قال عليه السلام يرثي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: [البحر الطويل]
يشكو أمير المؤمنين حزنه وبثّه لفراق النبي، فبعد دفن الرّسول (ص) لا سلوى للأحزان، ولا نهاية للأحزان:
أمن بعد تكفين النّبي ودفنه نعيش بآلاءٍ، ونجنحُ للسلوى
لقد أصابتنا الرّزايا والمصائب بك يا رسول الله، ولن ينهي رزيّتنا إلا الموت، فالحياة من بعدك ليس لها طعم أبداً:
رُزئنا رسول الله حقّاً، فلن نرى بذاك عديلاً، ما حيينا من الرّدى
وكيف لا؟ وأنت حصصنا الحصين، وملجأنا من العوادي ونواءب الزمن، نشعر بالأمان كلما نلوذ بشخصك الكريم:
وكنتَ لنا كالحصنِ، من دون أهلهِ له معقلٌ، حرزٌ حريزٌ من العدى
لقد كنّا نرى النّور والهداية من خلال شخصك الكريم يا رسول الله، في كلّ حين، لا فرق بين نهار وليل، فأنت فينا كالشّمس تنير أيامنا:
وكنّا بمرآه نرى النّور والهدى صباح مساء، راح فينا أو اغتدى
أمّا الآن فإننا نرزح تحت ظلامٍ دامس، حتّى نهارٌ مظلمٌ برغم نهار الشّمس، فنور نبوّتك لا شيء يعوّضه أبداً:
لقد غشيتنا ظلمةٌ بعد فقده نهاراً، وقد زادت على ظلمةِ الدّجى
ينادي الإمام عليه السلام حبيبه رسول الله (ص) قائلاً بأنّه خير من حوى القلب والجوارح في جسد إنسان، وحين موتك، ستبقى بعيداً عمّا يحصل للبشر من تغيّرات في أجسادهم، فأنت ستبقى طيّباً زكيّاً كما كنت في حياتك، كذلك ستكون في قبرك:
فيا خير من ضمّ الجوانح والحشا ويا خير ميتٍ ضمّه التربُ والثرى
يشبّه الإمام أمور المسلمين خاصّة والنّاس عامّة بعد غياب الرّسول، بالحياة التي سلكها سيّدنا نوح في سفينته حين الطوفان، فالطوفان هو غياب الرّسول، وليس للنّاس ملجأ غير سفينة حبّ الرّسول للنّجاة:
كأنّ أمور النّاس بعدكَ ضمّنت سفينة نوحٍ حين في البحر قد سما
فهذا الفضاء على رحابته ووسعه، بات ضيّقاً علينا، ونحس فيه بالحجز والاختناق حينما نتذكّر أنّك يا رسول الله لم تعد بيننا:
وضاق فضاء الأرض عنّا برحبهِ لفقد رسول الله إذ قيل قد مضى
أيّ مصيبة نزلت بالمسلمين، إنّ جبل الصّفا العظيم يكاد يتصدّع من الحزن، فكيف بقلوبنا الصغيرة والضعيفة، التي تيّمها حبّ رسول الله (ص):
فقد نزلت بالمسلمين مصيبةٌ كصدع الصّفا، لا شعب للصدعِ في الصّفا
وكيف يتستقلّ لبنّاس ما حلّ بهم؟ وهو عظيم جلل، ولن ينكسر عظمهم الذي ضعف وبدأ بالتكسّر:
فلن يتسقلّ النّاسُ ما حلّ فيهمُ ولم يُجبر العظم الذي منهمُ وهى
وكيف ننساك يا رسول الله، وبلال يذكّرنا ياسمك في كلّ أذان؟
وفي كلّ وقتٍ للصلاة يهيجها بلالٌ ويدعو باسمه كلّما دعى
إنّما أكثر ما يصبّرنا ويبرّد قلوبنا، أنّ النّاس ترث من أمواتها أطياناً، وأعياناً، لكننا آل بيت النّبوّة ورثنا منك النبوّة والهدى، والأنوار التي نفاخر بها على النّاس، والنّاس في شتّى أصقاع الأرض تتبع نهجنا، لأنّه امتداد لنهجك القدسيّ:
ويطلبُ أقوامٌ مواريث هالكٍ وفينا مواريث النّبوّة والهدى