خطبة للإمام علي (عليه السلام) في خذلان أصحابه له

2024.10.30 - 02:48
Facebook Share
طباعة

  قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، مقرّعاً أصحابه المتخاذلين عن نصرة الحق الذي يمثّله، ويقارنهم بأصحاب معاوية الذين ينصرونه على الباطل دون تريث أو تلكّؤ، يقول أمير المؤمنين:

"وَلَئِنْ أَمْهَلَ اللهُ الظَّالِمَ فَلَنْ يَفُوتَ أَخْذُهُ([1])، وَهُوَ لَهُ بَالمِرْصَادِ([2]) عَلَى مَجَازِ طَرِيقِهِ([3])، وَبِمَوْضعِ الشَّجَا([4]) مِنْ مَسَاغِ رِيقِهِ([5]). أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَظْهَرَنَّ هؤُلاَءِ الْقَوْمُ عَلَيْكُمْ([6])، لَيْسَ لاِنَّهُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكُمْ، وَلكِنْ لإسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صَاحِبِهِمْ([7])، وَإِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي. وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ الاْمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا، وَأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي. اسْتَنْفَرْتُكُمْ([8]) لِلْجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا، وَأَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُكُمْ سِرّاً وَجَهْراً فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا، وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا. شُهُودٌ كَغُيَّاب([9])، وَعَبِيدٌ كَأَرْبَاب([10]) أَتْلُوا عَلَيْكُمُ الْحِكَمَ فَتَنْفِرُونَ مِنْهَا([11])، وَأَعِظُكُمْ بِالمَوْعِظَةِ الْبَالِغَةِ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنْهَا، وَأَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَا([12])، تَرْجِعُونَ إِلى مَجَالِسِكُمْ، وَتَتَخَادَعُونَ عَنْ مَوَاعِظِكُمْ([13])، أُقَوِّمُكُمْ غُدْوَةً([14])، وَتَرْجِعُونَ إِلَيَّ عَشِيَّة، كَظَهْرِ الْحَنِيَّةِ([15])، عَجَزَ الْمُقَوِّمُ([16]) وَأَعْضَلَ الْمُقَوَّمُ([17]). أَيُّهَا الشَّاهِدةُ أَبْدَانُهُمْ، الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، الْـمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ، المُبْتَلَى بِهمْ أُمَرَاؤُهُمْ، صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ، وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ، لَوَدِدْتُ وَاللهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَني بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ، فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ([18]) يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلاَث وَاثنَتَيْنِ: صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاع، وَبُكُمٌ ذَوُو كَلاَم، وَعُمْيٌ ذَوُو أَبْصَار، لاَ أَحْرَارُ صِدْق عِنْدَ اللِّقَاءِ([19])، وَلاَ إِخْوَانُ ثِقَة عِنْدَ الْبَلاَءِ([20]) تَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ([21]) يَا أَشْبَاهَ الاْبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا! كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِب تَفَرَّقَتْ مِنْ آخَرَ، وَاللهِ لَكَأَنِّي بِكُمْ فِما إخالُكم([22]): لَوْ حَمِسَ الْوَغَى([23])، وَحَمِيَ الضِّرَابُ([24])، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبي طَالِب انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا([25])، وَإِنِّي لَعَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي، وَمِنْهَاج مِنْ نَبِيِّي، وَإِنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً([26])"([27]).


[1] إن الله يمهل ولا يهمل.
[2][2] يرصده رصداً، ولا يغيب عنه طرفة عين، حتّى يأتي أوان الحساب إما في الدنيا أو في الآخرة.
[3]على كل طريق يسلكه.
[4] عظم في الحلق.
[5] في طريق بلع الريق، أي أن الله يكون أقرب للظالم من نفسه.
[6] سينتصرون عليكم.
[7]يسارعون لتلبية أوامر قائدهم.
[8] حثثتكم على الجهاد.
[9] حاضرون بأجسادكم معي، لكن بلا فائدة.
[10] عباد لله في الظاهر، ولكن كل واحد منكم يظن نفسه إلهاً.
[11] تتهربون من النصائح.
[12] كناية عن التفرّق والتشرذم.
[13] أي تلبثون في مخادعكم وتنسون نصائحي.
[14] أقوّم اعوجاجكم في الصّباح.
[15] وتعودون في المساء كظهر القوس محنيين كما كنتم.
[16] لقد عجزت عن إصلاحكم.
[17] أي أن دائكم عضال لا ينفع معه الدواء.
[18] يتمنى أمير المؤمنين أن يقبل معاوية مبادلته عن كل عشرة من أصحابه المتخاذلين بواحد من أصحاب معاوية المطيعين، وهذا من هوان الدنيا على أمير المؤمنين يأسه من أصحابه، لكثرة ما خذلوه.
[19] لا تصدقون الوعد كالأحرار عند اللقاء.
[20] ولستم أهل ثقة يوثق بكم عند البلاء، بل تتركون صاحبكم لبليته وتنصرفون.
[21] أي ابتلاكم الله بشتى أنواع البلاء.
[22] فما أظنّكم.
[23] إذا حمي وطيس الحرب.
[24] واشتدّ الطعن والقتال.
[25] كما تفتح المرأة فخذيها عند الولادة.
[26] التقطه قطعة قطعة وألتزمه.
[27] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٧ - الصفحة ٧٠.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى