كلام الامام علي (عليه السلام) في صمدانيّة الله وبدء الخلق

2023.11.14 - 11:16
Facebook Share
طباعة

  يقول الإمام (عليه السلام) في صمدانيّة الخالق، وجلاله وعظمته، في فلسفة لم ترقَ إليها خطبةٌ، في ذكر صفات الله المطلقة، وتنزيهه عن المشابهة والحلول والتّجزّؤ، ثمّ يتطرّق أمير المؤمنين إلى أوّل الخلق، وابتداع الله للسماوات، في نظم علميّ أقلّ ما يقال فيه أنّه أبحاث متكاملة، على البشرية جمعاء محيصها وردّ العلوم الفلكيّة والكونيّة إليها، لاستيضاح ما أبهم على الناس من أوّل الخلق، وإنّه لمن أشدّ مظاهر تقصير هذه الأمّة وتفريطها بكنوزها، عدم وضع هذه الخطب الجليلة في مظانّها، وتمكين مراكز الأبحاث العالميّة من إجراء الاختبارات عليها، والنتائج ستكون مذهلة بالتأكيد:

"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ([1]) وَلَا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ([2]) وَلَا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ([3]) الَّذِي لَا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ([4]) وَلَا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ([5]) الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ([6]) وَلَا نَعْتٌ مَوْجُودٌ([7]) وَلَا وَقْتٌ مَعْدُودٌ([8]) وَلَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ([9]) فَطَرَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ([10]) وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ([11]) وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ([12]) أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ([13]) وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ([14]) وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ([15]) وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ([16]) وَكَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ([17]) لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ([18]) وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ([19]) فَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ([20]) وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ([21]) وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ([22]) وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ([23]) وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ([24]) وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ([25]) وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ([26]) وَمَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ([27])وَمَنْ قَالَ عَلَامَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ([28]) كَائِنٌ لَا عَنْ حَدَثٍ([29]) مَوْجُودٌ لَا عَنْ عَدَمٍ([30]) مَعَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لَا بِمُقَارَنَةٍ([31]) وَغَيْرُ كُلِّ شيء لَا بِمُزَايَلَةٍ([32]) فَاعِلٌ لَا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالْآلَةِ([33]) بَصِيرٌ إِذْ لَا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ([34]) مُتَوَحِّدٌ إِذْ لَا سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَلَا يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ([35])،أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً([36]) بِلَا رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا([37]) وَلَا تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا وَلَا حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا وَلَا هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِيهَا([38]) أَحَالَ الْأَشْيَاءَ لِأَوْقَاتِهَا([39]) وَلَأَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا([40]) وَغَرَّزَ غَرَائِزَهَا([41]) وَأَلْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا([42]) عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا([43]) مُحِيطاً بِحُدُودِهَا وَانْتِهَائِهَا عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وَأَحْنَائِهَا([44]) ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ وَشَقَّ الْأَرْجَاءِ وَسَكَائِكَ([45]) الْهَوَاءِ فَأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلَاطِماً تَيَّارُهُ مُتَرَاكِماً زَخَّارُهُ([46]) حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ([47]) فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ([48]) وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ([49]) وَقَرَنَهَا إِلَى حَدِّهِ([50]) الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِيقٌ([51]) وَالْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ([52]) ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا([53]) وَأَدَامَ مُرَبَّهَا([54]) وَأَعْصَفَ مَجْرَاهَا([55]) وَأَبْعَدَ مَنْشَأَهَا فَأَمَرَهَا بِتَصْفِيقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ([56]) وَإِثَارَةِ مَوْجِ الْبِحَارِ فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ([57]) وَعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ([58]) تَرُدُّ أَوَّلَهُ إِلَى آخِرِهِ([59]) وَسَاجِيَهُ إِلَى مَائِرِهِ([60]) حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ([61]) وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ([62]) فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ([63]) وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ([64]) فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ جَعَلَ سُفْلَاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً([65]) وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً([66]) وَسَمْكاً مَرْفُوعاً([67]) بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا وَلَا دِسَارٍ يَنْظِمُهَا([68]) ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ وَضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ([69]) وَأَجْرَى فِيهَا سِرَاجاً مُسْتَطِيراً([70]) وَقَمَراً مُنِيراً فِي فَلَكٍ دَائِرٍ([71]) وَسَقْفٍ سَائِرٍ وَرَقِيمٍ مَائِرٍ([72]) ([73])".

 



[1] مها قال الإنسان في مدح ربّه لن يبلغ غايته.
[2] لا يستطيع العادّون أن يحصوا نعمه.
[3] لا يستطيع المجتهدون في العبادة أن يؤدوا حقّه اللازم في العبادة.
[4] لا يمكن لأي إنسان -مهما تعاظمت مقدرته- أن يصل لإدراك ماهيّته.
[5] مهما غاص الإنسان بفكره في عظمة الله لن يصل لمعرفته.
[6] لا نستطيع تحديد صفاته المطلقه.
[7] لا يوجد كلمات تناسب عظمة صفاته.
[8] لا يمكن أن يحتويه زمان مهما امتدّت وحداته الزمنية.
[9] ولا تعداد تنازلي ينتهي بانتهائه مهما امتدّ هذا الأجل.
[10] انسابت الخلائق من تجليات قدرته بغير عناء.
[11] نظام الرياح في الكون هو من تجليات رحمة الله.
[12] جعل الجبال العظيمة أوتاداً ثبّت فيها انزياح القشرة الأرضيّة.
[13] لا دين بغير معرفة الله، فهو الخطوة الأولى.
[14] ولا تكتمل معرفة الله بغير تصديق كلامه.
[15] ولا تصديق لكلام الله بغير توحيده.
[16] ولا توحيد بغير إخلاص في العبادة.
[17] ورأس الإخلاص نفي الصفات عن الله.
[18] لأنّ كلّ صفة عن الله تشهد بأن الله أعظم وأجلّ.
[19] والعكس بالعكس.
[20] لأن من وصف الله سبحانه فقد شبهه.
[21] ومن شبهه، فقد أوجد له نسخة مشابهة.
[22] ومن نسخه فقد جزّأه، وقسّمه.
[23] زمن جزّأ الله لا يعرف صمدانيّته.
[24] ومن جهل الله فقد حدده، إذ لا يمكن أن تجهل عدماً.
[25] وأيضاً من علم الله فقد وقع بذات الإشكال، وهو تحديده الله.
[26] فإنّ من حدّ الله فقد جعله قابلاً للعدّ.
[27] ومن قال في أي شيء يوجد الله، فقد جعل له مجالاً يحلّ فيه.
[28] ومن قال على أي شيء يوجد، فقد أخلى منه حيزاً من الوجود لا يكون فيه، وهو "التحت".
[29] هو موجود من حادثة إيجاد.
[30] لم يسبقه عدم.
[31] موجود مع كلّ شيء من غير مقارنة.
[32] ومختلف مع كلّ شيء من غير حركة وتغيّر.
[33] فاعل من غير حركة.
[34] بصير بكلّ خلقه، ولا يستطيع أحد من خلقه إبصاره.
[35] موجود بغير مؤانسة، مفقود بغير وحشة.
[36] أنشأه بلا مخططات.
[37] من غير تروّي وتفكير.
[38] اهتمام سبب الاضطراب.
[39] ظهر كلّ شيء من العدم في وقته.
[40] لائم بين العناصر المتضادة.
[41] وطبّع كل شيء بطباعه.
[42] وألزم كل غريزة بشبحه والمقصود هيئته.
[43]مبتدأً بالعلم من غير تعليم أو توجيه.
[44] أشباهها ونظائرها.
[45] الهواء المرتفع لأعلى عنان السماء.
[46] الشديد الغزارة.
[47] العواصف الشديدة.
[48] أمسكت الماء أن يسقط.
[49] ألزمته مكانه كأنها ربطته.
[50]  وقفت على حدّه.
[51] مفتوق ومفتوح.
[52] دافق.
[53] لا تحمل أمطاراً.
[54] ألزمها مهمّتها.
[55] حدد لها مجرىً لا تخالفه.
[56] تحريك.
[57] خضّته كما يخضّ اللبن لاستخراج الزبد.
[58] عصفت به وهو في فضاءه ذاك.
[59] تقلبه كما يقلب الجراب.
[60] وحرّكت ساكنه، وجعلته يلتقي بهائجه.
[61] اختنق ببعضه.
[62] بدأ يرمي ما تراكم كالزبد منه.
[63] مفتوح.
[64] واسع عريض.
[65] محجوزاً.
[66] سقفاً مانعاً مما علاه.
[67] سقفاً عالياً.
[68] مسامير وملازم تشدّها.
[69] شدّة الضياء.
[70] الشمس تتطاير منها ألسنة اللهب.
[71] تدور في مساراتها.
[72] فضاء غير ثابت متحرك على الدّوام.
[73] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٤-18.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى