خاصية العلم في كلام الامام علي (ع)

2023.07.23 - 09:07
Facebook Share
طباعة

 لا غرابة إذا ما اختص كلام الإمام علي عليه السلام بالعلم لأنه باب مدينة العلم، والأذن الواعية، لذلك نراه قد سبر أغوار العلم، مثلما سبر أغوار المعارف الإنسانية الأخرى، وهو الذي يقول:

"بل اندمجتُ (أي: انطويتُ) على مكنون علم لو بُحتُ به لاضطربتم اضطراب الأرشية (الحبال) من الطويِّ البعيدة (أي: البئر العميق)"([1]).
ويخبرهم بما سيلقون في المستقبل مما لا يعرفون، فيقول عليه السلام:
"والذي بعثه بالحق لتُبليُنَّ (من البلية) ببلبلةٍ ولتُغربلُنَّ غربلةً ولتُساطنَّ سوط القدر (أي: خلط ما في القدر فينقلب أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها عند الغلي)، حتى يعود أسفلكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم، وليسبقنَّ سابقون كانوا قصروا، وليُقصّرنَّ سابقون كانوا سبقوا. والله ما كتمت وشمة (كلمة) وكذبت كذبة، ولقد نُبِئتُ بهذا المقام وهذا اليوم"([2]).
وذم - عليه السلام - اختلاف العلماء في الفتيا بقوله:
"ترد على أحدكم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم (أي الذي ولاَّهم القضاء) فيُصوِّب آراءهم - وإلههم واحد! ونبيهم واحد! وكتابهم واحد! فأمرهم الله - سبحانه - بالاختلاف فأطاعوه! أم نهاهم عنه فعصوه؟"([3]).
وتناول أدعياء العلم من الجهلة بقوله عليه السلام:
"وآخر تسمى عالماً وليس به، فاقتبس جهائل من جُهّال، وأضاليل من ضلاّل، ونصب للناس أشراكاً من حبائل غرور، وقول زور، قد حمل الكتاب على آرائه، وعطف الحق على أهوائه، يؤمّن الناس من العظائم، ويهوِّن كبير الجرائم، يقول: أقف عند الشبهات، وفيها وَقَع؛ ويقول: أعتزل البدع، بينها اضطجع، فالصورة إنسان والقلب قلب حيوان، لا يعرف باب الهدى فيتبعه، ولا باب العمى فيصد عنه، وذلك ميت الأحياء"([4]).
ويعكس الصورة عليه السلام فيتحدث عن أولئك الذين اتخذوا من العلم قوتهم اليومي حتى رسخوا فيه، فيقول عليه السلام:
"وأعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السُّدَد (الحجب) المضروبة دون الغيوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب. فمدح الله تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً وسمّى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا"([5]).
وعرَّف العالم تعريفاً بسيطاً وموجزاً فقال عليه السلام:
"العالم من عرف قدره"([6]).
ودعا إلى امتياح العلم والتسلح به فقال عليه السلام:
"فبادروا العلم من غير تصويح (تجفيف) نبته، ومن قبل أن تشغلوا بأنفسكم عن مستثار (ظهور) العلم من عند أهله"([7]).
وتحدث عن العالِم الذي يخالف علمه في انعكاساته السلوكية في تطبيقاته العملية، فقال عليه السلام:
"وان العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجة عليه أعظم، والحسرة له ألزم، وهو عند الله ألوَم"([8]).
وأخبر أصحابه - عليه السلام- بمقدار علمه فقال:
"ولو تعلمون ما أعلم مما طوي عنكم غيبه، إذن لخرجتم إلى الصُعُدات (الطرق) تبكون على أعمالكم وتلتدمون (تضربون وجوهكم كالنساء) على أنفسكم ولتركتم أموالكم لا حارس لها ولا خالف عليها"([9]).
وبيّن - عليه السلام- أهمية العلم في حياة الإنسان لدفع حضارته إلى أمام فقال:
"لا تُفتح الخيرات إلا بمفاتيحه، ولا تُكشَف الظلمات إلا بمصابيحه، قد أحمى حماه، وأرعى مرعاه، فيه شفاء المستشفي، وكفاية المكتفي"([10]).
وأوضح - عليه السلام - إن العلم يهدي إلى الطريق الأقوم فقال:
"العامل بغير علم كالسائر على غير طريق، والعامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح"([11]).
وكان - عليه السلام- يدعو الناس أن يسألوه عن طرق السماء فإنه أعلم بها من طرق الأرض بقوله:
"سلوني قبل أن تفقدوني، فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض"([12]).
وعلامة المتقي عنده - عليه السلام- أن له:
"حرصاً في علم، وعلماً في حلم.. يُخرج الحلم بالعلم، والقول بالعمل"([13]).
وعن الذين أودعوا العلم ليحفظوه، قال عليه السلام:
"واعلموا إن عباد الله المستحفظين علمه، يصونون مصونه، ويفجرون عيونه"([14]).


[1]نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٤١.
[2] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١ - الصفحة ٢٧٢.
[3] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١ - الصفحة ٢٨٨.
[4]شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٦ - الصفحة ٣٧٢.
[5] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ١٦٢.
[6] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٧ - الصفحة ١٠٨.
[7] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٠٢.
[8] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١٦.
[9] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٩ - الصفحة ٢٨٨.
[10] أعلام الدين في صفات المؤمنين – الديلمي - ج1 ص64
[11] العلم والحكمة في الكتاب والسنة - محمد الريشهري - الصفحة ٥٧.
[12] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ - الصفحة ١٢١٨.
[13] المؤمن ج1 ص70 - (شرح حديث) - جامع الأحاديث.
[14] نهج البلاغة – خطب الإمام علي – ج 2 – الصفحة 195.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى