زهد الإمام علي (ع) وبذخ حكّام اليوم

2022.02.21 - 08:42
Facebook Share
طباعة

 الإمام علي (ع) شخصية جمعت في كيانها الأضداد الحميدة كلها، وتنافست هذه الصفات فيما بينها، لكنها بقيتْ في أعلى مستوياتها من حيث التطبيق، فالرحمة عنوانا عريضا لسياسة الإمام عليه (ع)، حتى مع أعداء الإسلام، وحماية الرأس مبدأ لمسه معارضوه فيه قبل مؤيديه، والمساواة في توزيع الثروات وموجودات بيت المال، سياسة مبدئية وأخلاقية وشرعية لم يحِدْ عنها الإمام (ع) قيد أنملة.

كل القيم والملَكات العظيمة وُلدِت في شخصية الإمام (ع)، في أول لحظة أطلّ بها على البشرية، ليجد نفسه في رحاب أخ وأستاذ بعثه الله تعالى منقذا للبشرية، ألا وهو الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله، فتعلّم على يديه ونما في ربوعه الفكرية والدينية والإنسانية، وأخذ عنه العلم، ليصل إلى ذروة السلوك الزاهد بالدنيا ومغرياتها.

فكان الإمام علي (ع) ولا يزال وسيبقى مدرسة الزهد التي لا يضاهيها مدرسة على مرّ العصور، ففي الوقت الذي يتهافت فيه المنصاعون لمغريات الدنيا، ويلهثون وراءها، ويتقتلون من أجلها، ويظلمون وينتهكون حقوق الآخرين، طمعا بالمال أو الشهوة أو النفوذ، كان أمير المؤمنين (ع)، في وادٍ وهؤلاء في وادٍ نقيض تماما.

حتى حين أصبحت السلطة بين يديه، ومغرياتها وامتيازاتها تتملّقه (ع)، لم ينظر إليها ولو نظرة خاطفة، ولم يفكر بها لحظة، ولم تلفت نظره أو قلبه، إنما كان الزهد عنوانه الأعظم في التعامل مع السلطة والقوة والثروات، فلم يكنز مالا، ولم يبنِ قصورا، ولم يأكل ما لذّ وطاب، ولم يسِلْ لعابه على تلك الأموال التي تتقاطر على بيت المال من دولة تعادل اليوم مساحتها عشرات بل مئات الدول، فأي خراج كان، وأي ذهب، وأية أموال كبيرة.

القيم العظيمة هي السند الأعظم
كل هذا وسواه كل تحت أمرة الإمام (ع) وطوع بنانه، لكنه زهد بذلك، وظلّت التقوى والرحمة والإنصاف والقيم العظيمة سندهُ الأعظم في سياساته مع الجميع، يتقدمها الزهد لأنه هو الذي يقود الحكام إلى الصمود ومقارعة النفس وعدم الخضوع لشهواتها وللمغريات التي تبحث عنها، وهكذا كان الإمام علي زاهدا في السلطة بل في الدنيا كلّها.

وقد جاء في المعنى اللغوي لمفردة الزُّهْد، أي الانْصِرافَ إلَى العِبادَةِ وَتَرْكَ مَلَذَّاتِ الدُّنْيا، والإِعْراضَ عَنْها احْتِقاراً لَها. وهذا هو الوصف الدقيق الذي ينطبق على الإمام علي (ع) في زهده العظيم، وتقواه الراسخة، ومبدئيته التي ساوت بين الجميع وأنصفتهم دون اختلال وعدَلَتْ بينهم جميعا، بحيث حتى أقرب الناس للإمام (أخوه أو أخته مثلا) ليس لها أي امتياز على الآخرين ممن كانوا يعيشون في دولة الإمام (ع) مسلمين أو غيرهم.

ومع كل المقومات التي كانت تحملها شخصية الإمام علي (ع)، والثقة المطلقة بنفسه، وإيمانه بالقيم التربوية العظيمة التي درسها في مدرسة الرسول الأعظم (ص)، كان (ع) يوجّه خطبه إلى الأمة، ويدعوهم إلى ما يريده منهم، كما أنه كان نموذجهم في الزهد، فيوصف لهم حياته القائمة على أقل الأقل من مستلزمات العيش، من مأكل وشراب وملبس وسكن، فلم تكن تعني له البهرجة شيئا، ولا القوة، ولا المال ولا النفوذ، ولا مظاهر البذخ السطحي.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى