يقول الامام علي (عليه السلام):
"لا يستقيم قضاء الحوائج إلَّا بثلاث: باستصغارها لتعظم، وباستكتامها لتظهر، وبتعجيلها لتهنأ"([1]).
في أعظم بلاغة، وأفصح بيان، يدّلنا أمير المؤمنين (عليه السلام)، على أفضل وأكمل أسلوبٍ نقوم به بقضاء حوائج النّاس، فالعكس في هذه الثلاث التي ذكرها، يعطيك ما تطمح إليه من نتائج، فاستصغارها لتعظم، أي عدم تكبير العناء لتنفيذها، وعدم المنّ بها على من قدّمت لهم هذه الحاجة، فإنّك كلّما أظهرت لمن قضيت حاجته بأنّ ذلك عملٌ صغير ليس فيه عناء، كبر عملك بنظره، بينما عندما تريه أنّك أجهدت بذلك، أو تكلّفت ما ليس لك طاقة به، فإنّ عملك يفسد.
وباستكتامها لتظهر، فكلّما كتمت مساهمتك في قضاء حاجة النّاس أظهرها الله لك، وحصلت من حيث لا تدري على المديح اللائق لك، والثواب العظيم، من غير إفساد عملك بكثرة الحديث عنه، والتطبيل والتزمير بهذا العمل الذي قمت به.
وبتعجيلها لتهنأ، أي عدم المماطلة والإبطاء بها، إذ طالما أنّك جاهز لأداء الخدمة فلا تؤخّرها، ولا تترك النّاس على أعصابها تنتظر عطاءك، فإنّك بذلك تُذهب ثوابك، وتُفسد عملك.
بالمقابل حذر الامام علي (عليه السلام)، من أن يكون طلب الحاجة مرهون بشرار الخلق، لأنهم إذا صنعوا لك فضيلةً، منّوا به، وأفسدوا متعتك به، حتّى إذا امتنعوا، فالأمر لا ينتهي عند هذا الحدّ، بل إنّهم يعيبون على الشخص الذي جاء بطلب الحاجة إليهم. قال الإمام علي (عليه السلام):
"اللهم لا تجعل بي حاجة إلى أحد من شرار خلقك، وما جعلت بي من حاجة، فاجعلها إلى أحسنهم وجها، وأسخاهم بها نفسا، وأطلقهم بها لسانا، وأقلهم عليّ بها مناً"([2]).
وذكر الامام علي (عليه السلام)، مسألةً مهمّة في قضيّة قضاء الحوائج، فأحياناً تبقى طلباتنا من الله معلّقة الإجابة، إلى حين نقضي حوائج خلقه، إذاً، إذا شعرت أن دعاءك لا يُستجاب، فانظر أيّ حاجات الخلق معلّقة لديك؟ وسارع إلى قضاءها، فإنّ ذلك يسرّع في إجابة الله لطلبك:
"وكان قضاء الحوائج سببا لإجابة الدعاء"([3]).
فالعبد الصالح ذو مروءة، وذو معونة، لا يتنطّع على خلق الله، ولا يُبدي الورع والتقوى أمامهم، فإذا طُلبت منه حاجة تأخر عن تلبيتها للنّاس.
وهناك من يحتجّ بأنّ الشخص طالب الحاجة لا يستحق، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله، قطع الطريق على هؤلاء بوصيّته لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فيما رواه ابن أبي الدّنيا:
"يا علي، وإن امرؤ سألك حاجة فأقضها فإن لم يكن لها أهلا كنت أنت لها أهلا"([4]).
[1]- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧١ - الصفحة ٣١٨.
[2]- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٥ - الصفحة ٥٦.
[3]- موسوعة الامام العسكري (عليه السلام) للشيخ الخزعلي، ج 4 – ص 185.
[4]- سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي: ج 11 / ص 298.