حكم وأقوال للإمام عليّ (عليه السلام)

2023.12.26 - 10:43
Facebook Share
طباعة

  - قَالَ (عليه السلام)، أن الإنسان مهما بلغ من قوّة وكيدٍ وقدرة، لن يبلغ إلا ما كتب الله له، ومها ضعف عن ذلك فلن يحول ذلك بينه وبين أدنى ما كتب الله له. فمن يدرك ذلك يرتاح، فإّنه لا يمكن أن يضيّع جهده فيما قُسم له، ولا أن يخشى فواته، فعلى من ينتفع بأمر ما أن يزيد شكره لله، ولا تتعجّل المزيد:

"اعْلَمُوا عِلْماً يَقِيناً أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبْدِ، وَإِنْ عَظُمَتْ حِيلَتُهُ، وَاشْتَدَّتْ طَلِبَتُهُ، وَقَوِيَتْ مَكِيدَتُهُ، أَكْثَرَ مِمَّا سُمِّيَ لَهُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ. وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْعَبْدِ فِي ضَعْفِهِ، وَقِلَّةِ حِيلَتِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ مَا سُمِّيَ لَهُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَالْعَارِفُ لِهَذَا، الْعَامِلُ بِهِ، أَعْظَمُ النَّاسِ رَاحَةً فِي مَنْفَعَةٍ، وَالتَّارِكُ لَهُ، الشَّاكُّ فِيهِ، أَعْظَمُ النَّاسِ شُغُلًا فِي مَضَرَّةٍ، وَرُبَّ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ مُسْتَدْرَجٌ بِالنُّعْمَى، وَرُبَّ مُبْتَلًى مَصْنُوعٌ لَهُ بِالْبَلْوَى، فَزِدْ أَيُّهَا الْمُسْتَنْفِعُ فِي شُكْرِكَ، وَقَصِّرْ مِنْ عَجَلَتِكَ، وَقِفْ عِنْدَ مُنْتَهَى رِزْقِكَ".
- وَقَالَ (عليه السلام)، في نصيحة تنمويّة عظيمة، لا تحوّلوا علمكم إلى جهل، ولا يقينكم إلى شك بالتقاعس عن التنفيذ، يقول الله تعالى {فإذا عزمت فتوكّل على الله}([1])، فالتردد آفة القادر، تجعله في مصاف العاجزين:
"لَا تَجْعَلُوا عِلْمَكُمْ جَهْلًا، وَيَقِينَكُمْ شَكّاً، إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا، وَإِذَا تَيَقَّنْتُمْ فَأَقْدِمُوا".
- وَقَالَ (عليه السلام)، متابعاً في نصائحه التنمويّة العظيمة، فيشير إلى أنّ الطّمع، وإن حصّلت منه شيئاً، فتأكد بّانك لن تنتفع منه، فهو مورد غير مصدر، أي أنه يأتي بأشياء ويمنع نفعها بذات الوقت، وهو كذلك أمين مضيّع لما ائتمنته عليه، فكم من شارب لم يمهله قدره كي يرتوي، وكلّما زادت المنافسة للحصول على الشيء زاد ألم خسرانه، وطول التعلل بالأماني قد تجعلك فاقداً للعقل، والحظ لا حاجة لمطارته، فهو يأتي لأولئك الذين يلا يبحثون عنه:
"إِنَّ الطَّمَعَ مُورِدٌ غَيْرُ مُصْدِرٍ، وَضَامِنٌ غَيْرُ وَفِيٍّ، وَرُبَّمَا شَرِقَ شَارِبُ الْمَاءِ قَبْلَ رِيِّهِ، وَكُلَّمَا عَظُمَ قَدْرُ الشيء الْمُتَنَافَسِ فِيهِ، عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ لِفَقْدِهِ، وَالْأَمَانِيُّ تُعْمِي أَعْيُنَ الْبَصَائِرِ، وَالْحَظُّ يَأْتِي مَنْ لَا يَأْتِيهِ".
- وَقَالَ (عليه السلام)، متعوّذاً من الله تعالى من أن يكون ظاهره حسنٌ، وباطنه فاسد، فيظنّ به النّاس خيراً، وهو يُضمر السّوء، فيصبح عمله رياءٌ في رياء، يحصل فيه على رضى العباد، وسخط الإله:
"اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تُحَسِّنَ فِي لَامِعَةِ الْعُيُونِ عَلَانِيَتِي، وَتُقَبِّحَ فِيمَا أُبْطِنُ لَكَ سَرِيرَتِي، مُحَافِظاً عَلَى رِثَاءِ النَّاسِ مِنْ نَفْسِي، بِجَمِيعِ مَا أَنْتَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ مِنِّي، فَأُبْدِيَ لِلنَّاسِ حُسْنَ ظَاهِرِي، وَأُفْضِيَ إِلَيْكَ بِسُوءِ عَمَلِي تَقَرُّباً إِلَى عِبَادِكَ وَتَبَاعُداً مِنْ مَرْضَاتِكَ".
- وَقَالَ (عليه السلام)، مقسماً بقسمٍ عظيمٍ يدلل فيه على قدرة المولى عزّ وجلّ، الذي بدّل ظلمة الليل، بفجر منير، انبلج من قلب العتمة:
"لَا وَالَّذِي أَمْسَيْنَا مِنْهُ فِي غُبْرِ لَيْلَةٍ دَهْمَاءَ([2]) تَكْشِرُ عَنْ يَوْمٍ أَغَرَّ([3]) مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا".
- وَقَالَ (عليه السلام)، أنّ القليل الدّائم، خيرٌ من إشباعٍ يورث الملل:
"قَلِيلٌ تَدُومُ عَلَيْهِ أَرْجَى مِنْ كَثِيرٍ مَمْلُولٍ مِنْهُ".
- وَقَالَ (عليه السلام)، لا تدحضوا فرائضكم بالنّوافل، فالفرض أولى من النافلة، ففي حال خُيّرت بين الفرض، والزّيادة عليه، فعليك بالفرض، لأن النّافلة تكون مجزية إذا تممت الفرض، وغير ذلك فإنّها لا شيء:
"إِذَا أَضَرَّتِ النَّوَافِلُ بِالْفَرَائِضِ فَارْفُضُوهَا".
- وَقَالَ (عليه السلام)، مشيراً إلى الموت، وبعد المسافة فيه، وقرب الميعاد، فمن استذكر الموت في حياته، استعدّ له إن كان عاقلاً:
"مَنْ تَذَكَّرَ بُعْدَ السَّفَرِ اسْتَعَدَّ".
- وَقَالَ (عليه السلام)، منبّهاً إلى ضرورة الاعتماد على البصيرة مع الإبصار، فالعيون قد تغش صاحبها، ولكن العقل لا يفعل ذلك أبداً، فلا تكفي المعاينة وحدها لكشف زيف الأشياء، وإنّما يجب أن تقترن المعاينة بالتعقّل لنصل إلى الحكم السليم:
"لَيْسَتِ الرَّوِيَّةُ كَالْمُعَايَنَةِ مَعَ الْإِبْصَارِ، فَقَدْ تَكْذِبُ الْعُيُونُ أَهْلَهَا، وَلَا يَغُشُّ الْعَقْلُ مَنِ اسْتَنْصَحَهُ".
- وَقَالَ (عليه السلام)، إنّ بين الإنسان والاتّعاظ والاعتبار حجاب من الاغترار والاعتداد بالنفس، مادام موجوداً، فإنّه لن يستفيد من النّصيحة، ولن يعتبر من التجارب:
"بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمَوْعِظَةِ حِجَابٌ مِنَ الْغِرَّةِ([4])".
- وَقَالَ (عليه السلام)، مؤنّباً أصحابه، إنّ جاهلكم يزداد ويغالي في جهله، ولا أحد يصوّبه، لأنّ علماءكم يسوّفون واجباتهم، ويتقاعسون عن أخذ دورهم الواجب في المجتمع:
"جَاهِلُكُمْ مُزْدَادٌ وَعَالِمُكُمْ مُسَوِّفٌ".
- وَقَالَ (عليه السلام)، إن العلم يقطع الشكّ باليقين، فالزموا العلم واتركوا التعلل والتعليلات:
"قَطَعَ الْعِلْمُ عُذْرَ الْمُتَعَلِّلِينَ([5])".
- وَقَالَ (عليه السلام)، مشيراً إلى الموت أيضاً، أن من يعاجله الموت، يسأل التمديد له، وهذا محال، وكل من له عمرٌ ممتدٌ في أجله تراه يسوّف ويؤجّل ما عليه، فلمّا يأتيه الموت يطلب التأجيل أيضاً، ولا يتّعظ أحد، فلا يؤجّل، ويبادر إلى فعل ما عليه من واجبات:
"كُلُّ مُعَاجَلٍ يَسْأَلُ الْإِنْظَارَ، وَكُلُّ مُؤَجَّلٍ يَتَعَلَّلُ بِالتَّسْوِيفِ".
- وَقَالَ (عليه السلام)، إن حكم النّاس على الأشياء حكمٌ قاصر، فما استحسنوه اليوم، سيجدون أنّ وراءه مصائب عديدة فيما بعد:
"مَا قَالَ النَّاسُ لشيء طُوبَى لَهُ، إِلَّا وَقَدْ خَبَأَ لَهُ الدَّهْرُ يَوْمَ سَوْءٍ".
- وَسُئِلَ (عليه السلام) عَنِ الْقَدَرِ، فَقَالَ إنّ طريقه مظلمٌ، وبحره عميق، وسرّه عظيم، فلا تكلفوا أنفسكم عناء فهمه، بل توكّلوا على الله، فهو يعطيكم خير ما فيه:
"طَرِيقٌ مُظْلِمٌ فَلَا تَسْلُكُوهُ وَبَحْرٌ عَمِيقٌ فَلَا تَلِجُوهُ وَسِرُّ اللَّهِ فَلَا تَتَكَلَّفُوهُ".
 

المرجع نهج البلاغة – خطب أمير المؤمنين – ج 4 – ص 66 حتّى 69



[1] آل عمرن – الآية 159.
[2] بقيّة ليل مظلم.
[3] كشّر وكشف عن صبحٍ منير.
[4] الغرور.
[5] المتأولين، المتوقّعين، المحللين.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى