فهم النص القرآني في كلام الامام علي (ع)

2023.07.23 - 09:07
Facebook Share
طباعة

 ترتبط الدلالة بالسياق الأسلوبي؛ لأنَّ الدلالة نتاج أساليب القول، وعليه فإنَّ من يتصدى إلى فهم معاني القرآن الكريم، لا بد له أن يكون مطلعاً على خصائصه اللغوية والسياقية والفنية التي تتشابك معاً في النص القرآني، حتى كان معجزة تحدى الله تعالى بها العرب.

 فكما هو معلوم أنَّ القرآن الكريم نزل بلسان العرب وتحدث بحديثهم وعالج قضاياهم وعبَّر بلغتهم قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَّشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}([1]).
وقد تميّز القرآن الكريم في خطابه وبيانه، وإرشاده وبلاغته، بتراكيب معيّنة، وعبارات خاصّة تتطلب فهماً واسعاً من المفسِّر، فقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام): "وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص"([2]).
وكذلك وصف القرآن الكريم: "وكتاب الله بين أظهركم ناطق لا يعيى لسانه، وبيت لا تهدم أركانه، وعز لا تهزم أعوانه"([3]).
إذ يتبين هنا من كلامه عليه السلام، "وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصّدور. وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص"([4])، وكذلك قوله (عليه السلام): "ناطق لا يعيا لسانه"([5])، أنَّ القرآن الكريم يتميّز بأساليب عالية المضامين راقية الأداء، وعليه ينبغي على المفسّر أن يكون بمستوى عال من الإحاطة بهذه الأساليب، التي حاول تَتَبعها العلماء قديماً وحديثاً، إذْ إنَّ وقوف المفسّر على هذه التعبيرات، وهذه الخصائص يساعده على فهم دقيق لما يعرض له من آيات بينات.
ومن الأمثلة على ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: عند تلاوتة {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَريمِ}([6])، إذ قال: "أَدْحَضُ مسؤول حُجَّةً([7])، وَأَقْطَعُ مُغْتَرٍّ مَعْذِرَةً([8])، لَقَدْ أَبْرَحَ جَهَالَةً بِنَفْسِهِ([9]) يَا أَيُّهَا اَلْإِنْسَانُ مَا جَرَّأَكَ عَلَى ذَنْبِكَ([10]) وَمَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ([11]) ومَا أَنَّسَكَ بِهَلَكَةِ نَفْسِكَ([12]) أَمَا مِنْ دَائِكَ بُلُولٌ([13]) أَمْ لَيْسَ مِنْ نَوْمِكَ يَقَظَةٌ([14]) أَمَا تَرْحَمُ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَرْحَمُ مِنْ غَيْرِكَ([15])"([16]).
قال أبن أبي الحديد المعتزلي، في معرض شرحه لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "لقائل أنْ يقول: لو قال: ما غرك بربك العزيز أو المنتقم أو نحو ذلك لكان أولى للإنسان المعاتب أنْ يقول: غرني كرمك الذي وصفت به نفسك"([17]).
وهذا الفهم العميق، والتدبّر المتناهي الدّقة في التعامل مع آيات القرآ، الكريم، لا يأتي إلا من خلال معرفة معهود الخطاب القرآني، وفهم دلالاته، التي يجب أنْ تكون في حساب كل مفسر يروم مقاصد القرآن الكريم، وسبر أغواره والكشف عن مداليله.


[1] سورة إبراهيم: الآية 4.
[2] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١٦.
[3] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ١٦.
[4] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢١٦.
[5] بحار الأنوار ج89 ص32.
[6] سورة الانفطار: الآية 6.
[7] أضعف متهمٍ دفاعاً عن نفسه، فماذا يمكن أن يجيب؟
[8] أحوج مغرورٍ للمعذرة.
[9] ما أجهله وهو يضرّ نفسه على تلك الشاكلة.
[10] كيف تجرأت على اقتراف ذنب في حضرة الله؟
[11] وكيف تحديّت الخالق العظيم؟
[12] وكيف استراحت نفسك وأنت تهلكها؟
[13] هل أصبت بداءٍ لا برء منه؟ ويقصد الجهل في تلك اللحظة التي اقترفت بها ذنبك.
[14] أم هل كنت نائماً لا أمل في يقظتك؟
[15] لو أنّك ساعة ارتكابك للذنب رحمت نفسك كما ترحم غيرك.
[16] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١١ - الصفحة ٢٣٨.
[17] المرجع السابق ص 240.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى