عن الامام واقطاعيي الانبار والتواضع

د. علي حسن شعيب

2021.04.27 - 03:55
Facebook Share
طباعة

 وفي أثناء مسيره إلى الشام لقيه دهاقين الأنبار فترجّلوا له واشتدّوا
اي ركعوا بين يديه فقال:
- ما هذا الذي صنعتموه؟

فقالوا: خُلُقٌ منّا نعظِّم به أمراءنا!

فقال: وَاللَّهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهَذَا أُمَرَاؤُكُمْ وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ، وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ، وَمَا أَخْسَرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ، وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الْأَمَانُ مِنَ النَّارِ"

وأقبل عليه أحد الناس يمشي معه، وهو عليه السلام راكب، فقال (عليه السلام): ارْجِعْ، فَإِنَّ مَشْيَ مِثْلِكَ مَعَ مِثْلِي فِتْنَةٌ لِلْوَالِي، وَمَذَلَّةٌ لِلْمُؤْمِنِ "

‌ظاهرة اهتمام الخليفة بحياته الخاصة

عُرِف معظم الولاة باهتمامهم بحياتهم الخاصة، ومحاولة اكتنازهم الأموال والثروات الطائلة، وهذا ما دعي الإمام (عليه السلام) إلى التركيز على الصفات والخصال التي يجب أن يتمتّع بها الحاكم الإسلامي، واهتمامه بأمور الناس وتقديم مصالحهم على مصلحته الخاصة، وفي هذا المجال يقول عليه السلام: " أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ، وَيَسْتَضِي‏ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ، أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ... فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً، وَلَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً... وَلَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ... وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ -وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ، أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى، وَأَكْبَادٌ حَرَّى؟! أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ..."26.

ففي هذه الرسالة إلى عامله على البصرة يرسم الإمام علي (عليه السلام) أجمل وأعظم قانون للنظام الاجتماعي في الإسلام، حيث يُحدّد الإمام مبادىء التكافل والتساوي الاجتماعي بين الحاكم والرعيّة، وكيف يجب أن يتأسى الحاكم بأضعف رعيّته، ويشعر بآلامهم ومشاكلهم، وأن لا يستغلّ منصب الخلافة لإشباع شهواته ورغباته، وغيرها من الصفات التي يُمكِنُ أن نستخلصها من هذا الكتاب العلوي الشريف.

‌ ظاهرة تفضيل القربى والمعارف:
إتضحّ لدينا ممّا تقدّم مدى التغلغل الأموي في جسم الخلافة الإسلامية وسيطرتهم على كلّ مقاليد وزمام الأمور وذلك بسبب قرابتهم من الخليفة الثالث، وهذا الأمر أتاح لهم فرصة السيطرة خصوصاً أن الخليفة الثالث كان يعاملهم معاملة خاصة، ولكن الإمام علي (عليه السلام) ومن خلال إيمانه العميق بحقوق الناس وضرورة المساواة بينهم لم يرضَ بأن يُفضِّل أحداً من أقربائه على غيره من الناس، بل الجميع عنده سواسية كأسنان المشط.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى