كلام الامام علي (ع) حول الرحمة الالهية

2024.01.10 - 12:39
Facebook Share
طباعة

  ما أروعه من كلام يصوّر لنا به أمير المؤمنين (عليه السلام) الدنيا وفناءها، ويذكّرنا بالآخرة ودوامها، ويحثّنا على العمل قبل فوات الأوان، والتزوّد قبل الرّحيل. إن في هذه الخطبة المباركة صوراً بديعة لا يمكن للعاقل أن يتغافل عنها، فيشير (عليه السلام) إلى غفلة النائم عن الجنّة، وجهل النائم عن النّار، وهما أمران محققان أكيدان، ويتمنى أمير المؤمنين لو أنّ كلماته هذه تشعل فتيل التفكّر والتدبّر في نفوسنا فنتعظ بها، ونسلم، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام):

"أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ([1])، وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ، وَإِنَّ الآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ، وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاَعٍ([2]) أَلاَ وَإِنَّ اليَوْمَ المِضْمارَ وَغَداً السِّبَاقَ([3])، وَالسَّبَقَةُ الجَنَّةُ وَالغَايَةُ النَّارُ([4])؛ أَفَلاَ تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ أَلاَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ أَلاَ وَإِنَّكُمْ في أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ([5])، فَمَنْ عَمِلَ في أَيَّامِ أَمَلهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ، وَلَمْ يَضرُرْهُ أَجَلُهُ؛ وَمَنْ قَصَّرَ في أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ، فَقَدْ خَسِرَ عَمَلَهُ، وَضَرَّهُ أَجَلُهُ، أَلاَ فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ([6]) أَلاَ وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا([7])، وَلاَ كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا([8])، أَلاَ وَإنَّهُ مَنْ لاَ يَنْفَعُهُ الحقُّ يَضْرُرهُ البَاطِلُ([9])، وَمَنْ لا يستقم بِهِ الهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلاَلُ إِلَى الرَّدَىْ([10])، أَلاَ وَإِنَّكُمْ قَد أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ([11]) وَدُلِلْتُمْ عَلى الزَّادَ([12]).. وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخافُ عَلَيْكُمُ: اتِّبَاعُ الهَوَى، وَطُولُ الأمَلِ، تَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحُوزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً([13]).. وأقول: إنّهُ لو كان كلامٌ يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا([14])، ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام، وكفى به قاطعاً لعلائق الآمال، وقادحاً زناد([15]) الاتعاظ والازدجار([16])"([17]).


[1] أدارت ظهرها، بمعنى بدأت بالرحيل.
[2] أشرفت علينا مطلعة على كلّ شيء تسجّل علينا مما فعلناه.
[3] إن ما نراه في الدنيا هو مجرّد مضمار السّباق، وكل خطوة فيه محسوبة علينا، ستجعلنا نكسب غداً أم نكون من الخاسرين.
[4] إن جائزة السبق هي الجنّة للفائزين، وإن غاية السباق تجنّب النّار، والحكيم من يعتبر نفسه أنّه في سباق للهروب من النار والفوز بالجنّة
[5] إننا في الدنيا نعيش تحت وطأة الأمل بطول العمر، مما ينسينا الأجل.
[6] أي اعملوا وأنتم تخافون النار كأنّكم ترونها، واعملوا وأنتم تبصرون الجنّة ومحاسنها كأنكم ترونها.
[7] لا يوجد صاحب غفلة في الدنيا يشبه الغافل عن دخول الجنّة.
[8] ولا يوجد قليل حكمة في الدنيا يشبه الغافل عن الهروب من النّار.
[9] إن كان الحقّ لا ينفع أحدهم على وجه الظّن، فإنّ الباطل يضرّه بالتأكيد.
[10] ومن لا يقوّمه الهدى، فإن الضلال يأخذه إلى الهاوية بالتأكيد.
[11] طوال حياتنا ونحن نعلم أننا مغادرون للدنيا، وأن أمامنا -لا محالة- سفراً للآخرة.
[12] وقد دلّنا الله على ما يجب علينا أن نتزوّد به لهذا السفر.
[13] فزوّد نفسك اليوم بما سينفعك غداً.
[14] لو كنت أستطيع أن أحوّل كلماتي هذه إلى حواجز تمنعكم من الخطيئة، ومهامز تحثّكم على فعل الخير، لفعلت.
[15] إن كلامي هذا يشعل فتيل التفكير والتدّبر في نفوسكم.
[16] الزجر والنّهي.
[17] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢ - الصفحة ٩١.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى