خطبة رقم (153) للإمام علي (عليه السلام) في صفات الغافلين وتحذير الناس من أفعال بعينها

2024.11.14 - 01:45
Facebook Share
طباعة

  قال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام في صفات الغافلين:

"هُوَ فِي مُهْلَة مِنَ اللهِ([1]) يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ([2])، وَيَغْدُو مَعَ الْمُذْنِبِينَ، بلاَ سَبِيل قَاصِد([3])، وَلاَ إِمَام قَائِد. حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ([4])، وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلاَبِيبِ غَفْلَتِهِمُ([5])، استَقْبَلُوا مُدْبِراً([6])، وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلاً([7])، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بَمَا أَدْرَكُوا منْ طَلِبَتِهِمْ([8])، وَلاَ بِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ([9]). إِنِّي أُحَذِّرُكُمْ، وَنَفْسِي، هذِهِ الْمَنْزِلَةَ([10])، فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِهِ([11])، فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ، وَنَظَرَ فَأَبْصَرَ، وَانْتَفَعَ بِالْعِبَرِ([12])، ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً([13]) وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي([14])، وَالضَّلاَلَ في الْمَغَاوِي([15])، وَلاَ يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاةَ([16]) بِتَعَسُّف فِي حَقٍّ([17])، أَوْ تَحَرِيف في نُطْق([18])، أَوْ تَخَوُّف مِنْ صِدْق.فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ، وَاسْتَيْقِظْ مَنْ غَفْلَتِكَ، وَاخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ، وَأَنْعِمِ الْفِكْرَ([19]) فِيَما جَاءَكَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ (صلى الله عليه وآله) مِمَّا لاَ بُدَّ مِنْهُ وَلاَ مَحِيصَ عَنْهُ([20])، وَخَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذلِكَ إِلَى غَيْرِهِ، وَدَعْهُ وَمَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ([21])، وَضَعْ فَخْرَكَ([22])، وَاحْطُطْ كِبْرَكَ([23])، وَاذكُرْ قَبْرَكَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ([24])، وَكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ، وَمَا قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً([25])، فَامْهَد لِقَدَمِكَ([26])، وَقَدِّمْ لِيَوْمِكَ"([27]).
ثمّ حذر عليه السلام من أعمال سمّاها بالاسم، وقرنها بالشرك بالله، أي لا مغفرة لمرتكبها إلا بالتوبة عنها، فقال:
"فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ! وَالْجِدَّ الْجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِلُ! (وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير). إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ([28]) اللهِ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، الَّتِي عَلَيْهَا يُثِيبُ وَيُعَاقِبُ، وَلَهَا يَرْضَى وَيَسْخَطُ، أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ عَبْداً ـ وَإِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ، وَأَخْلَصَ فِعْلَهُ ـ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا، لاَقِياً رَبَّهُ بِخَصْلَة مِنْ هذِهِ الْخِصَال لَمْ يَتُبْ مِنْهَا: أَنْ يُشْرِكَ بِالله فِيَما افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ، أَوْ يَشْفِيَ غَيْظَهُ بِهَلاَكِ نَفْسٍ([29])، أَوْ يُعِرَّ بِأَمْر فَعَلَهُ غَيْرَهُ([30])، أَوْ يَسْتَنْجِحَ([31]) حَاجَةً إِلَى النَّاسِ بِإِظْهَارِ بِدْعَة فِي دِينِهِ، أَوْ يَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ([32])، أَوْ يَمْشِيَ فِيهِمْ بِلِسَانَيْنِ([33]). اعْقِلْ ذلِكَ، فَإِنَّ الْمِثْلَ دَلِيلٌ عَلَى شِبْهِهِ([34]). إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا، وَإِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْفَسَادُ فِيهَا([35]); إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ([36])، إِنَّ الْمُؤْمِنينَ مُشْفِقُونَ، إِنَّ الْمُؤْمِنينَ خَائِفُونَ([37])"([38]).


[1] الله يمهل الإنسان طوال عمره، عسى أن يهتدي لما ينفعه.
[2] يسقط مع أهل الضلال.
[3] لم يقصد سبيلاً ينفعه.
[4] حين الموت أو الاحتضار، يرون ما عملوا ماثلاً أمام أعينهم.
[5] وأسقط عنهم أثواب الغفلة التي كانوا يرتدونها.
[6] تنقلب أحوالهم، فقد ودّعهم ما استقبلوه طوال حياتهم، ولم يستطيعوا أخذ شيء منه معهم، كـأملاكهم وجاههم وسلطانهم.
[7] واستقبلهم ما كانوا قد أداروا له ظهورهم، ألا وهو مقامهم الدائم في دار الخلد.
[8] فلم ينفعهم ما أدركوه من طلباتهم الدنيويّة السابقة.
[9] ولم يجدوا لذاتهم التي استلذّوها سابقاً حاضرة بل أصبحت سراباً.
[10] إياكم أن تضعوا أنفسكم في هذا الموقع.
[11] فانفعوا أنفسكم بأنفسكم، قبل فوات الأوان.
[12] اعتبر بالأمثلة.
[13] طريقاً واضحاً.
[14] الوقوع في المعاصي.
[15] وأن يضلّ في دروب الغوايات والمغريات.
[16] ولا يترك نفسه فريسة سهلة للغواة والفاتنين، فيعينهم بذلك على نفسه.
[17] أن يشطط في طلب حقّه، بحيث يسلب الآخرين حقوقهم.
[18] أو يرّف معاني الأحكام الإلهيّة لصالح أهواءه.
[19] تفكّر جيّداً، وكز فكرك.
[20] لا مفرّ منه.
[21] دعهم لمساوئهم.
[22] خفف فخرك وتواضع لله والناس.
[23] ولا تتكبّر. الجم تكبّرك.
[24] وكما تعاملت مع الناس بقسوة، سوف تُعامل بقسوة.
[25] ما هيأته لنفسك ستعيش فيه.
[26] مهّد الطريق لمشيتك القادمة.
[27] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٩ - الصفحة ١٥٧.
[28] من وعود الله القاطعة، وما ألزم به نفسه.
[29] قتل نفسٍ في حالة الغيظ، ليذهب غيظه.
[30] أن يرمي أحداً بفعلة فعلها هو.
[31] يُنجح أمراً له من خلال بدعةٍ يخترها للناس.
[32] أن يقول شيئاً أمام قومٍ ليرضيهم، ثمّ يقول عكسه أمام آخرين ليرضيهم أيضاً.
[33] يتكلّم بمنطقين متلوناً من أجل مصالحه.
[34] إن هذه الأمثال التي ساقها أمير المؤمنين دليل على أن هذه الأعمال في شبهة كبيرة، وعلى الناس أن تعقل هذه الأمثلة وتجتنبها.
[35] وذكر أمير المؤمنين للنساء هنا، ليس عاماً، وإنما خصصه لأولئك النسوة التي تلهي الرّجال عن واجباتهم، ويقصد الفاسدات المفسدات منهن، وهو شبّه الرجال المتقاعسين عن عبادة الله والجهاد بالبهائم وبهن.
[36] مستكينون للحق.
[37] يخافون من الآخرة.
[38] نفس الخطبة السابقة، ص 160.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى