العدالة الاجتماعية في فكر الامام علي (ع) الجزء الأول

2021.07.06 - 07:58
Facebook Share
طباعة

 يشكل كتاب نهج البلاغة أحد أبرز ملامح الشخصية الإبداعيّة والعبقريّة للإمام علي عليه السلام، و هذا الكتاب هو أثمن جهد علمي وثقافي بشري على مرّ الزمان. فليس من  كتاب قد حوى بين دفّتيه كل هذه المعارف في ميادين ومجالات واسعة وشاملة.

 ولا ريب أنّ هذا الكتاب قد تخطّى حدود الزمان والمكان واستطاع أن يتجاوز الرقابات والعصبيات والخصومات الدينية والسياسية ليصبح في متناول الأجيال والعلماء والذين يبحثون عن أسسٍ لعلم وأجوبة لأسئلة ورأي لمسألة، وحكمة لمشكلة، وطريقة لمعاملة، ونصيحة لفئة، وموقف لجماعة، وكلمة حق، ومسلكٍ للإيمان ومسار للإنسان الذي يتخبط في أحابيل الدنيا والأفكار والمشاريع التي تنم عن مصالح متضاربة.
وقد يكون من أعظم ما جاء في هذا الكتاب المفاهيم والمبادىء التي عكست أصالة الإسلام ومسؤوليته فيما يتعلق بتحقيق العدالة الإجتماعية ورفع القيود والأغلال عن الإنسان ليعيش حريته وكرامته ولينتفع من جميع حقوقه التي وهبها الله إياه. وقد ذهب الإمام لوضع الأسس التي تهتم بتطبيق العدالة وإعطائها بعداً عملياً واقعياً، ويوسع من مفهوم الحقوق التي طالت مستويات لم تكن منظورة ومعترفاً بها نتيجة الثقافة الموروثة والعادات القبلية التي قيدت حركة الإنسان وألزمته حدوداً يستكرهها واستبقته في ضيق لم يمكن معه التعبير عما ينبع في الضمائر والوجدانات، وفي الطاقات والمؤهلات. إن الحديث عن مفهوم العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان يرجع في أساسه إلى التشريعات الإلهية التي أرادت لجميع بني البشر أن يكونوا سواء بما الناس فيه سواء. وإلى الغايات والمقاصد الوجودية للإنسان التي لا تتم إلا من خلال ما أسبغه الله على الإنسان من الحقوق
المرتبطة بالعدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية التي أكد عليها الإمام علي عليه السلام في كتابه نهج البلاغة.
أولا: إن الشرعة الحقوقية والمفاهيم المتعلقة بالعدالة الإنسانية بشكل عام والتي روّج لها الامام تستند إلى الوحي (التشريعي الإلهي) بمعنى من المعاني إن الله تبارك وتعالى هو الذي شرع للإنسان حقوقاً تلبي حاجاته ومتطلباته الفطرية والاجتماعية والمعنوية وغير ذلك بما يتوافق مع طبيعة أي مكان وتطور حركة الزمان.
ثانياً: إن هذه الحقوق شاملة لكل الأقوام والأمم والشعوب أي للإنسان أينما وجد ما يرفع عنها تُهمة الجزئية والعنصرية والمناطقية والعصبوية وما إلى ذلك، إذ إن الإسلام في منطلقاته الحقوقية إنما يستهدف الإنسان بمعزل عن أي تصنيف فرضته الظروف الإجتماعية والتاريخية والثقافية والمذهبية.
ثالثاً: أن هذه الحقوق ثابتة ودائمة لا يمكن اختزالها وتغييرها ولا إيقافها لمصالح نابعة عن أهواء الإنسان ورغباته.
رابعاً: إن صيانة هذه الحقوق وتطبيقها يجب أن تؤول إلى أشخاص يتحلّون بالفضائل والورع والمعرفة والبعد عن الهوى.
إن أهمية الأفكار الفلسفية والمبادىء القيمية والقواعد الأخلاقية والمفاهيم الإجتماعية والسياسية والاقتصادية والحقوقية العميقة الغور التي ضمها كتاب نهج البلاغة هي في كونها صادرة من نفس إنسانية بلغت من السمو والكمال والدرجة مراتب عظيمة، كما أن صاحبها لم يطلقها لتبقى مسكونة في دائرة التنظير، بل كان السباق إلى تطبيق كل كلمة كان يقولها على أرض الواقع، لأن مسائل العدالة وحقوق الإنسان لا تحتاج إلى جهد تنظيري فحسب بل إلى جهد تطبيقي أيضاً، خصوصاً أن الإمام يمثل رسالة إلهية سامية تدّعي قدرتها على إسعاد البشر وتحقيق الكرامة والعدالة للإنسان بأرقى أشكالها وصورها، وتدّعي وقوفها إلى جانب المستضعفين والمضطهدين والمظلومين والدفاع عنهم.  وكان يصر على توزيع الأموال بالسوية وإنصاف الناس ضمن موازين دقيقة. يقول عليه السلام لما عوتب في تسويته للعطاء: "أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ! وَاللهِ لاَ أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ، وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً! لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللهِ لَهُمْ. أَلاَ وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ، وَهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَضَعُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَيُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ وَيُهِينُهُ عِنْدَ اللهِ، وَلَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلاَّ حَرَمَهُ اللهُ شُكْرَهُمْ وَكَانَ لِغَيْرِهِ وَدُّهُمْ، فَإِنْ زَلَّتْ بِهِ النَّعْلُ يَوْماً فَاحْتَاجَ إِلى مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِيلٍ وَالْأَمُ خَدِينٍ!".
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى