بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَميِرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جِبْايَةَ خَرَاجِهَا وَجِهَادَ عَدُوِّهَا وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا
أصول الفكر والسلوك للحاكم: الشريعة, نصرة الله, اتهام النفس
أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ:مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحَانَهُ بَيَدِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ.وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنْ الشَّهَوَاتِ وَيَزَعَهَا1 عِنْدَ الْجَمَحَاتِ2، فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إِلاَّ مَا رَحِمَ اللهُ.
يجب على الحاكم أن يستحضر نظرة الناس إليه
ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالكُ، أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلاَدٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ، مِنْ عَدْلٍ وَجَوْرٍ، وَأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ في مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلاَةِ قَبْلَكَ، وَيَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ، إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ. فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَامْلِكْ هَوَاكَ، وَشُحَّ بِنَفْسِكَ3, عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَكَ فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ والْإِنْصَافُ مِنْهَا فَيَما أَحْبَبْتَ وَكَرِهْتَ.
لزوم حب الحاكم لمواطنيه وشعوره بأنه محكوم لمن هو أعلى منه
وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ4 مِنْهُمُ الزَّلَلُ5، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاءِ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ6.
الأصل هو العفو والعقوبة استثناء، والأصل اللين والعنف استثناء
1- يزعها : يكفها.
2- الجَمَحات: منازعات النفس إلى شهواتها ومآربها.
3- شُحّ بنَفْسِك:ابخل بنفسك عن الوقوع في غيرالحل، فليس الحرص على النفس إيفاءها كل ما تحب، بل من الحرص أن تحمل على ماتكره.
4- يَفْرُط: يسبق.
5- الزلل: الخطأ.
6-استكفاك: طلب منك كفاية أمرك والقيام بتدبير مصالحهم.
7-أراد بحرب الله:مخالفة شريعته بالظلم والجور.
8- لايدَ لك بنقمته:أي ليس لك يد أن تدفع نقمته، أي لا طاقة لك .
9-البادرة: ما يبدر من الحدة عند الغضب في قول أو فعل.
10-المندوحة: المتسع، أي المخلص.
11-الإدغال:إدخال الفساد.
12-الغِيرـ بكسر ففتحـ:حادثات الدهر بتبدل الدول.
كيف يُحَصِّن الحاكم نفسه من الغرور والظلم ؟
وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً1 أَوْ مَخِيلَةً2 فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللهِ فَوْقَكَ، وَقُدْرَتِهِ مَنْكَ عَلَى مَا لاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ ذلِكَ يُطَامِنُ3 إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ4، وَيَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ5يَفِيءُ6إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ7 عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ! إِيَّاكَ وَمُسَامَاةَ8 اللهِ فِي عَظَمَتِهِ وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ فَإِنَّ اللهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ.
القرارات يجب أن ترضي الجميع, وإلا فالعامة دون الخاصة
أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوىً9 مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَمَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ10 حُجَّتَهُ وَكَانَ لِلَّهِ حَرْباً11 حَتَّى يَنْزعَ12 وَيَتُوبَ.وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللهَ سَميِعٌ دَعْوَةَ الْمَضْطَهَدِينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمِين بِالْمِرْصَادِ.وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ13بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ.
وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ، أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاَءِ، وَأَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ14، وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ15 الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ16 لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ .
موقف الحاكم من تقارير المخابرات، والمتملقين والنمامين
وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَأشْنَأَهُمْ17 عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ18 لِمَعَائِبِ النَّاسِ، فإنَّ في النَّاسِ عُيُوباً، الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا، فَإنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ، وَاللهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللهُ مِنْكَ ما تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ. أَطْلِقْ19 عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ، وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ20 وَتَغَابَ21 عَنْ كُلِّ مَا لاَ يَضِحُ22 لَكَ، وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ، فَإِنَّ السَّاعِيَ23 غَاشٌ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ.
صفات المستشارين للحاكم
1- الأبّهة ـ بضم الهمزة وتشديد الباء مفتوحةـ: العظمة والكبرياء.
2- المَخِيلة: الخيلاء والعجب.
3- يُطامن الشيء: يخفض منه.
4- الطِماح ـ ككتاب ـ: النشوز والجماح.
5- الغَرْب ـ بفتح فسكون ـ: الحدة.
6- يفيء:يرجع.
7- عَزَب:غاب.
8-المساماة: المباراة في السمو، أي العلو.
9- من لك فيه هوى: لك إليه ميل خاص.
10- أدحض: أبطل.
11- كان حرباً: أي محارباً.
12- ينزع كيضرب ـ أي: يقلع عن ظلمه.
13- يجحِف برضى الخاصة: يذهب برضاهم.
14- الإلحاف: الإلحاح والشدة في السؤال.
15- جِماع الشيء:جمعه، أي جماعة الاسلام.
16- الصِغْوـ بالكسر والفتح:الميل.
17- أشنأهم: أبغضهم.
18- أطلبهم للمعائب: الأشد طلباً لها.
19- أطلق عقدة كل حقد:احلل عقد الأحقاد من قلوب الناس بحسن السيرة معهم.
20- الوِتْر ـ بالكسر: العداوة.
21- تَغَابَ: تغافَلْ.
22- يَضِح: يظهر، والماضي وَضَحَ.
23- الساعي: هو النمام بمعائب الناس.
صفات الوزراء, وتفضيل استيزار الوجوه الجديدة
شَرُّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً، وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ، فَلاَ يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً1 فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَة2 وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ، وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ3 وَأَوْزَارِهِمْ4 وَآثَامِهِمْ، مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ، وَلاَ آثِماً عَلَى إِثْمِهِ: أُولئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَؤُونَةً، وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً، وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً5، فَاتَّخِذْ أُولئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ, حَفَلاَتِكَ، ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيَما يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللهُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ, وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ6 عَلَى أَلاَّ يُطْرُوكَ وَلاَ يُبَجِّحُوكَ7 بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ8، وَتُدْنِي9مِنَ الْعِزَّةِ.
محاسبة الوزراء وفوائد إعطاء الحرية للمواطنين وحسن الظن
وَلاَ يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ تَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَتَخْفِيفِهِ الْمَؤُونَاتِ عَلَيْهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لهُ قِبَلَهُمْ10 فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذلِكَ أَمْرٌ يَجَتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً11طَوِيلاً وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاَؤُكَ عِنْدَه.
احترام العادات الإجتماعية وتحسينها ومشاورة الكبار
وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الْأُمَّةِ، وَاجْتَمَعتْ بِهَا الْأُلْفَةُ، وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ وَلاَ تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ، فَيَكُونَ الْأَجْرُ بِمَنْ سَنَّهَا وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا. وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الَعُلَمَاءِ، وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ، وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ.
تكوَّن كل مجتمع في العالم من فئات وطبقات
وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَ إلاَّ بِبَعْضٍ، وَلاَ غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض فَمِنْهَا جُنُودُ اللهِ مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَمِنهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَالرِّفْقِ وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ، وَمِنهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللهُ سَهْمَهُ12وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ وَفَرِيضَتِهً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمَ عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً.
1- بِطانة الرجل ـ بالكسر: خاصته، وهو من بِطانة الثوب خلاف ظهارته.
2- الأثمة: جمع آثم، وهو فاعل الاثم أي الذنب.
3- الآصار:جمع إصر بالكسر، وهو الذنب والإثم.
4- الأوزار: جمع وِزْر، وهو الذنب والإثم أيضاً.
5- الإلف: الألفة والمحبة.
6- رُضْهُم: أي عوّدهم على ألا يطروك، أي يزيدوا في مدحك.
7- لا يُبجّحُوك: أي يفرحوك بنسبة عمل عظيم اليك ولم تكن فعلته.
8- الزَهْوـ بالفتح : العُجْب.
9- تدني: أي تقرب. والعزة ـ هنا ـ : الكِبْر.
10- قِبَلَهُمْ ـ بكسر ففتح ـ أي: عندهم.
11- النَصَب ـ بالتحريك ,التعب.
12- سهمه: نصيبه من الحق.
سياسة الحاكم مع القوات المسلحة
فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِإِمَامِكَ، وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً مِمَّنْ يُبْطِىءُ عَنِ الْغَضَبِ وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ، وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَيَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ، وَمِمَّنْ لاَ يُثِيرُهُ الْعُنْفُ، وَلاَ يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ. ثُمَّ الْصَقْ بَذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالْأَحْسَابِ، وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّماحَةِ، فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وَشُعَبٌ2 مِنَ الْعُرْفِ3 .ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُهُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا، وَلاَ يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ، وَلاَ تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَإِنْ قَلَّ، فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ وَحُسْنِ الظَّنّ بِكَ.وَلاَ تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطيِفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالاً عَلَى جَسِيمِهَا فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَلِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لاَ يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ. وَلْيَكُنْ آثَرُ رُؤوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ4 بِمَا يَسَعُهُمْ يَسَعُ مَنْ وَرَائَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ5، حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ، فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ.
سياسة الحاكم مع قادة الجيش الحكام
وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلاَةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، وَظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ. وَإِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلاَّ بَسَلاَمَةِ صُدُورِهِمْ، وَلاَ تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلاّ بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلاَةِ الْأُمُورِ، وَقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ .فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ، وَوَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَتَعْدِيدِ مَا أَبْلى ذَوُو الْبَلاَءِ مِنْهُمْ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وَتُحَرِّضُ النَّاكِلَ6، إِنْ شَاءَ اللهُ. ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلى، وَلاَ تَضُمَّنَّ بَلاَءَ7 امْرِىءٍ إِلَى غَيْرِهِ، وَلاَ تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلاَئِهِ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِىءٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغِيراً، وَلاَضَعَةُ امْرِىءٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ عَظيِماً.
1- رفدهم: إعطائهم .
2- شعب: جمع شعبة.
3- العُرف: المعروف.
4- الجِدَة ـ بكسر ففتح : الغنى
5- خلوف أهليهم: جمع خَلْف ـ بفتح وسكون ـ وهو من يبقى في الحي من النساء والعَجَزَة بعد سفر الرجال.
6- يحرض الناكل:يحث المتأخر القاعد.
7- بلاء امرىء: صنيعه الذي أبلاه.
سياسة الوزراء والولاة في القضايا المشتبهة
وَارْدُدْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ1 مِنَ الْخُطُوبِ، وَيَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ، فَقَدْ قَالَ اللهُ سبحانه لِقَوْم أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾، فَالرَّدُّ إِلَى الله: الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ، وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ.
سياسة الحاكم مع القوة القضائية
جهاز المخابرات الخاص برئيس الدولة
ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّة. وَتَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذلِكَ شَاهِداً، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ، وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ، ونَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ، وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيانَةِ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ.
1- ما يُضْلِعُك من الخطوب :ما يثقلك.
2- تمحّكه الخصوم :تجعله ما حقاً لجوجاً يقال:مَحَك الرجل.
3- الزَلّة ـ بالفتح ـ:السقطة في الخطأ.
4- لا يَحْصر:لا يعيا في المنطق.
5- الفيء:الرجوع إلى الحق.
6- لا تشرف نفسه:لاتطلع. والاشراف على الشيء:الاطلاع عليه من فوق.
7- أدنى فهم وأقصاه:أقربه وأبعده.
8- الشبهات:ما لا يتضح الحكم فيه بالنصّ، وفيها ينبغي الوقوف على القضاء .
9- التبرم: الملل والضجر.
10- أصرمهم:أقطعهم للخصومة وأمضاهم.
11- لا يزدهيه إطراء:لا يستخفه زيادة الثناء عليه.
12- تعاهده:تتبعه بالاستكشاف والتعرف.
13- افسح له في البذل: العطاء.
14- اسْتَعْمِلْهُمْ اختباراً: وَلِّهم الأعمال بالامتحان.
15- محاباة: أي اختصاصاً وميلاًمنك لمعاونتهم.
16- أثَرَة :, أي:استبداداً بلا مشورة.
17- فإنهما جماع من شُعَب الجور والخيانة 18- القَدَم ـ بالتحريك ـ:واحدة الأقدام، أي الخطوة السابقة، وأهلها هم الأولون.
السياسة المالية والضرائبية
وَتفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صلاَحِهِ وَصلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ. وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لِأَنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً.فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِما تَرْجُو أَنْ يصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلادِكَ وَتَزْيِينِ وِلاَيَتِكَ، مَعَ اسْتِجْلاَبِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ1 الْعَدْلِ فِيهِمْ، مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ2 عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ3 لَهُمْ، وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَ رِفْقِكَ بِهِمْ فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ، فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ4 أَهْلِهَا، إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاَةِ عَلَى الْجَمْعِ وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ.
ديوان الحاكم أو الجهاز الخاص به
ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ، فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَائِدَكَ وأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُودِ صَالِحِ الْأَخْلاَقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ5 الْكَرَامَةُ، فَيَجْتَرِىءَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاَف لَكَ بِحَضْرَةِ مَلاَءِ6، وَلاَ تُقَصِّرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمَّالِكَ عَلَيْكَ، وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوابِ عَنْكَ، وَفِيَما يَأْخُذُ لَكَ وَيُعْطِي مِنْكَ، وَلاَ يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَلاَ يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ وَلاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفسِهِ فِي الْأُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بَقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ. ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ7 وَاسْتِنَامَتِك8 وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّفُونَ لِفِرَاسَاتِ9 الْوُلاَةِ بِتَصَنُّعِهِمْ10 وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، لَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالْأَمَانَةِ شَيْءٌ، وَلكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَاوَلُوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَأَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً، فَإِنَّ ذلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَلِمَنْ وَلِّيتَ أَمْرَهُ.وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لاَ يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا، وَلاَ يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا، وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ11 عَنْه أُلْزِمْتَهُ.
1- استفاضة العدل :انتشاره.
2- ذَخَرت:وفّرْت.
3- الأجْمام: الترفيه والاراحة.
4- الإعْواز :الفقر والحاجة.
5- لا تُبْطِره :أي لا تطغيه.
6- ملا:جماعة من الناس تملا البصر.
7- الفِراسة ـ بالكسرـ: قوة الظن وحسن النظر في الأمور.
8- الاستنامة: السكون والثقة.
9- يتعرفون لفراسات الولاة: أي يتوسلون اليها لتعرفهم.
10- بتصنعهم: بتكلفهم إجادة الصنعة.
11- تغابيت: أي تغافلت.
سياسة الدولة مع التجار والكسبة
ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ، وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً: الْمُقِيمِ مِنْهُمْ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَالْمُتَرَفِّقِ1 بِبَدَنِهِ فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَجُلاَّبُهَا مِنَ الْمَباعِدِ وَالْمَطَارِحِ، فِي بَرِّكَ وَبَحْرِكَ، وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ وَحَيْثُ لاَ يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا2، وَلاَ يَجْتَرِؤونَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لاَ تُخَافُ بَائِقَتُهُ3، وَصُلْحٌ لاَ تُخْشَى غَائِلَتُهُ، وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَفِي حَوَاشِي بِلاَدِكَ.
وَاعْلم مَعَ ذلِكَ أَنَّ فِي كَثِيٍر مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً، وَشُحّاً4 قَبِيحاً وَاحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ، وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ وَذلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ، وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلاَةِ.فَامْنَعْ مِنَ الْإِحْتِكَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَنَعَ مِنْهُ.
وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً: بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَأَسْعَارٍ لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ، وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ5.
سياسة الحاكم مع الطبقة الفقيرة
ثُمَّ اللهَ , اللهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى6 وَالزَّمْنَى7، فإِنَّ فِي هذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً8 وَمُعْتَرّاً9، وَاحْفَظْ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ10 مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسمْاً مِنْ بَيْتِ مَالِكَ، وَقِسماً مِنْ غَلاَّتِ11 صَوَافِي12 الْإِسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَدٍ، فإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى، وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ، فَلاَ يَشْغَلنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ13، فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِ التَّافِهَ14 لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ. فَلاَ تُشْخِصْ هَمَّكَ15 عَنْهُمْ، وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ16، وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ17 وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ، فَفَرِّغْ لِأُولئِكَ ثِقَتَكَ18 مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُع، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بَالْإِعْذَارِ إِلَى اللهِ تَعَالَى19 يَوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هؤُلاَءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الْإِنصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيهِ.وَتَعَهَّد ْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ20 مِمَّنْ لاَ حِيلَةَ لَهُ، وَلاَ يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ، وَذلِكَ عَلَى الْوُلاَةِ ثَقِيلٌ، وَالْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ، وَقَدْ يُخَفِّفُهُ اللهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَرُوا أَنْفُسَهُمْ وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللهِ لَهُمْ.
1- المترفق: الحريص .
2- مواضعها: أماكنها .
3- بائقته: عواقبه.
4- الشح: البخل.
5- إسراف: تبذير.
6- البؤسى ـ بضم أوله ـ: شدة الفقر.
7- الزَمْنَى ـ بفتح أو له ـ: جمع زمين وهو المصاب بالزَمانة ـ بفتح الزاي ـ أي العاهة، يريد أرباب العاهات المانعة لهم عن الاكتساب.
8- القانع: السائل.
9- المُعْترّ ـ بتشديد الراء ـ: المتعرض للعطاء بلا سؤال.
10- اسْتَحْفَظَك: طلب منك حفظه.
11- غَلاّت: ثمرات.
12- صوافي الاسلام: جمع صافية، وهي أرض الغنيمة.
13- بَطَر: طغيان بالنعمة.
14- التافه: الحقير.
15- لا«تُشْخص همك: أي لا تصرف اهتمامك عن ملاحظة شؤونهم.
16- صعّر خدّه : أماله إعجاباً وكبراً.
17- تقتحمه العين: تكره أن تنظر اليه احتقاراً وازدراءً.
18- فَرِّغ لأولئك ثقتك : أي اجعل للبحث عنهم أشخاصاً يتفرغون لمعرفة أحوالهم يكونون ممن تثق بهم.
19- بالأعذار إلى الله: أي بما يقدم لك عذراً عنده.
20- ذووالرقّة في السن: المتقدمون فيه
سياسة الحاكم مع مراجعيه
سياسة الحاكم مع أقاربه وحاشيته
وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَكُنْ فِي ذلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ، وَابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ، فَإِنَّ مَغَبَّةَ6 ذلِكَ مَحْمُودَةٌ.وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً7، فَأَصْحِرْ8 لَهُمْ بِعُذْرِكَ وَاعْدِلْ9 عَنكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ رِيَاضَةً10مِنْكَ لِنَفْسِكَ، وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وَ إِعْذَاراً11 تَبْلُغُ فِيهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ.
سياسة السلم والحذر مع العدو والإلتزام الكامل بالإتفاقيات
وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ لِلَّهِ فِيهِ رِضىً، فإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً12 لِجُنُودِكَ، وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وأَمْناً لِبِلاَدِكَ، وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكِ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّل13، فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَاتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ .
وَإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَدُوّ لَكَ عُقْدَةً، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً145، فَحُطْ15عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً16 دُونَ مَا أَعْطَيْتَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللهِ شَيْءٌ النَّاسُ أَشدُّ عَلَيْهِ اجْتِماعاً، مَعَ تَفْرِيقِ أَهْوَائِهِمْ، وَتَشْتِيتِ آرَائِهِمْ، مِنَ تَعْظيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ. وَقَدْ لَزِمَ ذلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيَما بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا17 مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ، فَلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، وَلاَ تَخِيسَنَّ بَعَهْدِكَ18، وَلاَ تَخْتِلَنَّ19 عَدُوَّكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَجْتَرِىءُ عَلَى اللهِ إِلاَّ جَاهِلٌ شَقِيٌّ. وَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ20 بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَحَرِيماً21 يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ22، يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ23، فَلاَ إِدْغَالَ24، وَلاَ مُدَالَسَةَ25، وَلاَ خِدَاعَ فِيهِ، وَلاَ تَعْقِدْ عَقْداً تَجُوزُ فِيهِ الْعِلَلُ26، وَلاَ تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ القَوْلٍ27بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَالتَّوْثِقَةِ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللهِ، إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، فَإنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَفَضْلَ عَاقِبَتِهِ، خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ وَأَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللهِ فِيهِ طَلِبَةٌ28، لاَتَسْتَقِيلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَلاَ آخِرَتَكَ.
1- الاقطاع: المنحة من الأرض، والقطيعة: الممنوح منها.
2- الحامّة ـ كالطامّة ـ: الخاصّة والقرابة.
3- الاعتقاد :الامتلاك، والعقدة ـ بالضمّ: الضيعة، واعتقاد الضيعة:اقتناؤها، وإذا اقتنوا ضيعة فربما أضروا بمن يليها، أي يقرب منها من الناس.
4- الشِّرْب ـ بالكسر:هو النصيب في الماء.
5- مهنأ ذلك: منفعته الهنيئة.
6- المَغَبَّة ـ كَمَحَبّة: العاقبة.
7- حَيْفاً: أي ظلماً.
8- أصْحِرْ لهم بعذرك:أي أبرز لهم، وبيّن عذرك فيه وهو من الاصحار: لظهور، وأصله البروز في الصحراء.
9- عَدَل الشيءُ عن نفسه:نحّاه عنه.
10- رياضةً: أي تعويداً لنفسك على العدل.
11- الإعذار: تقديم العذر أوإبداؤه.
12- الدَعَة ـ محرّكة :الراحة.
13- قارَبَ ليتغفّل:أي تقرّب منك بالصلح ليلقي عليك عنه غفلة فيغدرك فيها.
14- أصل معنى الذمّة:وجدان مودع في جبلة الانسان ينبهه لرعاية حق ذوي الحقوق عليه، ويدفعه لأداء ما يجب عليه منها، ثم أطلقت على معنى العهد، وجعل العهد لباساً لمشابهته له في الرقابة من الضرر.
15- حُطْ عهدك:أمر من حاطه يحوطه بمعنى حفظه وصانه.
16- الجُنّة ـ بالضم ـ:الوقاية، أي حافظ على ما أعطيت من العهد بروحك.
17- لِمَا اسْتَوْبَلوا من عواقب الغدر:وجدوها وَبيلة،هلكة.
18- خاس بعهده: خانه ونقضه.
19- الخَتْل: الخداع.
20- أفضاه: ـ هنا ـبمعنى أفشاه.
21- الحريم: ما حرم عليك أن تمسه.
22- المَنَعة ـ بالتحريك: ما تمتنع به من القوة.
23- يستفيضون: أي يفزعون اليه بسرعة.
24- الادغال: الافساد.
25- المدالسة: الخيانة.
26- العلل:جمع عِلّة، وهي في النقد والكلام، بمعنى ما يصرفه عن وجهه ويحوله إلى غير المراد، وذلك يطرأ على الكلام عند إبهامه وعدم صراحته
27- لَحْنِ القَوْلٍ: ما يقبل التوجيه كالتورية والتعريض .
28- أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللهِ فِيهِ طَلِبَةٌ: أي تأخذك بجميع أطرافك مطالبةً الله إياك بحقه في الوفاء الذي غدرت به .
تحذير الحاكم بشدة من سفك الدماء
1- أفْرَطَ عليك سَوْطك:عَجّلَ بما لم تكن تريده، أَردت تأديباً فأعْقَبَ قتلاً.
2- الوَكْزَة ـ بفتح فسكون ـ :الضربة بجُمع الكف ـ بضم الجيم ـ أي قبضته وهي المعروفة باللكمة.
3- تَطْمَحَنّ بك:ترتفِعَنّ بك.
4- الإطراء: المبالغة في الثناء.
5- التزيّد ـ كالتقيّد ـ:إظهار الزيادة في الأعمال عن الواقع منها في معرض الافتخار.
6- المقت: البغض والسخط.
7- التسقط:من قولهم «تسقط في الخبر يتسقطإذا أخذه قلباٍ يريد به هنا:التهاون.
8- اللجاجة:الإصرار على النزاع.وتنكّرَت:لم يعرف وجه الصواب فيه.
9- الوَهْن: الضعف.
10- الاستئثار:تخصيص النفس بزيادة.
11- الناس فيه أُسوة:أي متساوون.
12- التغابي:التغافل.
13- يقال:فلان حمّي الانف: إذا كان أبياً يأنف الضيم.
14- السَوْرة ـ بفتح السين وسكون الواو: الحِدة.