الاخلاق وتمجيد رب العزة في كلام الامام علي (ع)

2023.08.17 - 02:07
Facebook Share
طباعة

 قال الامام علي (ع):

 
«فَلَسْنَا نَعْلَمُ كُنْهَ عَظَمَتِكَ إِلاَّ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ: حَيٌّ قَيُّومٌ، لاَ تَأْخُذُكَ سِنَةٌ، وَلاَ نَوْمٌ، لَمْ يَنْتَهِ إِلَيْكَ نَظَرٌ، وَلَمْ يُدْرِكْكَ بَصَرٌ، أَدْرَكْتَ الاْبْصَارَ، وَأَحْصَيْتَ الاْعْمَالَ، وَأَخَذْتَ بِالنَّواصِي وَالاْقْدَامِ، وَمَا الَّذِي نَرَى مِنْ خَلْقِكَ، وَنَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِكَ، وَنَصِفُهُ مِنْ عَظِيمِ سُلْطَانِكَ، وَمَا تَغَيَّبَ عَنَّا مِنْهُ، وَقَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ، وَانْتَهَتْ عُقُولُنَا دُونَهُ، وَحَالَتْ سَوَاتِرُ الْغُيُوبِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ أَعْظَمُ، فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ، وَأَعْمَلَ فِكْرَهُ، لِيَعْلَمَ كَيْفَ أَقَمْتَ عَرْشَكَ، وَكَيْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَكَ، وَكَيْفَ عَلَّقْتَ فِي الْهَوَاءِ سمَـاوَاتِكَ، وَكَيْفَ مَدَدْتَ عَلى مَوْرِ المَاءِ أَرْضَكَ، رَجَعَ طَرْفُهُ حَسِيراً، وَعَقْلُهُ مَبْهُوراً، وَسَمْعُهُ وَالَهِاً، وَفِكْرُهُ حَائِراً»([1]).
يشير الإمام علي (عليه السلام) بكلماته البليغة، على عظمة الخالق، في تناصٍ مع ما ورد في كتاب الله العزيز ممعناً في إجلاله سبحانه وتعالى، بأسلوب معجزٍ حيّر الأدباء والعلماء وأصحاب الاختصاصات اللغويّة، يستعير من آية الكرسي ما وصف الله به نفسه، من أنّه الحيّ، الذي يحيا بقدرته كلّ شيء حيّ، وأنّه القيّوم الذي هو المسيّر لكل أمر في السموات والأرض، وهو المرجع الأعلى، قال تعالى: ﴿الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم([2]).
ثمّ يشير عليه السلام إلى احتجاب الخالق سبحانه وتعالى عن أبصار خلقه، لا لعلة عدم الوجود، وإنمّا هو الموجود في كلّ وجود، وهو القائم على كلّ نفس، وإنّما لكونه لا يُحد بحد، ولا يمكن أن يقع عليه شعاع البصر، يقول الله تعالى: ﴿لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار([3]).
الله محصي أعمال خلقه، فهو لم يخلقهم عبثاً، بل أوجدهم لامتحانٍ عليهم تخطّيهم، كي يكونوا جديرين بالخلود، قال الله تعالى: ﴿أمّن هو قائم على كلّ نفسٍ بما كسبت([4])، فمن كان في هذه الدنيا مقصّراً، وأهدر فرصته، فله طريقة تعامل شديدة، ليس فيها لين ولا رفق، قال الله تعالى: ﴿فيؤخذ بالنواصي والأقدام([5]).
ثمّ يدعونا أمير المؤمنين (عليه السلام)، إلى التفكّر في الخلق، فحسب ذلك دليلاً على وجوده سبحانه وتعالى:
﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إلى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ([6]).
ثمّ يوجّهنا (عليه السلام)، إلى خلق السموات والأرض، والمعاجز التي لا تنتهي في خلقها وإيجادها، واستمرارها، قال الله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا إلى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ([7]).
فإذا شرّحنا خطب الإمام (عليه السلام)، نرى أنّه تشرّب كتاب الله في قلبه وفكره، حتّى سرى بياناً على لسانه، وكسف لا، وهو كاتب الوحي، وأمين رسول الله على وحي الله، قد حفه في قلبه، ونطق به صغيراً، وحارب حتّى أرسى بيانه فتىً، وحورب على تأويله وهو خليفة للمسلمين.


[1]- نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ٥٥.
[2]- سورة البقرة: الآية 255.
[3]- سورة الأنعام: الآية 103.
[4]- سورة الرّعد: الآية 33.
[5] سورة الرحمن: الآية 41.
[6]- سورة الغاشية: الآية 17.
[7]- سورة ق: الآية 6.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى