من كلام الامام علي (عليه السلام) في عدم طاعة أصحابه له

2023.07.03 - 01:11
Facebook Share
طباعة

 بعد الرّجوع من التحكيم، وانشقاق جيش أمير المؤمنين، علا أصوات المرجفين، المشككين بقرارات أمير المؤمنين (عليه السلام)، يعاتبونه كيف قبل التحكيم، وهو الذي نبههم من خديعة معاوية يومها، فلو أنّهم صبروا على حرب معاوية ليلة أخرى بعد ليلة الهرير لكانت المعركة انتهت، وهزم جيش الشام، واستقرّ الأمر لأمير المؤمنين، لكنّ معاوية استطاع خداعهم، وسرق النّصر من أمير المؤمنين وأصحابه، فوالله ما معاوية بأدهى من أمير المؤمنين، ولكنّ معاوية يكذب، وأمير المؤمنين يصدق، ومعاوية يقتل كل من يتمرّد من أصحابه دون تردد، أنما علي فيخشى الله في أصحابه مما حملهم على التّجرؤ عليه، وأنزلوه مكرهاً على قبول التحكيم.

وقد قام رجل من أصحابه فقال: نهيتنا عن الحكومة ثمّ أمرتنا بها، فما ندري أيّ الامرين أَرشد؟ فصفق (عليه السلام) إحدى يديه على الاخرى ثمّ قال:
"هذا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْعُقْدَةَ([1]) أَمَا وَاللهِ لَوْ أَنِّي حِينَ أَمَرْتُكُمْ بِما أَمَرْتُكُمْ بِهِ حَمَلْتُكُمْ عَلَى الْمَكْرُوهِ([2]) الَّذِي يَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْراً، فَإِنِ اسْتَقَمْتُمْ هَدَيْتُكُمْ([3]وَإِنِ اعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُكُمْ([4]) وَإِنْ أَبَيْتُمْ تَدَارَكْتُكُمْ([5])، لَكَانَتِ الْوُثْقَى([6])، وَلكِنْ بِمَنْ وَإِلَى مَنْ؟ أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ بِكُمْ وَأَنْتُمْ دَائي([7])، كَنَاقِشِ الشَّوْكَةِ بِالشَّوْكَةِ([8])، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا([9]) مَعَهَا! اللَّهُمَّ قَدْ مَلَّتْ أَطِبَّاءُ هذَا الدَّاءِ الدَّوِيِّ([10])، وَكَلَّتِ النَّزْعَةُ([11]) بِأَشْطَانِ الرَّكِيِّ([12]) أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الاِسْلاَمِ فَقَبِلُوهُ؟ وَقَرَأُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ([13])؟ وَهِيجُوا إِلى الْجِهَادِ فَوَلَّهُوا اللِّقَاحَ([14]) أَوْلاَدَهَا، وَسَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا([15])، وَأَخَذُوا بِأَطْرَافِ الاْرْضِ زَحْفاً زَحْفاً وَصَفّاً صَفّاً؟! بَعْضٌ هَلَكَ، وَبَعْصٌ نَجَا. لاَ يُبَشَّرُونَ بِالأحْيَاءِ([16])، وَلاَ يُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتَى([17])، مُرْهُ الْعُيُونِ([18]) مِنَ الْبُكَاءِ، خُمْصُ الْبُطُونِ([19]) مِنَ الصِّيَامِ، ذُبُلُ الشِّفَاهِمِنَ الدُّعَاءِ، صُفْرُ الاْلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ، عَلَى وَجُوهِهمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعيِنَ، أُولئِكَ إِخْوَاني الذَّاهِبُونَ، فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ وَنَعَضَّ الاْيْدِيَ عَلَى فِرَاقِهمْ! إِنَّ الشَّيْطَانَ يُسَنِّي([20]) لَكُمْ طُرُقَهُ، وَيُرِيدُ أَنْ يَحُلَّ دِينَكُمْ عُقْدَةً عُقْدَةً، وَيُعْطِيَكُمْ بَالْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةَ، وَبِالْفُرْقَةِ الْفَتْنَةَ; فَاصْدِفُوا([21]) عَنْ نَزَغَاتِهِ([22]) وَنَفَثَاتِهِ([23])، وَاقْبَلُوا النَّصِيحَةَ مِمَّنْ أَهْدَاهَا إِلَيْكُمْ، وَاعْقِلوهَا([24]) عَلَى أَنْفُسِكُمْ"([25]).


[1] العقدة: أمر الدين الوثيق، وهو العقيدة.
[2] فلو أجبرتكم على ما كرهتموه.
[3] فإن أطعتم وانتصرتم، كنت معكم هادياً.
[4] وإن عصيتم وخرجتم عن الهدى أصلحتكم.
[5] وإن رفضتم صححت خطأكم.
[6] لكانت أوثق وأفضل مما حملتموني عليه من قبول التحكيم.
[7] كيف أداوي بكم وأنتم كنتم الداء.
[8] كمن يريد إخراج شوكة دخلت في جلده بشوكة أخرى.
[9] فإن ضلعها معها، أي أنّه مثلها سيفعل فعلها ويغرز في جلدك.
[10] العضال الشديد.
[11]   تعب المنازع. المنازع هو من يرفع الماء من البئر.
[12] غيابات الجب.
[13] تعلّموا آياته بإحكام.
[14] الإبل التي ولدت حديثاً، أي جعلوها تترك فصائلها وصغارها.
[15] بقيت سيوفهم مشرعة، وهو يشير هنا عليه السلام إلى الفتوحات الإسلامية التي توسعت شرقا وغرباً.
[16] من شدّة شوقهم للقاء الله، لا يبشرّون من بقي منهم حياً.
[17] ولا يعزّون بالموتى، بل يفرحون لهم.
[18] عيونهم منتفخة محمرة.
[19] بطونهم ضامرة.
[20] يسهّل لكم.
[21] أعرضوا وابتعدوا عنه.
[22] نزغ الشيطان: وسوساته.
[23] النّفث: أحد أدوات الشيطان وجنده، قال تعالى: "ومن شر النفاثات في العقد"، أي ينفثون في عزيمة المرء حتّى يعود عما قرره من خير.
[24] طبّقوها تطبيق من وعاها.
[25] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٧ - الصفحة ٢٩١.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى