كلام الامام عليّ (عليه السلام) في أسباب تقهقر الأمم

2023.12.13 - 11:10
Facebook Share
طباعة

  قال (عليه السلام) مقرّعاً جنوده الذين تجتمع أبدانهم تحت لواءه، وتتفرّق أفكارهم ونيّاتهم وأهدافهم، الأمر الذي يصعب معه تحقيق النّصر، فكلّ كلامهم يوهن الصّخر الأصمّ، ويطمع الأعداء لما يستدلون به من ضعفهم:

"أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصمّ الصّلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء"([1]).
وقال (عليه السلام)، شاكياً إلى الله جنوده الذين لا يسمعون كلامه، ولا يطيعون أوامره، فأي نصرٍ يرتقبون؟ فلا حميّة باقية فيهم وقد استغلّ الأعداء ضعفهم هذا وزادوا من هجماتهم:
"منيت بمن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت لا أبا لكم ما تنتظرون بنصركم ربكم؟! أما دين يجمعكم؟ ولا حمية تحمشكم؟ أقوم فيكم مستصرخاً، أناديكم متغوثاً، فلا تسمعون لي قولاً، ولا تطيعون لي أمراً، حتى تكشف الأمور عن عواقب المساءة"([2]).
وقال (عليه السلام)، مقرّعا أولئك الذين لا يغضبون لغضبة الله، بل هم لحميّة الجاهليّة أقرب، يأنفون إذا ذُكرت آباؤهم بسوء، ويتركون أعداء الله تسيد وتميد في الساحات:
"وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تغضبون وأنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون؛ وكانت أمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع"([3]).
وقال (عليه السلام)، ما أكثركم في باحات اللهو والتسلية، وما أقلكم في ساحات الجهاد، وإنني أعرف كيف أقوّم اعوجاجكم، ولكنني لن أغضب الله فأكون طاغية كمعاوية حتّى أجعلكم مطيعين كما طاعة جنده له، أذل الله وجوهكم، وأتعس أصولكم، لو أنكم تعرفون الحق كما تعرفون الباطل، لكان النّصر حليفكم:
"إنكم – والله – لكثير في الباحات، قليل تحت الرايات؛ وإني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم، ولكني والله لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي؛ أضرع الله خدودكم، وأتعس جدودكم؛ لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل، ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحق"([4]).
وقال (عليه السلام)، أيها الحاضرون بأجسامهم، الغائبون بعقولهم، الذين قلوبهم متفرقة، الذين ابتلى الله بهم قادتهم وأمراءهم، أنا أطيع الله فيكم وأنتم تعصونه في:
"أيها القوم الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم، صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه"([5]).
قال (عليه السلام)، إني لأظنّ أن القوم سينتصرون عليكم، لاجتماعهم على الباطل وتفرّقكم عن حقّكم، ومعصيتكم لي وطاعتهم لمعاوية، وأداءهم لحق أميرهم وخيانتكم لي، وصلاحهم وفسادكم، فأنا لا أستطيع أن أأتمنكم على كأس الشرب إلا أن تسرقوا سلسلته، أسأل الله أن يبدله خيرا منكم، ويبدلني خيرا منكم:
"إني والله، لأظن: أن هؤلاء القوم سيدالون منكم، باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحق، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم، وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم؛ فلو ائتمنت أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته. اللهم إني قد مللتهم وملوني؛ وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شراً مني"([6]).
وقال (عليه السلام)، تخافون من الجهاد كأنكم تساقون إلى الموت، ذاهلون كالسكارى من الرهبة، تسمعون كلامي كالضائعين، كأن قلوبكم مسروقة منكم، لا أثق بكم طالما الليل يعكر صفو الرؤية، وأنتم لي بركن أستند إليه، ولستم عزوة أعتز بها، بل أنتم كالإبل الهائمة بلا راع في الصحراء، منتشرة هكذا بلا هدف:
"إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم، كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة؛ يرتج عليكم حواري فتعمهون؛ فكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون؛ ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي، وما أنتم بركن يمال بكم، ولا زوافر عز يفتقر إليكم؛ ما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها، فكلما جمعت من جانب انتشرت من آخر"([7]).
وقال (عليه السلام)، إني أرى أمامي أشباحا لا روح فيها، وأجسام خاوية، حتى صلاتكم وعبادتكم غير ذات عائد عليكم، نائمون وأنتم أيقاظ، لا تسمعون ولا تنطقون:
"ما لي أرى أشباحاً بلا أرواح، وأرواحاً بلا أشباح، ونسّاكاً بلا صلاح، وتجاراً بلا أرباح، وأيقاظاً نوماً، وشهوداً غيباً، وناظرة عمياء، وسامعة صماء، وناطقة بكماء"([8]).


[1] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢ - الصفحة ١١١.
[2] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٩٠.
[3] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠٥.
[4] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١١٨.
[5] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٧ - الصفحة ٧٠.
[6] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١ - الصفحة ٣٣٢.
[7] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢ - الصفحة ١٨٩.
[8] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٧ - الصفحة ١٨٧.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى