يتحدّث أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أبغض الخلق عند الله، ويذكر أنّه قاضٍ جاهل، تولى أمر الفتيا في أمور النّاس وهو ليس بأهل، جاهل لم يتعلّم، وإنّما مرّ مرور الكرام على العلم ولم يحمل منه شيئاً، ضال لا يستهدي، يحمل خطيئته، وخطيئة من عمل بفتاويه، إذا تحدّث قال هراءً، لا يستطيع حلّ نزاع، ولا يقدر على الاهتداء لحكم الله، قال أمير المؤمنين:
"إِنَّ أَبْغَضَ الخَلائِقِ إِلَى اللهِ تعالى رَجُلانِ: رَجُلٌ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِرٌ([1]) عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ مَشْغُوفٌ بِكَلاَمِ بِدْعَةٍ وَدُعَاءِ ضَلاَلَةٍ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لَمِنِ افْتَتَنَ بِهِ، ضَالٌّ عَنْ هَدْي مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، مُضِلُّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ، رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ وَرَجُلٌ قَمَشَ([2]) جَهْلاً مُوضِعٌ في جُهَّالِ الأُمَّةِ عادٍ([3]) في أَغْبَاشِ([4]) الفِتْنَةِ، عِمٍ([5]) بِمَا في عَقْدِ الهُدْنَةِ قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالمِاً وَلَيْسَ بِهِ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ، مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ، حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ([6]) وَأكْثَر مِن غَيْرِ طَائِلٍ جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا التَبَسَ عَلَى غيْرِهِ فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى المُبْهَمَاتِ([7]) هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثّاً([8]) مِنْ رَأْيِهِ، ثُمَّ قَطَعَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ في مِثْلِ نَسْجِ العَنْكَبُوتِ: لاَ يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ، إنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ. جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهلات([9])، عَاشٍ([10]) رَكَّابُ عَشَوَات([11]) لَمْ يَعَضَّ عَلَى العِلْمِ بِضِرْسٍ([12]) قَاطِعٍ، يُذرِي([13]) الرِّوَايَاتِ إذْراءَ الرِّيحِ الهَشِيمَ([14]) لاَ مَلِيٌ([15]) ـ وَاللهِ ـ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ([16])، وَلاَ هُوَ أَهْلٌ لِما فُوّضَ إليه، لاَ يَحْسَبُ العِلْمَ في شيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ، وَلاَ يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ منه مَذْهَباً لِغَيْرهِ، وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ([17]) لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ، تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ، وَتَعَجُّ مِنْهُ المَوَارِيثُ([18]) إِلَى اللهِ أَشْكُو مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالاً، وَيَمُوتُونَ ضُلاَّلاً، لَيْسَ فِيهمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ([19]) مِنَ الكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ، وَلاَ سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً([20]) وَلاَ أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلاَ عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ المَعْرُوفِ، وَلاَ أَعْرَفُ مِنَ المُنكَرِ"([21]).
[2] لبس الجهل، أو لبسه الجهل.
[7] المسائل غير المعروفة له.
[9] يمشي من غير هدى في الجهل.
[10] لا يرى في الظلم، كناية عن العمى.
[11] يركب دابّة عشواء، لا ترى.
[14] كما تذرو الرياح القش اليابس.
[16] لا يقدر على فصل القضايا التي وردت عليه، والحكم فيها.
[21] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٥١-55.