خطبة للامام علي (ع) بعد تلاوته (رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله)

2023.09.04 - 02:23
Facebook Share
طباعة

 من كلام الامام علي (عليه السلام):

قاله عند تلاوته:{رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ}([1])
"إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الذِّكْرَ([2]) جِلاَءً لِلْقُلُوبِ([3])، تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ([4])، وَتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ([5])، وَتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ([6])، وَمَا بَرِحَ لله ـ عَزَّتْ آلاَؤهُ ـ فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ([7])، وَفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ([8])، عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِى فِكْرِهِمْ([9])، وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ([10])، فَاسْتَصْبَحُوا([11]) بِنُورِ يَقَظَة فِي الأسْمَاعِ وَالأبْصَارِ وَالأفْئِدَةِ، يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللهِ، وَيُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ، بِمَنْزِلَةِ الأدِلَّةِ فِي الْفَلَوَاتِ([12])، مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ([13]) حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ، وَبَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ، وَمَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَشِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْهِ الطَّرِيقَ([14])، وَحَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ، فَكَانَوا كَذلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ، وَأَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ([15]).وَإِنَّ لِلذِّكْرِ لأهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْيَا بَدَلاً، فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْهُ، يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ الْحَيَاةِ، وَيَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ([16]) عَنْ مَحَارِمِ اللهِ، في أَسْمَاعِ الْغَافِلِينَ، وَيَأْمُرُونَ بِالقِسْطِ وَيَأْتَمِرُونَ بِهِ([17])، وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ([18])، فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا الدُّنْيَا إِلَى الاْخِرَةِ وَهُمْ فِيهَا، فَشَاهَدُوا مَاوَرَاءَ ذَلِكَ، فَكَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ فِي طولِ الإقَامَةِ فِيهِ([19])، وَحَقَّقَتِ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا([20])، فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذلِكَ لأهْلِ الدُّنْيَا، حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لاَ يَرَى النَّاسُ، وَيَسمَعُونَ مَا لاَ يَسْمَعُونَ.فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ([21]) الْـمَحْمُودَةِ، وَمَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَةِ([22])، وَقَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ([23]) أَعْمَالِهِمْ، وَفَرَغُوا لِـمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ([24])، وَعَلَى كُلِّ صَغِيرَة وَكَبِيرَة أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا، أَوْ نُهوُا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فِيهَا، وَحَمَّلُوا ثِقَلَ أَوْزَارِهِمْ([25]) ظُهُورَهُمْ، فَضَعُفُوا عَنِ الاْسْتِقلاَلِ بِهَا([26])، فَنَشَجُوا([27]) نَشِيجاً، وَتَجَاوَبُوا نَحِيباً([28])، يَعِجُّونَ([29]) إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَم وَاعْتِرَاف، لَرَأَيْتَ أَعْلاَمَ هُدىً([30])، وَمَصَابِيحَ دُجىً([31])، قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلاَئِكَةُ([32])، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَفُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّماءِ، وَأَعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْكَرَامَاتِ([33])، فِي مَقْعَد اطَّلَعَ اللهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ([34])، فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ([35])، وَحَمِدَ مَقَامَهُمْ، يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ([36]) التَّجَاوُزِ، رَهَائِنُ فَاقَة إِلَى فَضْلِهِ([37])، وَأُسَارَى ذِلَّة لِعَظَمَتِهِ([38])، جَرَحَ طُولُ الأسَى([39]) قُلُوبَهُمْ، وَطُولُ الْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ. لِكُلِّ بَابِ رَغْبَة إِلَى اللهِ سُبحانَهُ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعةٌ، يَسْأَلُونَ مَنْ لاَ تَضِيقُ لَدَيْهِ الْمَنَادِحُ([40])، وَلاَ يَخِيبُ عَلَيْهِ الرَّاغِبُونَ.فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ([41])، فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الأنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ([42])"([43]).


[1]- سورة النور: الآية 37.
[2]- القرآن.
[3]- مطهراً للقلوب.
[4] - تسمع بالذكر بعد صممك عنه. أي تعود وتهتدي.
[5]- ضعف البصر.
[6]- تصبح القلوب طائعةً بعد سماعه أو تلاوته، وتنقاد بعد عنادها.
[7]- حينا بعد حين.
[8]- زمن ضعف يأتي شدّة. 
[9]- هؤلاء العباد يوحي لهم الله في أفكارهم، ويلهمهم ماذا يريد منهم.
[10]- يحاكي عقولهم بطرق شتّى.
[11]- أضاؤا مصابيحهم.
[12]- هم بمنزلة الدليل في الصحاري، ومن دونه يضيع الإنسان.
[13]- من سلك طريق الاعتدال الذي يوصل للنجاة هنّأوه.
[14]- نهروه عن إكمال الطريق.
[15]- الأدلة على الحق وفضح الشبهات.
[16]- يهتفون بالناس بكل عظة كي ينهونهم عن معاصي الله.
[17]- يأمرون بالعدل ويمتثلون له.
[18]- يأمرون الناس بالابتعاد عن المنكر ويجتنبونه هم على صعيدهم الشخصي، أي ليسوا منافقين كما هم أغلب الدّعاة لله.
[19]- فكأنّهم في حياتهم ينظرون إلى كلّ ما يحصل بعد الموت، فهم في حالة يقين تام مما سيلاقيهم في الآخرة.
[20]- وعودها.
[21]- فلو أنّك تتخيّلهم في مقاماتهم المحمودة.
[22]- وجلساتهم المحتشدة بالنّاس، والتي يشهدها أيضاً أهل السماوات.
[23]- وقد بدأوا الحديث عن أعمالهم الصّالحة.
[24]- وشرعوا بمحاسبة أنفسهم قبل أن يحاسبهم أحد.
[25]- وحمّلوا أنفسهم أوزار وأثقال أعمالهم التي قصّروا فيها.
[26]- فوجدوها ثقيلة عليهم، وضعفوا عن متابعة حملها، فطلبوا إلى الله المغفرة كي يخلصهم منها.
[27]- صوت الباكي بحرقة.
[28]- علا النحيب فيما بينهم، والنحيب هو البكاء بصوت عالٍ.
[29]- يصيحون.
[30]- عندما تتخيلهم كذلك، سوف تراهم للهدى أعلاماً، العلم هو الشخص المرموق الذي تشير إليه الناس.
[31]- ينيرون الظلام بأنوارهم.
[32]- مسّتهم، وتناوبت على التبرّك بهم.
[33]- مقاعد الكرامة في الآخرة.
[34]- الله سبحانه وتعالى يراهم فيه، ويرضى على حسن مقامهم وتكريمهم.
[35]- رضي عن أعمالهم.
[36]- يشعرون بإحساس المغفرة من الله سبحانه وتعالى.
[37]- يرهنون أنفسهم إلى فقرهم لخالقهم.
[38]- قد أسرهم التذلل إلى عظمته.
[39]- جرهم الحزن من الشوق إلى الله.
[40]- لا يضيق عنده متسع. وهي دليل على عظمة وقدرة وكرم الله.
[41]- حاسب نفسك بنفسك.
[42]- ودع عنك حساب غيرك، فإن لغيرك من يحسابه.
[43]- نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ٢١١.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى