كلام الامام علي (ع) في خلق آدم

2023.11.14 - 11:14
Facebook Share
طباعة

  يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خلق آدم، حقائق ومعلومات غاية في الرّمزية والتجريد، مشيراً إلى حقائق تناولتها العديد من الأخبار في العهد القديم، والقرآن الكريم، وبعض المرويات عن الأنبياء، والرّسول الأعظم (ص)، لكن أمير المؤمنين صاغها بأسلوب بياني بديع، مع بعض التفصيلات التي لم يسمع بها أحد قبله:

"ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ([1]) الْأَرْضِ وَسَهْلِهَا وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا تُرْبَةً سَنَّهَا([2]) بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ وَلَاطَهَا([3]) بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ([4]) فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَوُصُولٍ وَأَعْضَاءٍ وَفُصُولٍ أَجْمَدَهَا([5]) حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ وَأَصْلَدَهَا([6]حَتَّى صَلْصَلَتْ([7]) لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَأَمَدٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا([8]) وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا([9]) وَأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا وَمَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْأَذْوَاقِ وَالْمَشَامِّ([10]) وَالْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ مَعْجُوناً بِطِينَةِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ وَالْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ وَالْأَخْلَاطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْبَلَّةِ وَالْجُمُودِ وَاسْتَأْدَى([11]) اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلَائِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ وَعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِمْ فِي الْإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَالْخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ([12]) وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ وَتَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ النَّارِ وَاسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ([13]) فَأَعْطَاهُ اللَّهُ النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ() وَاسْتِتْمَاماً لِلْبَلِيَّةِ() وَإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ فَقَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ. ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عَيْشَهُ وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً([14]) عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ وَمُرَافَقَةِ الْأَبْرَارِ فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلًا وَبِالِاغْتِرَارِ([15]) نَدَماً ثُمَّ بَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ وَوَعَدَهُ الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ وَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ ."([16])


[1] الأراضي الوعرة.
[2] نقعها.
[3] خلطها جيّداً.
[4] أصبحت لزجة.
[5] نشفّها.
[6] جعلها تتصلب.
[7] أصبحت كالفخار.
[8] ذا بديهة وتفكير.
[9] له أعضاء تخدمه.
[10] حاسة الشّم.
[11] طلب منهم أداء الأمانة.
[12] الكِبر وعزّة النّفس.
[13] استضعف هذا المخلوق.
[14] مستكثراً عليه.
[15] الغرور.
[16] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى