شهود الأعمال في كلام الإمام علي (ع)

2023.07.18 - 04:14
Facebook Share
طباعة

 قال عليه السلام:

«اعْلَمُوا، عِبَادَ اللهِ، أَنَّ عَلَيْكُمْ رَصَداً مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَعُيُوناً مِنْ جَوَارِحِكُمْ، وَحُفَّاظَ صِدْق يَحْفَظُونَ أَعْمَالَكُمْ، وَعَدَدَ أَنْفَاسِكُمْ، لاَ تَسْتُرُكُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَةُ لَيْل دَاج، وَلاَ يُكِنُّكُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُو رِتَاج([1])».
«فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِعَيْنِهِ، وَنَوَاصِيكُمْ بِيَدِهِ، وَتَقَلُّبُكُمْ فِي قَبْضَتِهِ، إِن أَسْرَرْتُمْ عَلِمَهُ، وَإِن أَعْلَنْتُمْ كَتَبَهُ، قَدْ وَكَّلَ بِذلِكَ حَفَظَةً كِرَاماً، لاَ يُسْقِطُونَ حَقّاً، وَلاَ يُثْبِتُونَ بَاطِلاً([2])». ..
يريد الامام علي أن يخبر أصحابه ومواليه أنّ الله سيحانه وتعالى قد قرن حريّة الاختيار التي لدى الإنسان بأساليب رقابيّة تسجّل عليه جميع حركاته وسكاناته، فعلى الإنسان أن يعلم بأن الله -جلّت قدرته- بيده أزمّة الأمور، ومحيط بكل شيء، ولا يغيب عنه دقيق، ولا تخفى عليه خافية، وكفى به عالمًا وحاسباً. لذلك أقام على من هم في قبضته، ونواصيهم بيده، وتصرفهم برعايته، شهودًا ورقباء، وكتابًا وحسّاباً، من ذوات أنفسهم، كالسمع والبصر والجلد والجوارح، يقول الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}([3])، ومن غيرهم كالكرتم الكاتبين، والكل يرصد ويدّون ويسجل ما يجري أمامه، لا فرق لديه بين سر، أوعلن، فلا أبواب ولا حجّاب، ولا غلط ولا شطط، ولا إهمال ولا إغفال ولا محاباة، ولا إجحاف بل هو الحق والصدق وعين الواقع.
يتمثل في إقامة أولئكم الرصد -وهم ذوو عدد- أمران جليلان: القدرة الجامعة، والحكمة البالغة.
فسبحان الخالق القادر الذي أبدع ما خلق، وأودع فيه ما أراد، فخلق خلقاً من عالم آخر، موكلًا بخلق ٍ آخر، يحصى عليه ما يقول، وما يفعل، بل وما أسر وأخفى، لا يصده عن ذلك حاجز، ولا يقف دونه مانع.
كما أقام على الإنسان رصدًا من نفسه، فإذا بكل جوارحه تشهد عليه بحق، وتنطق بصدق، ولئن كانت تلكم الجوارح متروكة في الحياة الدنيا رهن مشيئة صاحبها لتُتمّ أفعالها، فهي في الآخرة تمتثل لإرادة خالقها، لتفصح طائعةً، وتعلن جهارًا، استجابة لمن خلقها، وأقدرها على رصد وتخزين الأعمال وحفظها والإدلاء بها، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}([4]).
وإنها لحكمة بالغة، كما أنّها حجة دامغة، تعمّق في فكر الإنسان ووجدانه، حضور الله سبحانه وتعالى، وأن الله محيط بكل ما يختصّ بحياته، وقد وظـّف ملائكته لذلك، بل وأقام للإنسان على نفسه عيناً ناظرة وأذاناً سامعة وقوة محيطة نافذة، {بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره}([5])، فذلك أدعى لكبح الجماح، وحفظ الانضباط ودوام الاستقامة. السلام عليك يا مولاي يا أمير المؤمنين، فقد كنت صنو القرآن، تنطق بآياته، وتعلمنا محكمه، وتنذرنا وعيد الله، وتقرّب لنا جنّته، وتبعدنا عن جحيمه.

 


[1] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٩ - الصفحة ٢١٠.
[2] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ١١٢.
[3] سورة يس: الآية 65.
[4] سورة فصلّت: الآية 21.
[5] سورة القيامة: الآية 14.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى