قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، عن رضوخ الدنيا لمشيئة الخالق:
"وَانْقَادَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَالاخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا([1])، وَقَذَفَتْ إِلَيْهِ السَّماَوَاتُ وَالاَرَضُونَ مَقَالِيدَهَا([2])، وَسَجَدَتْ لَهُ بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ الأشْجَارُ النَّاضِرَةُ، وَقَدَحَتْ([3]) لَهُ مِنْ قُضْبَانِهَا النِّيرَانَ الْمُضِيئَةَ، وَآتَتْ أُكُلَهَا بِكَلِمَاتِهِ الِّثمَارُ الْيَانِعَةُ"
([4]).
وقال فيها عن القرآن الكريم:
"وَكِتَابُ اللهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ([5])، نَاطقٌ لاَ يَعْيَا لِسَانُهُ([6])، وَبَيْتٌ لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ، وَعِزٌّ لاَ تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ"([7]).
ثمّ ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ([8])، وَتَنَازُع مِنَ الألْسُنِ([9])، فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ([10])، وَخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ، فَجَاهَدَ فِي اللهِ الْمُدْبِرِينَ عَنْهُ([11])، وَالْعَادِلِينَ بِهِ([12])"
([13]).
وذكر فيها محبّي الدنيا، فقال عنهم أنّهم عميان لا يبصرون، والفرق بين الأعمى والبصير:
"وَإِنَّمَا الدُّنْيَا مَنْتَهَى بَصَرِ الأعْمَى([14])، لاَ يُبْصِرُ مِمَّا وَرَاءَهَا شَيئاً([15])، وَالْبَصِيرُ يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ([16])، وَيَعْلَمُ أَنَّ الدَّارَ وَرَاءَهَا، فَالبَصِيرُ مِنْهَا شَاخِصٌ([17])، وَالأعْمَى إِلَيْهَا شَاخِصٌ([18])، وَالْبَصِيرُ مِنْهَا مُتَزَوِّدٌ([19])، وَالأعْمَى لَهَا مُتَزَوِّدٌ([20])"([21]).
ومنها في عظة الناس والتزام كتاب الله وترك الأحقاد، واتّباع الشيطان:
"وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْء إِلاَّ وَيَكَادُ صَاحِبُهُ يَشْبَعُ مِنْهُ وَيَمَلُّهُ، إِلاَّ الْحَيَاةَ فَإِنَّهُ لاَ يَجِدُ لَهُ فِي الْمَوْتِ رَاحَةً، وَإِنَمَا ذلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحِكْمَةِ الَّتي هِيَ حَيَاةٌ لِلْقَلْبِ الْمَيِّتِ، وَبَصَرٌ لِلْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ، وَسَمْعٌ لَلأذُنِ الصَّمَّـاءِ، وَرِيٌّ لِلظَّمْآنِ، وَفِيهَا الْغِنَى كُلُّهُ وَالسَّلاَمَةُ. كِتَابُ اللهِ تُبْصِرُونَ بِهِ، وَتَنْطِقُونَ بِهِ، وَتَسْمَعُونَ بِهِ، وَيَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْض، وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلى بَعْض، وَلاَ يَخْتَلِفُ فِي اللهِ، وَلاَ يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اللهِ([22]). قَدِ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى الْغِلِّ([23])فِيَما بَيْنَكُمْ، وَنَبَتَ الْمرْعَى عَلَى دِمَنِكُمْ([24])، وَتَصَافَيْتُمْ عَلى حُبِّ الآمَالَ، وَتَعَادَيْتُمْ فِي كَسْبِ الأمْوَالِ. لَقَدِ اسْتَهَامَ([25]) بِكُمُ الْخَبِيثُ، وَتَاهَ بِكُمُ الْغُرُورُ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي وَأَنْفُسِكُمْ"([26]).
[1] سلّمت له الدنيا انقيادها، وأطاعت أوامر خالقها بسلاسة وخشوع.
[2] مفاتيحها. أي سلّمت له أمرها.
[3] وجعلت أغصانها نيرانا لخدمة البشر، امتثالاً لأمر الله.
[4] شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٧٢.
[7] ذات الخطبة - شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج 8 – الصفحة 273.
[8] بعد انقطاع الرّسل عن الظهور.
[9] دليل على تعدد الكتب والعبادات والطقوس وتنازعها فيما بينها.
[10] أرسله بعد الرسل مقتفياً آثارهم بالتوحيد.
[11] من أدبر عن الله والذكر. أي جاهد الرسول هؤلاء الذين رفضوا الدعوة وحاربوها.
[12] الذين يعدلون بالله ما هو دونه، أي يعبدون غير الله ويساوون به ما دونه.
[13] ذات الخطبة – الصفحة 274.
[14] آخر ما يمكن أن يسمح له بصره بالنّظر، آخر مدى الرؤية للشخص الأعمى، وشبّه من لا يرى الآخرة من الدنيا بالأعمى الذي لا يبصر شيئاً.
[15] لا يرى وراءها شيئاً.
[16] بينما البصير يستطيع أن يرى من خلالها بنظره الثاقب، ويعرف أن خلفها حياة أبديّة.
[19] البصير منها متزود لآخرته.
[20] بينما الأعمى كل زاده لها، وسيتركه فيها عاجلاً أم آجلاً.
[21] ذات الخطبة – شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج 8 - ص 275.
[22] لا يمكن أن يأخذ صاحبه إلا إلى الله.
[24] كبرت أحقادكم وصار المرعى بينكم لعدم تواصلكم بين بعضكم، نبت المرعى على الدمن، أي لم يعد هناك تزاور بين البيوت وهي كناية عن العداوة والقطيعة.
[25] ضيّعكم الشيطان بخبثه.
[26] ذات الخطبة، شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٨٧.