خطبة رقم (183) للامام علي (ع): في قدرة الله وفي فضل القرآن

2023.07.18 - 04:12
Facebook Share
طباعة

 قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

"الْحَمْدُ لله الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَة، وَالْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَة([1])، خَلَقَ الْخَلاَئِقَ بِقُدْرَتِهِ، وَاسْتَعْبَدَ الاْرْبَابَ بِعِزَّتِهِ، وَسَادَ الْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَسْكَنَ الدُّنْيَا خَلْقَهُ، وَبَعَثَ إِلَى الْجِنِّ وَالاْنْسِ رُسُلَهُ، لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ غِطَائِهَا([2])، وَلِيُحَذِّرُوهُمْ مِنْ ضَرَّائِهَا([3])، وَلِيَضْرِبُوا لَهُمْ أَمْثَالَهَا، وَلِيُبَصِّرُوهُم عُيُوبَهَا، وَلِيَهْجُمُوا([4]) عَلَيْهِمْ بِمُعْتَبَر([5]) مِنْ تَصَرُّفِ([6]) مَصَاحِّهَا وَأَسْقَامِهَا([7])، وَحَلاَلِهَا وحَرَامِهَا، وَمَا أَعَدَّ سُبْحَانَهُ لِلْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ وَالْعُصَاةِ مِنْ جَنَّة وَنَار، وَكَرَامَة وَهَوَان. أَحْمَدُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا اسْتَحْمَدَ([8]) إِلَى خَلْقِهِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْء قَدْراً([9])، وَلِكُلِّ قَدْر أجَلاً([10])، وَلِكُلِّ أَجَل كِتَاباً([11])"([12]).
وجاء فيها ذكر القرآن الكريم:
"فالْقُرآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ([13])، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ([14])، حُجَّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِيثاقَهُ([15])، وَارْتَهَنَ عَلَيْهِ أَنْفُسَهُمْ([16])، أَتَمَّ نُورَهُ([17])، وَأكْرَمَ بِهِ دِينَهُ، وَقَبَضَ نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وآله) وَقَدْ فَرَغَ إِلَى الْخَلْقِ مِنْ أَحكَامِ الْهُدَى بِهِ. فَعَظِّمُوا مِنهُ سُبْحَانَهُ مَا عَظَّمَ مِنْ نَفْسِهِ([18])، فَإِنَّهُ لَمْ يُخْفِ عَنْكُمْ شَيئاً مِنْ دِينِهِ، وَلَمْ يَتْرُكْ شَيئاً رَضِيَهُ أَوْ كَرِهَهُ إِلاَّ وَجَعَلَ لَهُ عَلَماً بَادِياً([19])، وَآيَةً مُحْكَمَةً، تَزْجُرُ عَنْهُ، أَوْ تَدْعُو إِلَيْهِ، فَرِضَاهُ فِيَما بَقِيَ وَاحِدٌ، وَسَخَطُهُ فِيَما بَقِيَ وَاحِدٌ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرْضَى عَنْكُمْ بِشَيء سَخِطَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُم([20])، وَلَنْ يَسْخَطَ عَلَيْكُمْ بِشَيء رَضِيَهُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ([21])، وَإِنَّمَا تَسِيرُونَ فِي أَثَر بَيِّن([22])، وَتَتَكَلَّمُونَ بِرَجْعِ قَول قَدْ قَالَهُ الرِّجَالُ مِنْ قَبْلِكُمْ([23])، قَدْ كَفَاكُمْ مَؤُونَةَ دُنْيَاكُمْ([24])، وَحَثَّكُمْ عَلَى الشُّكْرِ([25])، وَافْتَرَضَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ الذِّكْرَ([26])"([27]).


[1] تعب ونصب.
[2] ليجلّوا حقيقتها، ويكشفوا أستارها.
[3] أضرارها.
[4] ليواجهوهم.
[5] بكلام فيه العبر والنصيحة.
[6] تغيّر وتبدّل.
[7] حالات العافية والمرض فيها.
[8] كما طلب الحمد من خلقه، فهو أقدر على حمد نفسه من العبد فالعبد مهما بلغ من الحمد لا يوفي الخالق حقه.
[9] كلّ شيء له مقدار وكميّة تفي بالمطلوب، والإشارة هنا إلى القوانين التي تعطي كلّ شيء خلقته وتشكيله.
[10] وقت.
[11][11] سجل يدون فيه ما يحصل.
[12] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - الصفحة ١١٠.
[13] يأمر وينهي.
[14] صامت بلا حس، ناطق بكلّ حكمة.
[15] إشارة إلى الآية الكريمة: "ألست بربّكم قالوا بلى".
[16] تلاوة الكتاب ترهن النفس عند الله، وتوجب مرضاته.
[17] إشارة إلى قوله تعالى: "والله يأبى إلا أ، يتمّ نوره ولو كره الكافرون".
[18] عظّموا الله كما عظّم نفسه.
[19] إشارة واضحة.
[20] أي أنّه لن يقبل منكم شيئاً لم يكن يقبله من الأمم الماضية.
[21] ولن يغضب عليكم لأجل شيء قبله من الأمم الماضية، وفي هذا إشارة إلى أنّ حلال الله لا يتغيّر، وحرامه كذلك، عند جميع الأمم والملل والنحل.
[22] تمشون على آثار واضحة، مشتها أمم قبلكم.
[23] وترددون صدى أصوات قالها رجال من قبلكم.
[24] استكفى جميع عباده في هذه الدنيا المؤونة، ففيها ما يكفي الجميع.
[25] وطلب منكم الشكر على النعمة، وشجّعكم عليها، وقال: لئن شكرتم لأزيدنّكم.
[26] فرض الذكر على ألسنة خلقه، ليكون لهم زكاة، وله تعظيما وإجلالاً.
[27] ذات الخطبة، نهج البلاغة – ج 2 – الصفحة 111.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى