قال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام:
"فَإِنَّهُ وَاللهِ الْجِدُّ لاَ اللَّعِبُ([1])، وَالْحَقُّ لاَ الْكَذِبُ([2])، وَمَا هُوَ إِلاَّ الْمَوْتُ أَسْمَعَ دَاعِيهِ([3])، وَأَعْجَلَ حَادِيهِ([4])، فَلاَ يَغُرَّنَّكَ سَوَادُ النَّاسِ([5]) مِنْ نَفْسِكَ، فَقَدْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِمَّنْ جَمَعَ الْمَالَ وَحَذِرَ الإقْلاَلَ([6])، وَأَمِنَ الْعَوَاقِبَ([7]) ـ طُولَ أَمَل([8]) وَاسْتِبْعَادَ أَجَل([9]) ـ كَيْفَ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَأَزْعَجَهُ عَنْ وَطَنِهِ([10])، وَأَخَذَهُ مِنْ مَأْمَنِهِ، مَحْمُولاً عَلَى أَعْوَادِ الْمَنَايَا يَتَعَاطَى بِهِ الرِّجَالُ الرِّجَالَ([11])، حَمْلاً عَلَى المَنَاكِبِ([12]) وَإِمْسَاكاً بِالأنَامِلِ([13]). أَمَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَأْمُلُونَ بَعِيداً([14])، وَيَبْنُونَ مَشِيداً([15])، وَيَجْمَعُونَ كَثِيراً([16]) أَصْبَحَتْ بُيُوتُهُمْ قُبُوراً([17])، وَمَا جَمَعُوا بُوراً([18])، وَصَارَتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِينَ([19])، وَأَزْوَاجُهُمْ لِقَوْم آخَرِينَ([20])، لاَ فِي حَسَنَة يَزِيدُونَ([21])، وَلاَ مِنْ سَيِّئَة يَسْتَعْتِبُونَ([22]) فَمَنْ أَشْعَرَ التَّقْوَى قَلْبَهُ بَرَّزَ مَهَلُهُ([23])، وَفَازَ عَمَلُهُ. فَاهْتَبِلُوا هَبَلَهَا([24])، وَاعْمَلُوا لِلْجَنَّةِ عَمَلَهَا، فَإِنَّ الدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ دَارَ مُقَام([25])، بَلْ خُلِقَتْ لَكُمْ مَجَازاً([26]) لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا الاَعْمَالَ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ; فَكُونُوا مِنْهَا عَلى أَوْفَاز([27])، وَقَرِّبُوا الظُّهُورَ([28]) لِلزِّيَالِ"
([29]).
[1] ينبّه أمير المؤمنين أنّه يقول الجد وما هو بالهزل.
[2] وأنّه يقول الحق ولا يكذب.
[3] لا يوجد أسمع ممن يدعوه الموت، فلا شيء يحجزه عن صاحبه أبداً.
[4] ولا يوجد أسرع من نفاذ الموت لصاحبه.
[7] كان آمناً من العقاب بظنّه.
[8] بسبب طول أمله بعمره وحياته في لدنيا.
[9] وأنّ أجله مازال بعيداً.
[10] نزعه من موطنه إلى موطن آخر.
[11] يناولون جثّته فيما بينهم.
[15] ويشيّدون القصور والهياكل.
[16] يجنون الكثير من الغلال والريوع.
[17] سكنوا في النهاية القبور.
[18] كل ما جمعوه لم ينفعهم.
[19] ورث أموالهم الوارثون.
[20] وتزوّج أزواجهم غيرهم.
[21] لم يعد بمقدورهم زيادة حسناتهم.
[22] لا يعاتبهم أحد في المعصية، فوقت الحساب لم يحن بعد.
[23] انتبه لمهلته، ولم يعمى عن قرب أجله.
[24] اغتنموا فرصها للعمل الصالح، وليس للذات والمعاصي.
[25] الدنيا هي دار عبور وليست دار إقامة.
[27] كونوا منها متعجلين للعبور والمرور، ولا تتمسكوا فيها.
[28] قرّبوا ظهور المطايا للرحيل، أي كونوا مستعدين في أي وقت.
[29] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٦٩.