، فوقفت بإزائها. سمعوها وسط السّكون تناجي ربّ البيت قائلة: "أي ربّ البيت، إنّي مؤمنة بك، وبما جاء به من عندك جدّي إبراهيم الخليل، باني بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، إلا يسّرت عليَّ ولادتي".ما أن انتهت من نجواها حتّى أخذها الطلق، فرمت بنفسها على حائط الكعبة، فانفتح لها البيت من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن الأنظار، ثمّ عادت الفتحة وانرتقت، فرام الرّهط من بني هاشم أن يفتحوا لها الباب لتصل إليها بعض نسائهم. لكنّ الباب لم ينفتح[1]، اجتمعت رجال قريش ونساؤها بجوار البيت مترقّبين للحدث الجلل، يأخذهم العجب مما حدث، خائفين على فاطمة. وما هي إلا سويعات حتّى خرجت فاطمة من باب الكعبة وفي يدها وليدٌ كأّنه البدر الذي في السّماء. فهلل بنو هاشم للوليد، واستبشروا به، وحملوه وأمّه إلى أبي طالب، يتصايحون فرحين.
جاء الأمين محمّد مسرعاً إلى بيت عمّه بعدما سمع بالقصّة. دخل البيت فاستقبلوه بالبشر والتّرحاب. سأل عن المولود الذي كان يبكي بصوتٍ عالٍ، فما أن دخل عليه الأمين حتّى سكن وأخذ النور ينظر للنور في مشهد لم يألفه أحد من قبل. سلّم الأمين على الوليد قائلاً: "السّلام عليك يا أخي"، فناغاه الوليد على غير عادة حديثي الولادة، ثمّ سلّم الأمين على أمّه وهنّأها بالولادة، وسألها ماذا أسميته، فقالت: "أسميته حيدرة، على اسم أبي الأسد بن هاشم"، فقال الأمين: "بل هو عليّ، وسيكون عليّاً في الأرض وفي السّماء"، ثم لاك تمرةً وحنّكه بها وهو يسمّى عليه بسم الله، والوليد يرفرف بين يديه كفصيلٍ وجد أمّه.


[1] الحاكم في مستدركه، ج3، ص 483.وقال شهاب الدين السيد محمود الآلوسي صاحب التفسير الكبير في (شرح الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية) لعبد الباقي أفندي العمري ص 15 عند قول الناظم:
أنت العلي الذي فوق العلى رفعا * ببطن مكة عند البيت إذ وضعا
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى