بعد أن أخذت السياسة طريقها في الاستقلال عن الدين شيئا فشيئا، صور الامام علي (عليه السلام) واقع المتهافتين على السلطة تصويراً دقيقاً وصنفهم إلى أربعة أصناف:
ـ الصنف الأول: هو المتقاعس عن طلب السلطان لا لشيء، إلا لشعوره بحقارة نفسه وضعفه عن مقارعة المتنافسين حيث يقول «لا يمنعه من الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه وكلالة حده ونضيض وفره»([1]).
ـ الصنف الثاني: المتمثل في الإنسان الحاقد الذي يبتغي للشر أية وسيلة، وتحكيم السيف من أجل التسلط فهو «المعلن بشره المجلب بخيله ورجله قد أشرط نفسه وأوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقتب يقوده أو منبر يقرعه».
ـ الصنف الثالث: هو المنافق الذي يظهر خلاف ما يبطن، برفع الشعارات البراقة واتخاذ الدين وسيلة للوصول إلى السلطة، «قد طامن من شخصه وقارب من خطوه، وشمر عن ثوبه، وزخرف من نفسه الأمانة، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية»([2]).
ـ الصنف الرابع: هو الذي اقعده عن طلب السلطة اقتناعه الداخلي بأنه ليس أهلاً لها وتزيا بزي الزهاد، فهو الذي «أبعده عن طلب الملك ضُؤولة نفسه، وانقطاع سببه، فقصرته الحال عن حاله فتخلى باسم القناعة وتزين بلباس أهل الزهادة، وليس من ذلك في مراح ولا مغدى»([3]).
فالسلطة في عرف الفئات الأربع مطمع دنيوي لا يمت للدين بصلة، وبسبب نجوم تلك الفئات المتسلقة تحول عامة الناس إلى «خائف مقموع، وساكت مكعوم، وداع مخلص، وثكلان موجع، قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة فهم في بحر أجاج، أفواههم ضامرة، وقلوبهم قرحة، قد وعظوا حتى ملوا، وقهروا حتى ذلوا، وقتلوا حتى قلوا»([4]).
فكما يبدو من هذا التصنيف للفئات الأربع المتسلقة، فإن الدين والسلطة ليسا خطين متوازيين، بل إنهما خطان متداخلان يشكل الدين فيهما أساس التداخل لعلاقة السلطة بالدين حسبما يتبين في فكر الامام علي (ع).
[1]- شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢ - الصفحة ١٧٤.