علي بن ابي طالب (ع) بين التكوين والوجود

د. وليد سعيد البياتي

2022.01.31 - 10:27
Facebook Share
طباعة

 شيء من العرفان:

بين عين (ع) العلياء وعين (ع) العقل تتجلى عين (ع) العبقرية، فتهطل الانوار أمطارا تغسل الاكوان، فالعين (ع) في علي هي عين (ع) العلوم، واللام (ل) هي لام اللواء، والياء (ي) هي ياء اليقين، يهذا العلي إذ تهاوت الافكار، ويهذا البهي إذ خفتت انوار الانجم والشموس، يا هذا المولود في رحم الرحمة، الشارب كأس الحكمة، المتزر بالوقار والمتشح بالهيبة، المتوج بانوار العلم، مازالت تخضع لعبقريتك الرقاب، ما زال الاعلام ينهلون من شرف بحر علمك اللجي فلم يدركو ألا ما غسلت به الامواج اطراف الاقدام، ما زال الجهالون ينكرون ولايتك وقد رشفت من عبق إرثها الاقلام. فهل علي عليه السلام إلا العقل مجسدا في أرقى أشكاله، وهل علي إلا قرءآنا يخطو بين البشر؟

أين يقف علي (ع) في عالم التكوين؟

أن يولد مولود في رحم البيت العتيق، ذلك البيت الذي مازال المسلمون يتوجهون اليه في فرائضهم ونوافلهم يعني انه مرتبط بعالم الملكوت، راسخ في عوالم الدنيا وهو أرسخ في عوالم الاخرة. أن يولد في البيت العتيق حيث الجدران ليست كالجدران والانوار غير الانوار، والرحمة لم تقطع حبله السري فينفصل عن عوالم البقاء, ولم تزده الانوار إلا انوارا تجلت في محرابه وهو القائم ليلا، فتتهافت الاملاك بين جنبي عبادته ويرفعون له في كل لحظة ما لا يحصى من الطاعات، حتى تنشغل الكتبة في تدوين جليلاعماله وكل اعماله جليلة في طاعة الله، وتتلاحق الانوار العلوية لتجعل له في عالم الملكوت ما لا عينرأت ولاأذن سمعت ولا خطر على بال بشر من الفضل والرحمة والقدسية والرضوان. فالانبياء والرسل والائمة عليهم السلام وأن كانوا من حيث الابدان بشريين أرضيين، فهم من حيث الارواح ملكيون سماويون، قد أيدوا بروح القدس.

أن عليا في عالم التكوين هو علي في عالم الوجود، فقيمة الامام علي سيد الاوصياء تتاتى من خاتمية الرسالة، فالجذر التكويني له هو جذر رسالي، باعتبار انه المكلف الهيا بحمل اعباء الشريعة بعد وفاة الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله، فالامام علي هو مطلق الحق، وهو مطلق العلم التشريعي وهو الكيان المتجسد للكتاب العزيز، فلو ان إنسانا لم يعرف الامام علي واراد ان يراه كما خلقه الله واراده فعليه ان يعرف القرآن علما وتفسيرا ومنهجا تشريعيا، فانه سيعرف الامام علي عليه السلام، ومن اراد ان يعرف القرآن وهو لم يدرك مفاهيمه فعليه ان يتعلم تاريخ وتشريع الامام علي عليه السلام، فعلي والقرآن صنوان.

علي في عالم الوجود:

يقول الواقدي: " كان عليا كان من معجزات النبي (صلوات الله عليه وآله) كالعصا لموسى (عليه السلام) وكإحياء الموتى لعيسى (عليه السلام) الفهرست/111. ويقول الخليل بن احمد الفراهيدي: " إحتياج الكل إليه وإستغانائه عن الكل دليل على إمامته " العقاد – عبقرية الامام علي/138. وفي نفس المجال يقول الدكتور مهدي محبوبة: " أحاط الامام علي بالمعرفة ولم تحط به، وأدركها ولم تدركة " عبقرية الامام علي/138.

وأني أقول: " كان الامام علي عليه السلام عارفا بالعلم، عالما بالمعرفة، حقيق على الناس اتباعه وطاعته وإلا فقد جهلوا معالم دينهم، وتاهوا في ظلمات الغي، هو كلام الله مجسدا ووعاء كنه المعارف والعلوم ونسبته الى بقية الصحابة كنسبة المعقول الى المحسوس، وكنسبة ضياء النجوم الى انوار الشموس ".

كلنا مقصر في تبيان حقيقة هذا الانسان، هذا الكيان الالهي ولا اروع من كلام حفيده الشريف الرضي وهو يصفه قائلا: " كَان أمير المؤمنين (عليه السلام) مشرِّعُ الفصاحة ومُورِدُها، ومُنشأ البلاغة ومُولِدُها، ومنه (عليه السلام) ظهر مَكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سَبَقَ فَقَصَرُوا، وتَقَدَّمَ وتَأَخَّرُوا، لأن كلامه (عليه السلام) الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي، ومن عجائبه (عليه السلام التي انفرد بها، وأمن المشاركة فيها، أنَّ كلامَهُ الوارد في الزهد والمواعظ، والتذكير والزواجر، إذا تأمله المتأمل، وفكَّر فيه المُتَفَكِّر، وخَلَعَ من قلبه، أنه كلام مثله ممن عَظُمَ قَدَرُه، ونفذ أمره، وأحاط بالرقاب مُلكُه، لم يعترضه الشك في أنه من كلام من لاحظ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة، قَد قبع في كسر بيت، أو انقَطَعَ إِلى سَفحِ جبل، لا يَسمَعُ إلا حِسَّهُ، ولا يَرى ‏إِلا نَفسَهُ، ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب مصلتا سيفه، فَيَقُطُّ الرِّقَابَ، ويُجدِلُ الأبطال، ويعود به ينطف دما، ويقطر مهجا، وهو مع ذلك الحال زاهد الزهاد، وبدل الأبدال، وهذه من فضائله العجيبة، وخصائصه اللطيفة، التي جمع بها الأضداد، وألَّفَ بين الأشتات " / مقدمة نهج البلاغة.

أليك ياسيدي فمتى نعرفك كما اراد الحق لنا ان نعرفك؟ متى نتعلم كيف ان نجتاز الى رياضك صحراوات الجهل؟ متى نخرج من مستنقعات الضحالة الفكرية؟ متى نرتقي بالنفوس من قيعان الانا الى عوالم التكوين؟ ومتى نكتسب براعة المعرفة؟ يا ايها الكيان الالهي السائر على الارض اننا توليناك عندما كثرت علينا سكاكين القوم، فقطعوا لحمنا في ولايتك.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى