معركة خيبر و الإمام علي عليه السلام

2020.09.24 - 10:34
Facebook Share
طباعة

معركة خيبر والإمام عليّ عليه السلام
 
أسباب المعركة:
دخل النّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المدينة المنوّرة وفيها ما فيها من الفوضى والعداوة بين أوسها وخزرجها، فأنهى في الحال عقوداً من الاقتتال الدّموي بين المكونين الأساسيين لسكان المدينة. كما آخى بين المهاجرين والأنصار في سابقة لم تحصل في تاريخ ما قبل الاسلام بأن يقتسم كلّ مضيف ماله وبيته مع ضيفه الذي هاجر إليه ملتجأً من ظلم قريش. غير أنّ نور الإيمان حين يُشعّ لا يترك في زوايا القلب شيئاً من ظلام الدنيا إلا وكشفه. كذلك ساوى النّبي صلّى الله عليه  وسلّم  بين المسلمين وبين قبائل بني قينقاع وبني النّضير وبني قريظة التي كان لها وجود فاعل في المدينة المنورة، فوقّع معهم المصاديق والعهود واصبح العهد ما بينه وبينهم اول وثيقة تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتمحو الفروقات الطبقية والعرقية والدينية  وتعطيهم حرّية التنقّل والتّجارة في المدينة وخارجها.
الا أنّ بني النّضير الذين كانوا يقيمون في قلب المدينة المنورة النابض بالحركة والسكان والزائرين قاموا باعمال تخريبية بهدف تحطيم الجبهة الداخلية للمدينة المنورة بهدف اضعاف جبهتها أمام الغزاة وصولا الى محاولة اغتيال الرسول (ص)، فرد النّبي عليهم تخريبهم بالعقاب الرحيم ولكن الحازم وأجلاهم من المدينة جزاءً لهم.
أما خيبر، فهي مجموعة حصون استراتيجية تمتد على مساحة شاسعة من التلال و يسكنها الاف من قبائل شديدة البأس تشكل كل منها بذاتها جيشا عشائريا صغيرا مسلحا بأحدث ما كانت تلك الايام تحويه من صنوف السلاح والدروع. علما بأن اهل خيبر هم صناع أسلحة ويصدرون ما يصنعونه الى الشام وبيزنطة والحبشة. وقلاعهم تمسك بالطرقات الاستراتيجية للتجارة التي تحتاجها المدينة المنورة ويمكن للخيبريين فرض الحصار على المدينة ساعة يشاؤون. لهذا وبتحريض من بني النضير تعاون أهل خيبر وعشائرها ومدنها وبلداتها مع العشائر العربية الهمجية في نجد وكذا فعلت قريش قبيلة الرسول التي ترك مقرها في مكة حيث مسقط رأسه ليهاجر الى يثرب(المدينة المنورة فتشكل حلف عسكري ضم أهل خيبر وبني النضير وقبائل نجد وقريش وشكلوا معا جيشا كبيرا حاصر المدينة من جهات ثلاث بينما حاصرها اهل خيبر من الجهة المتبقية.
انهزم الحلف الغادر ذاك وابتعد المعتدون عن المدينة المنورة إثر معركة عرفت بغزوة الخندق بعد واقعة ضرب أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام لعمرو بن ودّ العامري، وما تبعها من خوفٍ شديد استبدّ بمعسكر أعداء الله. فكان أوّل شيء فعله الرّسول بعد صلح الحديبيّة هو التّوجّه إلى حصون خيبر لإيقاف قطاع الطرق من اهلها عند حدهم بعدما شاركوا في الحصار والظلم والاعتداء على المسافرين وحاولوا القضاء على المدينة المنورة وإبادة أهلها.
 و في العام 629 ميلادية سار كتائب من جيش المدينة المنورة بقيادة النبي محمد (ص) ومعه الف وستمائة مقاتل نحو خيبر لوقف عدوان اهلها، وقد سلك طرقاً تحفظ سريَّة تحرُّكِهم، فلم يشعر الخيبريون إلاّ وجيش المسلمين نزل بساحتهم ليلاً".
أهميّة حصون خيبر الاستراتيجيّة، وقادة جندها:
خيبر هي منطقة واقعة على بعد نحو 165 كم شمال المدينة المنورة في الطريق المؤدي إلى الشام من ناحية تبوك، ومركزها مدينة الشُرَيف، وهي تحوي مجموعة من قرى ومزارع خصبة واقعة في هضبة حجريّة على ارتفاع 854 م. فوق طبيعتها الجغرافيّة، فقد عمد أهلها إلى إقامة حصون متينة على تلك الهضبة أعطت المدينة هيبة ومنعةً جعلتها في منأى عن غزوات العرب طوال قرون، إضافةً إلى فرسانها الأشدّاء ذوي الصيت والسّمعة المرعبة كانوا يقودون جيوشا صغيرة لكن فعالة جداً، وأهمّهم الأخوة الثلاثة، الحارث أبو زينب، ومرحب، وياسر، وكذلك أُسير وعامر، غير أنّ أشهرهم على الإطلاق كان مرحباً.
مرحب الخيبري:
لم يكن مرحب شخصا عاديا او قائدا عسكريا من النوع الذي نراه كثيرا في كتب التاريخ، بل كان اشبه بالابطال الخياليين وبملوك الجن في اعين محبيه واعدائه, فقد تمتع بطول فارع جدا، وجسد متين خارق للعادة وفوق حجم معظم البشر الطبيعيين ولم يكن الرجل قد انهزم في معركة قط ولم يكن يتحداه رجل الا مات رعبا قبل ان يموت قتلا بسيفه حين يلقاه.
 حيث يذكر المؤرخون اموراً خارقة عن مرحب هذا، فهو فارس قومه الذي لا يشقّ له غبار. بل إنّهم يعتقدون بأنّه تجسّد ثانٍ "لشمشمون" بقدراته الجبّارة، التي تجعله غير قابلٍ للموت. إذ ساهمت قوته الهائلة وفروسيته وبطشه في إحاطته بهالة ضخمة من الدّعاية النفسيّة، التي تهزم جيشا قبل ان يقترب منه. وقد أحسن أهل خيبر نشر أخبار فرسانهم ومنعة حصونهم، فكانوا بمأمن في حصونهم.
استراتيجيّة أهل خيبر في التّصدّي لزحف النبيّ:
  عندما أحسّ أهل خيبر بأن النبيّ صلى الله عليه وسلّم سيتوجّه إليهم، انقسم رأي القوم في منحيين، المنحى الأوّل كنانة ابن أبي الحقيق[1]، الذي أكّد للقوم منعة حصونهم، وأنّ العرب ليس لديهم تكتيكات احتلال الحصون، خاصّة أن أهل خيبر احتاطوا لغزوة النّبي صلى الله عليه وسلّم، وخزّنوا الغلال والماء الذي يكفيهم لشهور. بينما اقترح الحارث أبو زينب[2] - وكان من قادة المقاتلين وأشجعهم - أن يُعسكروا خارج الحصون، ويقاتلوا المسلمين دون قلاعهم ويبرزوا إليهم؛ فهم أشدّ قوّة وبأساً، وأكثر تسليحاً، وعددهم يفوق عدد المسلمين بأضعاف. لكنّ جموع خيبر ارتأت أن تبقى في القلاع، نزولاً على رأي كنانة لتأكدّها من منعتها وقوّة تحصينها[3].
وقائع المعركة:
كان أوّل حصنٍ في خيبر يُدعى "النّطاة"، تمّ فتحه على يد الامام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام. قال الحلبي: وفتح الله ذلك الحصن الذي هو حصن ناعم، وهو أوّل حصن فتح من حصون النّطاة على يد علي كرم الله وجهه[4]. ساهمت المؤن والغنائم الحربيّة التي غنمها المسلمون في حصن النّطاة في تمكّنهم من تشديد الحصار على مدينة خيبر.
كانت حول خيبر حصون عدّة، عسكر النّبيّ صلى الله عليه وسلّم بينها يحرّض المؤمنين على القتال لسبعة أيّام، فكان الخيبريّون يرمونهم بالنّبل من أعالي حصونهم، وأمامهم الحارث بن زينب، فارس فرسان الخيبريين يهدّ الأرض هدّاً،وكان النبي قد دفع الراية إلى ثلاثة من أصحابه، فلم يصنعوا شيئاً، ورجع كل منهم إثر الآخر مهزوما من على ابواب الحصن الاكبر، يوبّخون بعضهم ويتلاومون، فخاب أمل النبي بهم.
 
 
إعطاء الرّاية لعلي عليه السلام
 فقال النبي: "ما بال أقوام يرجعون منهزمين، يجبنون أصحابهم، أما والله لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، كرار ليس بفرّار[5]. فتطاولت أعناق أصحاب محمد، وباتوا متشوقين، يحدّثون أنفسهم فيمن وعد النبي بتحقيق النصر على يده، ويتمنون نيل شرفه[6].
 قال عمر بن الخطاب: فما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم[7]. فصار المسلمون يغبطون ذاك الرجل قبل ان يعرفوا من هو. قالوا: غدت قريش يقول بعضهم لبعض:
أمّا عليّ فإنه أرمد لا يبصر موضع قدمه. فلما أصبحوا، أرسل النبيّ إلى عليّ، وكان الامام عليه السلام مريضا بالرمد قد أصاب عينيه فكان يبصر بصعوبة. فتفِل (ص) في عينيه فبرأ من ساعته ودفع الراية إليه وأمره أن يمضي بها، وكان الإمام فتى في مطلع شبابه غير ذي خبرة في حرب الحصون وغير ذي تجربة في ضرب الحصار.
 قال "حسّان بن ثابت شاعر رسول الله  في إعطاء الراية لعليّ عليه السّلام:
وكان علي أرمد العين يبتغي دواءً فلمّا لم يحسّ مداويا
شفاه رسول الله منه بتفلة فبورك مرقياً وبورك راقيا
فقال سأُعطي الراية اليوم صارماً كَمِيّاً محبّاً للرسول مواليا
يحبّ إلهي والإله يحبّه به به يفتح الله الحصون العواليا
فأصفى بها دون البريّة كلّها علياً وسمّاه الوزير المؤاخيا
 
 
 
 
و قال حسان بن ثابت, بعد أن استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشد شعراً، فأذن له، وقال:
جبريـل نادى معـلناً والنقـع ليس ينجلي
والمسلمـون أحدقـوا حـول النبيّ المـرسل
لا سيـف إلاّ ذو الفقـا ر ولا فـتى إلاّ عـلي
 
 
وفي شعر ابن أبي الحديد في ذلك في " الوافي بالوفيات":
 
ألم تخبر الأخبار في فتح خيبر ففيها لذي اللب الملب أعاجيب
وفوز علي بالعلى فوزها به فكلّ إلى كلّ مضاف ومنسوب
 
عليّ  عليه السلام يجندل الحارث ويستولي على الحصن الأوّل:
 
ويصف المؤرخون الأوائل الأمر فيقولون:
 أنّ عليّاً عليه السّلام كان عليه حلّة أرجوانيّة حمراء، فشدّ على القوم، فواجهه الحارث وكان طويلا يسد باب حصنه بجسده وحوله فرسان يماثلونه قوة وبأسا، فلما رآهم المسلمون الذين مع علي تراجعوا للخلف خوفا من النبال التي تتساقط عليهم ولأن مشهد الحارث أبي زينب وفرسانه أدخل الرعب في قلوب المسلمين لأنهم لم يروا من قبل فرسانا يلبسون الدروع الفولاذية المزردة من قبل ولا رأوا سيوفا طويلة كتلك التي في يد الخيبريين التي تجعل من سيوف المسلمين تبدو معها وكأنها العاباً للفرجة وليست أدوات حرب. الا علياً، عليه السلام، فقد إندفع بفرسه ضارباً خط الدفاع الأول الذي كان يحتمي به الحارث وفرسانه الا وهو الخوف والرعب الذي يبثه صيتهم في قلوب المهاجمين. وبينما علي عليه السلام يقاتلهم مجتمعين ويضرب هذا ويبعد ذاك تواجه والحارث لأول مرة فقال له سلموا بالطاعة لمن اعتديتم على عهده معكم تسلمون فتعالى الحارث واودى به غروره بقوة قومه الى الاستخفاف بالبطل الذي يواجهه فأخذ يهدد ويرعد وإندفع الفرسان الذين معه صوب علي يشقون طريقهم نحو نحره لكنه سابقهم الى حتفهم وقتلهم واحداً تلو الآخر حتى لم يبق بينه وبين الحارث الا الرعب الذي أدخله الإمام في قلب خصمه الذي انتهى به الامر أمام من يشاهدون المعركة الى المواجهة التي لا مفر منها مع الذي إن ضرب السيف خير غريمه قبل ذلك بالاستسلام والسلام لكن الحارث أصر وهجم معتمداً على حصانه ودروعه السميكة لكن الإمام عاجله بضربة قضت عليه فعلا هتاف المقاتلين الذين فروا من المواجهة من خلفه واندفعوا نحو داخل الحصن يقاتلون المدافعين من داخل جدران لم تعد تحميهم.
ذُهل الخيبريّون من شجاعة هذا الفارس الذي جندل قائدهم الصنديد بضربة لم يشهدوا مثلها من قبل، فتشتتوا والتجأوا لحصنهم ينشدون النّجاة. كبّر المسلمون لانتصار علي عليه السلام على الفارس الرّهيب الذّي أرهبهم على مدى أيّام وأوقع فيهم مقتلةً عظيمة منعتهم من الوصول إلى باب الحصن، وانطلقوا في إثر أمير المؤمنين الذي كرّ على حامية الحصن يفرّقهم كالماشية التي نشب فيها السّبع. إلى أن فُتح حصن النطاة بالكامل.
 يقول المؤرخون الاوائل:
 فخرج عليّ بالراية يلوّح بها، يهرول هرولة والمقاتلون خلفه يتبعون أثره، حتى نصب رايته في كومة حجارة تحت الحصن
عليّ يفتح الحصن الرئيسي ويقتل مرحباً الخيبري:
توجّه عليّ عليه السّلام بعدها إلى الحصن  الرئيس في خيبر، وكان أشدّ منعةً من حصن النّطاة، فلمّا سمع مرحب بأن قاتل أخيه الحارث قد اقترب، خرج للمسلمين فأرهبهم، وشتت شملهم ينشد عليّاً. تجنّب المسلمون منازلته، وهابوه، وارتدّوا من أمامه كغمامٍ يرتطم بسفح جبل. جاء في السيرة الحلبيّة: أنّ مرحب خرج من الحصن (وكان قد لبس درعين، وتقلّد بسيفين ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان) يسأل عمّن يبارز، وهو يرتجز أشعاره، قال ابن الأثير: وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه خوذة على رأسه، وهو يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
 
فرد عليه الامام علي عليه السلام وقال:
أَنا الَّذي سَمَتني أُمي حَيدَرَه
ضِرغامُ آجامٍ وَلَيثُ قَسوَرَه
عَبلُ الذِراعَينِ شَديدُ القِصَرَه
كَلَيثِ غاباتٍ كَريهِ المَنظَرَه
أَكيلُكُم بِالسَيفِ كَيلَ السَندَرَه
أَضرِبُكُم ضَرباً يَبينُ الفَقَرَه
وَأَترُكُ القِرنَ بِقاعِ جُزُرِهِ
أَضرِبُ بِالسَيفِ رِقابَ الكَفَرَه
 
والضرغام والأجام والليث من اسماء الأسد والقسورة أي الشجاع. واما قوله عبل الذراعين أن مفتول العضلات. اكيلكم بالسيف كيل السندرة اي اشتتكم كما القطن في الريح.
 
ومما قاله وأنشده الأمام علي عليه السلام في خيبر:
سَتَشهَدُ لِي بِالكَرِّ وَالطَعنِ رايَةٌ ... حَبانِيَ بِها الطُهرُ النَبِيُّ المُهَذِّبُ
وَتَعلَمُ أَنّي في الحُروبِ إِذا اِلتَظى ... بنِيرانِها اللَيثُ الهَموسُ المُرَجَّبُ
وِمثلِيَ لاقى الهَولَ في مُفظِعاتِهِ ... وَفَلَّ لَهُ الجَيشُ الخَميسُ العَطَبطَبُ
وَقَد عَلِمَ الأَحياءُ أَنّي زَعيمُها ... وَأَنّي لَدى الحَربِ العَذيقُ المُرَجِّبُ
 
وقال أيضاً عليه السلام :
أَنا عَلِيٌّ وَاِبنُ عَبدِ المُطَّلِب ... مُهَذَّبٌ ذُو سَطوَةٍ وَذو غَضَب
غَذَيتُ في الحَربِ وَعِصيانَ النُّوَب ... مِن بَيتِ عِزٍ لَيسَ فيهِ مُنشَعَب
وَفي يَميني صارِمٌ يَجلو الكَرب ... مَن يَلقَني يَلقَ المَنايا وَالعَطَب
 
وعند احتدام القتال صال الامام عليه السلام وجال بفرسه وهو ينشد
 
 
أَنا عَلِيٌّ وَاِبنُ عَبدِ المُطَّلِب
أَحمي ذِماري وَأَذُبُّ عَن حَسَب
وَالمَوتُ خَيرٌ لِلفَتى مِنَ الهَرَب
تبا وتعسا لك يابن الكافر
 أنا علي هازم العساكر
أنا الذي أضربكم وناصري
 إله وله مهاجري
أضربكم بالسيف في المصاغر
 أجود بالطعن وضرب طاهر
مع ابن عمي والسراج الزاهر
 حتى تدينوا للعلي القاهر
ضرب غلام صارم مماهر
 
 
 
 
 
عليّ يقتلع باب الحصن بيديه الشريفتين:
كان الخيبريون ممن يصدقون بأن قائدهم هو فعلا تجسيد لروح شمشمون الذي تقول الاسطورة في الكتب القديمة بأنه لا يموت قط ولا يمكن لشيء أن يقتله وأنه ارتفع الى السماء . وكان حتى العرب يصدقون بان مرحباً هذا فعلا رجل خارق وأنه من نسل من لا يموتون قط.
هذه السمعة التي لمرحب جعلته ربما حتى هو نفسه يصدق بأنه عصي على الموت فنزل الى ساح المعركة معتقداً بأن الانتقام لاخوته الذين قتلهم الامام عليه السلام امر سهل يسير.
وقد سأل مرحبا عليا عليه السلام عن اسمه فقال علي...
قال الك إسم آخر؟؟
قال أبا تراب،
قال الك إسم غيره؟
قال: أنا الذي سمتني أمي حيدرة فدب الرعب في قلب مرحب إذ كانت عرافته قد أخبرته قبل سنين أن رجلا من قريش سيقتله وأن إسمه سيكون حيدرة.
وبالفعل، ما إنقضت الا دقائق من المبارزة بين الامام عليه السلام وبين بطل خيبر الاسطوري حتى ضربه الامام ضربة لم تقم لمرحب بعدها قائمة فمات وسقط صريعاً رافضا الاستسلام وحفظ نفسه ودمه كما عرض عليه الامام على جاري عادته قبل كل معركة او مبارزة مع خصم. فلم يكن الامام عليه السلام يحب سفك الدم لكن إن أصر العدو على ظلمه كان السيف أمراً لا بد منه.
لحق الإمام بالجند المرافقين لقائدهم المقتول، ففروا من أمامه كالغنم، ودخلوا الحصن وأغلقوا بابه الحديديّ المسلّح بالحجارة العظيمة. فظنّ حامية الحصن أنّهم في مأمن من هذا الفارس المقدام، فالباب يحتاج لعشرات الرجال أو أكثر لفتحه وإغلاقه، غير أنّ عليّاً عليه السّلام لم ينتظر وصول رفاقه، بل أمسك بمصارع الباب وبدأ بخلعه من مكانه. ظنّ الخيبريّون بدايةً أنّها حركة استعراضيّة يؤديها هذا الفارس العربي لإرهابهم، إذ أنّه من غير المعقول أن يخلع الباب وحده، لذلك بدأوا يرمونه بالنّبل كي يردّوه عن الباب. وما هي سوى لحظات حتّى رأوا معجزةً ذكّرتهم بمعجزة هيكل شمشون، فقد بدأ الباب ينخلع من مكانه، حتّى جعله الإمام ترساً يتّقي به سهام الرّماة من فوق الحصن. حين رأى المسلمون تلك الشّجاعة منقطعة النّظير من عليّ عليه السّلام، هجموا على حامية الحصن المذهولين مما جرى، مما عجّل في سقوط الحصن.
 
وفي هذا يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج:
يا قالع الباب الذي عن هزّه عجزت أكف أربعون وأربع..انتهى
 
 
 
 


[1] هو كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضريّ- نسبة إلى بني النضير- الخيبريّ، كان من خصوم النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم، ومن ألدّ أعدائه والمؤذين له والمتآمرين عليه، وأحد الذين بذلوا أموالهم في سبيل إيقاف الدعوة الإسلاميّة. قتل يوم خيبر.
[2] وهو أخو مرحب الخيبري (الواقدي في مغازيه).
[3] الواقدي، كتاب المغازي، ج2، ص 637-638.
[4] السيرة الحلبيّة ج3، ص39
[5] الواقدي، المغازي، ج 2، ص 648-649، 652-654.؛ ابن هشام، السيرة النبوية، ج 3، ص 349؛ البلاذري، فتزح البلدان، ج 2، ص 86، 92-93. وابن حزم، جمهرة أنساب العرب، ص 213.
[6] البخاري، صحيح البخاري، ج 5، ص 171.؛ النيشابوري، صحيح مسلم، ج 7، ص 121.
[7] الحلبي، السيرة الحلبية، ج 3، ص 35. وراجع: أضواء على الصحيحين، ص 432عن صحيح مسلم، ج 7، ص 121 وعن فتح الباري، ج 7، ص 47 - 365 والسنن الكبرى للنسائي، ج 5، ص 11 – 180.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى