الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) شعار للعدالة الإنسانيّة بنظر الأمم المتّحدة

2022.02.26 - 12:33
Facebook Share
طباعة

لم يكن الإمام عليّ (عليه السلام) مجرّد شخصيّة تاريخيّة، مرّت سيرتها وانتهت، فتأثّر بها من تأثّر، وجحدها مقامها من جحد. إنّه ظاهرة إنسانيّة تستأهل الدّراسة بغية التعميم وأخذ العبر، إنّها تراث إنسانيّ كامل، يؤرّخ لبداية عصر التنوير، إذ من الخطأ القول أنّ بداية عصر التنوير كانت في النصف الثاني من القرن السابع عشر، فكلّ ما تمّ طرحه كمقوّمات لهذا العصر، كان الإمام قد سبق إليها في القرن السابع الميلادي، مسجّلاً أسبيقيّةً فريدة في السلوك، والتوجيه كانت غريبة على عصرها، وبديعةً في تطبيقها. لذلك فإننا نرى اهتمام دول العالم بدراسة هذه الظاهرة في أهمّ تجمّع أممي دولي في العالم أجمع. فقد تولّت لجنة خاصّة في برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي دراسة عهد الإمام عليّ أمير المؤمنين لعامله وتابعه مالك الأشتر حين ولاه على مصر بالتدقيق والتمحيص، للخروج منه بلوائح عرفيّة قانونيّة قديمة وأصيلة تؤكّد عمق حقوق الإنسان في الضمير الإنساني، الأمر الذي كشف للعالم أجمع حقائق كانت مغيّبة عن الإمام العظيم، فهنيئاً لنا بك يا سيّدي يا أمير المؤمنين سيّداً ووليّاً وقائداً وموجّهاً، غدوت القدوة للأمم بما اختزلته في شخصك من قيم إنسانيّة للبشريّة جمعاء.
- الامام علي (ع) رَمْز الحَضَارَةِ القِيَمِيَّةِ:
 نقلاً عن الدكتور صاحب الحكيم[1] سفير السلام العالمي، ومستشار المنظمة العالمية للحوار العقائدي بالأمم المتحدة، وعضو الهيئة التنفيذية لمنظمة العاملين بالصحة وحقوق الإنسان في جنيف. وهي المنظمة العالمية للمدافعين عن حقوق الإنسان بالتعاون مع المجموعة الأوربية (إيرلندا) ويحمل عضويتها؛ إضافةً إلى عضوية الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف): "إن البحث الأممي في تراث أمير المؤمنين (عليه السلام)، كان يتركّز في أمرين:
-  أولهما إصدار كتاب توثيقي عنه عليه السلام، وعن أسبيقيّته فيما يختصّ بإرساء السلام العالمي، لما لمبادئ (حقوق الإنسان) ، من أهميّة كبرى في إرساء السلام العالمي، وهذا ما استقرّ عليه الفقه الدولي الإنساني في الأمم المتّحدة.
 - البحث في المعاني الموسوعيّة لقوله (عليه السلام) لمالك في نصّ العهد: "النّاس صنفان، إمّا أخ لك في الدّين أو نظير لك في الخلق"، وتقرر في آخر الأمر، رسم لوحة كبيرة توثِّق النَّص وترجمتها إلى ثلاث لغات أمميّة، لتعليقها في المقرّات الرئيسيّة للأمم المتّحدة، وتم إطلاق لقب (رائد العدالة الإنسانية والاجتماعية)، على مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).
 
- الأمين العام للأمم المتحدة (كوفي عنان) يستشهد بكلام أمير المؤمنين (عليه السلام):


وكان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، قد افتُتن بعبارة أمير المؤمنين التي ضمنّها عهده لمالك الأشتر: "يا مالك إن الناس؛ إما أخ لك في الدَّين أو نظير لك في الخلق"، وقال أنّ هذه العبارة يجب أن تعلَّق على كلّ المنظمات، وهي عبارة يجب أن تُنشدها البشرية.
بعد أشهرٍ اقترح (كوفي عنان) نفسه؛ أن تكون هناك مداولة قانونية حول كتاب الإمام علي (ع) إلى مالك الأشتر، فتداولته اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، وبعد مداولات ومدارسات طويلة، طُرحت المسألة للتصويت؟ ثمّ وصوَّتت عليه الدول، وتمّ من حيث النتيجة اعتماد عهد أمير المؤمنين لمالك الأشتر، كأحد مصادر التشريع الدولي.
-الإمام علي (ع) رائد العدالة الإنسانية في تقرير أممي:
صدر في العام 2002، تقرير للأمم المتحدة تمّ بموجبه اعتبار الإمام علي (عليه السلام) رائد العدالة الإنسانية والاجتماعية، وقد تضمَّن التقرير مقتطفات من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) الموجودة في نهج البلاغة، التي يوصي بها عمَّاله، وقادة جنده، حيث يذكر التقرير أنَّ هذه الوصايا الرائعة تُعدُّ مفخرة لنشر العدالة، وتطوير المعرفة، واحترام حقوق الإنسان.
والمفارقة العجيبة هي أنّ التقرير شدَّد على أن تأخذ الدُّول العربية والإسلامية بهذه الوصايا في برامجها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية، فالعرب يستوردون الأفكار الغربيّة عن الإنسانيّة والعدالة، ويتركون هذا التراث الغني الثرِّ بأنقى وأرقى المعاني الإنسانية، والمباني القانونية في العالم.
كما تمّ توزيع هذا التقرير على جميع دول الأمم المتحدة، ليستفيدوا منه وما اشتمل عليه من منهجية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في السياسة والحكم، وإدارة البلاد، والمشورة بين الحاكم والمحكوم، ومحاربة الفساد الإداري والمالي، وتحقيق مصالح الناس، وعدم الاعتداء على حقوقهم المشروعة. وفي هذا إرساء لأرقى قواعد الإدارة في السياسة والاقتصاد والعسكر.
لذكر التقرير العالمي على سبيل المثال، شروط الإمام عليّ (ع) للحكم والحاكم الصالح، التي وردت في نهج البلاغة، كقوله (ع): (مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ، وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإِجْلاَلِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ). (نهج البلاغة: ح68)
واقتبس التقرير الدولي أيضاً مقاطع من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) لعامله على مصر مالك الأشتر، التي يؤكد فيها على استصلاح الأراضي والتنمية ويقول: (وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لأَنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً). (نهج البلاغة: ك 53)
كما أورد في التقرير الدولي أساليب الإمام عليّ (عليه السلام) في محاربة الجهل والأمية، وتطوير المعرفة، ومجالسة العلماء، حيث يقول لأحد عماله: (وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الَعُلَمَاءِ، وَمُنَافَثَةَ الْحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ، وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ).
من شروط الحاكم العادل تبعاً لمنهجيّة مولانا أمير المؤمنين، فقد أخذ التقرير الدولي قوله عليه السلام الذي جاء فيه: "ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الأُمُورُ، وَلاَ تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ، وَلاَ يَتَمادَى فِي الزَّلَّةِ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَع، وَلاَ يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقصَاهُ، أَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ، وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الأُمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إطْرَاءٌ، وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، أُولئِكَ قَلِيلٌ. ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ، وافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزيِلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ، وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بِذلَكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ، فَانْظُرْ فِي ذلِكَ نَظَراً بِلِيغاً"، (نهج البلاغة).
يقول أحد الأعلام معلقاً: "ليس غريباً أن تقوم الأمم المتحدة بتكريم شخصية كشخصية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فلقد اطلع هؤلاء وبتجرّد على سيرته العطرة، ووصلوا إلى هذه النتيجة، واتخذوه رمزاً، للعدالة الإنسانية والاجتماعية، وقد أصدرت الأمم المتحدة تقريراً باللغة الإنجليزية في مائة وستين صفحة، أعدَّه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم، تمَّ فيه اتخاذ الإمام عليّ (ع) من قِبَل المجتمع الدَّولي شخصيةً متميزة، ومثلاً أعلى في إشاعة العدالة، والرأي الآخر، واحترام حقوق الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين، وتطوير المعرفة والعلوم، وتأسيس الدولة على أسس التسامح والخير والتعددية، وعدم خنق الحريات العامة.
في الختام، يا حبذا لو عرفت هذه الأمة قيمة ما لديها من كنوز الحكمة، في تراثها العظيم عن رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) لغزت العالم، وسادت وقادت جميع الشعوب والأمم، وظهرت على كل ملَّة من ملل السَّماء والأرض، وما قول رسول الله (ص)، يوصي أمّته باتّباع عليّ (عليه السلام) إلا تأكيداً من الرسول الكريم، على النهج الأقوم الذي ينبغي لأمّة أن تنهجه، غير أننا في وادٍ، ووصايا الرسول في واد، فأين إلى نهوضٍ من سبيل؟


[1]صاحب جواد الحكيم، ناشط حقوقي أممي، طبيب جرّاح، وكاتب وباحث ومحقق عراقي إنكليزي. عضو بارز في منظمة العفو الدوليّة. 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى