قال الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، أن الدنيا دوّارة، لا يهنأ صاحبها بشيء، إلا وقد فقد شيئاً بالمقابل، فهي لا تعطي أحداً حتّى تأخذ منه:
"أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ([1]) الْمَنَايَا، مَعَ كُلِّ جَرْعَة شَرَقٌ([2])، وَفي كُلِّ أَكْلَة غَصَصٌ! لاَ تَنَالُونَ مِنْهَا نِعْمَةً إِلاَّ بِفِرَاقِ أُخْرَى، وَلاَ يُعَمَّرُ مُعَمَّرٌ مِنْكُمْ يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ، وَلاَ تُجَدَّدُ لَهُ زِيَادَةٌ فِي أَكْلِهِ إِلاَّ بَنَفَادِ مَا قَبْلَهَا مِنْ رِزْقِهِ([3])، وَلاَ يَحْيَا لَهُ أَثَرٌ إِلاَّ مَاتَ لَهُ أَثَرٌ([4])، وَلاَ يَتَجَدَّدُ لَهُ جَدِيدٌ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَخْلَقَ([5]) لَهُ جَدِيدٌ، وَلاَ تَقُومُ لَهُ نَابِتَةٌ إِلاَّ وَتَسْقُطُ مِنْهُ مَحْصُودَةٌ([6])، وَقَدْ مَضَتْ أُصُولٌ نَحْنُ فُرُوعُهَا([7])، فَمَا بَقَاءُ فَرْع بَعْدَ ذَهَابِ أَصْلِهِ([8]) وَمَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ([9])، فَاتَّقُوا الْبِدَعَ، والْزَمُوا الْمَهْيَعَ([10])، إِنَّ عَوَازِمَ الاْمُورِ([11]) أَفْضَلُهَا، وَإِنَّ مُحْدِثَاتِهَا شِرَارُهَا"
([12]).
[2] الاختناق بالشرب، أو الشردقة.
[3] لا يُرزق بجديد إلا بعد أن ينتهي القديم مما قُسم له.
[4] كل جديد في حياته إنمّا هو هو على حساب شيء قديم فات.
[5] يخلَق بفتح اللام: يبلى.
[6] كل نبتة جديدة له تكون على حساب أخرى حصدها.
[7] نحن فروع الأقوام القديمة التي كانت قبلنا، فأين هم؟
[8] لا يكون الفرع إلا بعد ذهاب أصله.
[9] كلّ بدعة تمحي سنّة كانت متبّعة قبلها.
[10] الطريق الواضحة، غير المشكوك بأمرها.
[12] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٩ - الصفحة ٩١.