وصف الإمام عليّ (عليه السلام) للدنيا وزوالها

2024.01.06 - 11:28
Facebook Share
طباعة

  يقول أمير المؤمنين (عليه السلام)، إنّ الدنيا قد أوشكت على الانتهاء، وأعلنت عن انقضاءها، وأصبح معروفها منكراً بالنسبة لنا، وتغيّرت معنا، فهي تحفّز أهلها وتقودهم نحو الفناء، وترافقهم إلى القبور، قد أصبح حلوها مراً، وصفاؤها كدراً، ولم يبق منها سوى شربة ماءٍ لا تروي العطشان مستقرّة في قعر الإناء، فجهّزوا أنفسكم للرحيل أيها النّاس واستعدوا للرحلة. ولا يغلبكم الأمل بطول الأجل، فكل من سبقوكم إلى الموت لم يحسبوا حسابه، فوالله لو بكيتم حتّى ذابت قلوبكم، وصرختم حتّى انبحّت أصواتكم لن ينفعكم إلا ما أعددتم لأنفسكم في الدنيا لآخرتكم:

"أَلاَ وَإِن الدُّنْيَا قَدْ تَصَرمَتْ([1])، وَآذَنَتْ بِانْقِضَاءٍ، وَتَنَكرَ مَعْرُوفُها وَأَدْبَرَتْ حَذاءَ([2]) فَهِيَ تَحْفِزُ([3]) بِالْفَنَاءِ سُكانَهَا، وَتَحْدُو([4]) بِالْمَوْتِ جِيرَانَهَا، وَقَدْ أَمَر مِنْها مَا كَانَ حُلْواً، وَكَدِرَ مِنْهَا ما كَانَ صَفْواً، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا سَمَلَةٌ([5]) كَسَمَلَةِ الاْدَاوَةِ([6]) أَوْ جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ([7]) لَوْ تَمَززَهَا([8]) الصدْيَانُ([9]) لَمْ يَنْقَعْ([10]) فَأَزْمِعُوا([11]) عِبَادَ اللهِ الرحِيلَ عَنْ هذِهِ الدارِ المَقْدُورِ عَلَى أَهْلِهَا الزوالُ، وَلاَ يَغْلِبَنكُمْ فِيهَا الاْمَلُ، وَلاَ يَطُولَن عَلَيْكُمْ الاْمَدُ، فَوَاللهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوُلهِ الْعِجَالِ([12]) وَدَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ وَجَأَرْتُمْ([13]) جُؤَارَ مُتَبَتِّلِي([14]) الرُّهْبَانِ، وَخَرَجْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الاْمْوَالِ وَالاْوْلاَدِ، الْتمَاسَ الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَةٍ عِنْدَهُ، أو غُفْرَانِ سِيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ، وَحَفِظَتْهَا رُسُلُهُ، لَكَانَ قَلِيلاً فَيَما أَرْجُو لَكُم مِنْ ثَوَابِهِ، وَأَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِوَتَاللهِ لَوِ انْمَاثَتْ([15]) قُلوبُكُمُ انْمِيَاثاً وَسَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْهِ وَرَهْبَةٍ مِنْهُ دَماً، ثُم عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا، مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ، مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ عَنْكُمْ ـ وَلَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ جُهْدِكُمْ ـ أَنْعُمَهُ عَلَيْكُمُ الْعِظَامَ، وَهُدَاهُ إِياكُمْ لِلإيمَانِ"([16]).


[1] هذه الدنيا قد انقضت أيامها بسرعة.
[2] أدارت ظهرها لنا هاربة.
[3] تحمس.
[4] ترافقهم إلى حتوفهم.
[5] شربة ماء صغيرة.
[6] كبقية الماء في الإناء.
[7] الحصوة الصغيرة التي ترمى في البئر الجّافة ليُعرف إذا فيها ماء.
[8] شربها بهدوء.
[9] الظمآن.
[10] يرتوي.
[11] انووا الرحيل، وتجهّزوا له.
[12] النوق الوالهة الفاقدة لأولادها.
[13] صرختم بأعلى أصواتكم.
[14] المتنسّكين.
[15] ذابت.
[16] شرح نهج البلاغة، ج3- ص331-332.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى