أدب الاعتذار في كلام الامام علي (عليه السلام)

2023.07.23 - 09:06
Facebook Share
طباعة

 إن الاعتذار هو التصرّف الذي يقوم به الفرد للتعبير عن الندم على ما فعله، أو على كلام سيء قاله، أو قام بتصرفٍ غير لائق اتجاه أحد الأشخاص، أو ارتكاب حرام، أو انحراف عن خطٍّ عقائديّ، حيث انه يأمل من اعتذاره حصوله على المسامحة من الآخرين، ليتخفّف من ثقل الإحساس والشعور بالذنب الذي فعله، وإن للاعتذار اساليب خاصة يقوم بها الشخص للتعبير عن ندمه الى الشخص المقابل، عن طريق الاقرار، والاعتراف بذنبه، قال الامام علي(عليه السلام) : (الاقرار اعتذار)([1])، وفي قولٍ آخر له (عليه السلام): "رب جرم أغنى عن الاعتذار عنه الاقرار به"([2]). يشير الامام (عليه السلام)، في قوله إلى مسألة هامّة، فقد يكون الاعتذار أحياناً ثقيلاً على بعض ذوي النّفوس التي يغلب عليها مسة من التكبّر، فيهديهم الإمام بحكمته إلى أن الاعتراف دليل الندم، فإنّ اعترافه يدل على أنّه غير مصرٍ على فعله، وأنّ ما فعله أمر معيب وقبيح، وهذا يغني عن الاعتذار أو يقوم مقامه. ومن باب المخافة لقوله عليه السلام، فإن الانكار يكون إصراراً على الفعل، وزيادة في الخطأ.

 بل أشار الامام (عليه السلام) الى أكثر من ذلك، حيث قال: "الاستغناء عن العذر أعز من الصدق به"([3])، فإنه يوجّه المرء الذي يملك عزّة نفس، إلى أن يحسب أفعاله قبل أن يضطّره خطأ ما إلى تقديم اعتذار لمن وقع الخطأ عليه، فإنّ في ذلك ذل نفس أمام من تعتذر إليه بالتأكيد، إذاً استغنِ عن العذر بمنع نفسك من الخطأ، إذ مهما تكن صادقاً في اعتذارك، فإنّ هذا لا يحلّك من تبعات خطأك.
في المقابل، يؤكد الامام (عليه السلام) على وجوب قبول العذر، إذ يقول:
"اقبل عذر أخيك، وضع أمره على أحسنه تجد له في الخير محملا"([4])، ويقول أيضاً: "لا تصرم أخاك على ارتياب وتقطعه دون استعتاب، لعل له عذراً وأنت تلوم به، اقبل من متنصل عذراً، صادقاً كان أم كاذباً، فتنالك الشفاعة"([5]). فذاك الذي يجعل نفسه فوق الناس، ويعتبر أنّ خطأك بحقّه غير قابل للمغفرة، يخرج عن الفطرة البشريّة، فكلّ ابن آدم خطّاء، وجلّ من لا يُخطئ، لذلك على الإنسان العاقل الحكيم المؤمن، أن يقبل اعتذار أخيه، وفي هذا يقول الله تعالى: {ألا تحبّون أن يغفر الله لكم}([6])، أي إذا كنتم تحبون ذلك فاغفروا للناس يغفر الله لكم. وفي هذا الصدد يؤكّد أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنّ اعتذار أخيك منك هو إهدار لكرامته أمامك، فإيّاك أن تقابل ذلك بالنّكران والصدّ، لذلك، ولصون كرامتك، عليك أن تحجم عن الاعتذار إلى من لا يفيدك الاعتذار منه، وعليك أن تبحث عن وسائل أخرى تجبر فيها الضرر الذي تسببت به، يقول أمير المؤمنين: "لا تعتذر إلى من يحب أن لا يجد لك عذرا"([7]).
ويفصل الامام علي (عليه السلام) الكلام بخصوص أهميّة الاعتذار، وعدم استحباب اهداره في غير موضعه، فالاعتذار إن لم يكن واجباً، فهو ذنب، إذ يقول: "من اعتذر من غير ذنب فقد أوجب على نفسه الذنب"([8])، فالاعتذار ليس هذراً، وليس للتسليّة والتندّر، بل هو آليّة اجتماعيّة لإعادة الألفة بين الأهل والأحباب، ليس علينا إهدارها في غير مواضعها البيّنة الواضحة، لذلك تراه يؤكّد فيقول لمن سبق له واعتذر، وتمّ قبول اعتذاره، أو رفضه: "إعادة الاعتذار تذكير بالذنب"([9])، إذاً فالاعتذار مرّة واحدة عن الذنب، لا يجوز تكرارها، وإلا فإنّك تفرغ الاعتذار من مضمونه، وتحوّله إلى مجرّد إهذار لكرامتك، وتذكير مجّاني بأخطائك تجاه النّاس.
 


[1] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ١٨٦٠.
[2] مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج ١٢ - الصفحة ١١٦.
[3] 335 - شرح نهج البلاغة ج19 ـ ابن أبي الحديد.
[4] جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج ١٦ - الصفحة ٣٤٥.
[5] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ١٨٥٩.
[6] سورة النور: الآية 22.
[7] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ١٨٦١.
[9] المرجع السابق.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى