معالجة الإمام لظواهر الانحراف في المجتمع الإسلامي

د. علي حسن شعيب

2021.04.27 - 03:54
Facebook Share
طباعة

 سلك الإمام علي عليه السلام منهجاً مدروساً ومنتزعاً من الواقع الذي كان يعانيه المجتمع الإسلامي من أجل تحقيق الأهداف السامية التي عمل على تطبيقها بين الناس للقضاء على الظواهر المَرَضيّة التي حلّت في الدولة الإسلامية، ومن هذا المنطلق كان قبول الإمام (عليه السلام).

وتسلّم زمام الحكم بعدما شاهد بعينه انهيار دعائم الدين وتغيير معالمه، فأعلن موافقته على قبول الخلافة وتسلّم زمام الحكم، وعبّر عن السبب الذي دفعه إلى اتخاذ هذا الموقف بقوله: "أمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِر، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز.
(نظر نهج البلاغة) خطبه عليه السلام في اهل الكوفة

وكان من أهم الظواهر التي سعى الإمام علي (عليه السلام) للقضاء عليها والتي كانت بنظره السبب الأساس في إنحراف الأمّة وبالتالي أدَّت إلى وجود الطبقية في المجتمع الإسلامي، وانهيار دعائم العدالة الاجتماعية بين الناس، فحاربها واقتلع جذورها من جسم المجتمع على ضوء ما ورد عنه في نهج البلاغة يتمثّل بما يلي.

‌أ- ظاهرة الانحراف عن كتاب الله وسنّة نبيّه:
ظهر لدينا بأن فساد المجتمع وانحرافه إنّما نشأ من إنحراف الحكّام الذين أماتوا السنن المحمّدية، وأحيوا البِدع الأمويّة، فأرجعوا الناس إلى عهدِ الجاهلية.

لهذا توجّه الإمام علي (عليه السلام) إلى رأس السلطة في ذلك الوقت قائلاً: "فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ، هُدِيَ وَهَدَى، فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً، وَإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ، لَهَا أَعْلَامٌ، وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضُلَّ، بِهِ فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً، وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً..."

ففي هذا الخطاب للخليفة أشار الإمام علي (عليه السلام) إلى الداء ومن ثمّ إلى معالجته.

وفي إشارة منه (عليه السلام) إلى السبب الذي دعاه إلى تولّي الحكم، وهو خوفه على الإسلام يقول: "فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً"

‌ب- ظاهرة تعظيم الخليفة والثناء عليه:
إعتاد البعض من أصحاب المصالح أن يعظّموا موقعية الحاكم وخلافته بين الناس، ولكنّ الإمام (عليه السلام) أراد أن يكون الخليفة كواحدٍ من الناس، لا أن يكون كالملوك والسلاطين. وقد تناول الإمام هذه المسألة في كلام له عندما كان يخطب في صفّين فأجابه رجلٌ من أصحابه بكلامٍ طويل، يكثُر فيه الثناء عليه، فقال عليه السلام: "... إِنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالَاتِ الْوُلَاةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ، وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْر،ِ وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الْإِطْرَاءَ، وَاسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ، وَلَسْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَرُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلَاءِ فَلَا تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لِإِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَإِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وَفَرَائِضَ لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهَا فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ وَلَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ وَلَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ وَلَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي وَلَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ..."(نهج البلاغة - خطبته عليه السلام في صفين)

- المصادر: نهج البلاغة

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى