وصف الطاووس في كلام الإمام علي (ع)

2021.11.24 - 07:19
Facebook Share
طباعة

 قال الإمام علي (ع) يصف خلق الطاووس:

((ابتدعهم خلقاً عجيباً من حيوان وموات، وساكن وذي حركات؛ وأقام من شواهد البينات على لطيف صنعته، وعظيم قدرته، ما انقادت له العقول معترفة به، ومسلِّمة له، ونعقت (صاحت) في أسماعنا دلائله على وحدانيته، وما ذرأ (خلق) من مختلف صُوَر الأطيار التي أسكنها أخاديد (شقوق) الأرض، وخروق فجاجها، (الطرق الواسعة) ورواسي أعلامها (جبالها) من ذات أجنحة مختلفة وهيئات متباينة، مصرفة في زمام التسخير، ومرفرفة بأجنحتها في مخارق الجوالمنفسخ، والفضاء المنفرج، كونها بعد إذ لم تكن في عجائب صُوَر ظاهرة، وركبها في حقاق (مجتمع المفصلين) مفاصل محتجبة (مستترة باللحم)، ومنع بعضها بقَبالة (بضخامة) خلقه أن يسموفي الهواء خفوفاً (سرعة وخفة) وجعله يدف دفيفاً.
ونسقها (رتبها) على اختلافها في الأصابيغ بلطيف قدرته، ودقيق صنعته، فمنها مغموس في قالب لونٍ لا يشوبه غير لون ما غمس فيه؛ ومنها مغموس في لون صبغٍ قد طوّق بخلاف ما صُبغ به.
ومن أعجبها خلقاً الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل، ونضّد ألوانه في أحسن تنضيد، بجناح أشرج (داخل) قَصَبه وذَنَبٍ أطال مسحبه إذا درج (مشى) إلى الأنثى نشره من طيّه وسما به (رفعه) مطلاًّ على رأسه كأنه قِلعُ (شراع) داريٍّ؛  (جالب العطر من دارين)، عنجه نوتيّه (جذبه بحّاره) يختال (يعجب) بألوانه، ويميس (يتبختر) بزيَفانه (حركته يميناً وشمالاً)، يُفضي (يُذهب)، كإفضاء الديكة ويؤُرُّ (يسفد) بملاقحه (آلات التناسل) أرَّ الفحول المغتلمة (ذات الشهوة) للضراب (للقاح) أحيلك من ذلك على معاينةٍ، لا كما يحيل على ضعيف إسناده، ولوكان كزعم من يزعم أنه يلقح بدمعةٍ تسفحها مدامعه فتقف في صفتي جفونه، وإن أنثاه تطعم (تذوق) ذلك ثم تبيض لا من لقاح فحل سوى الدمع المنبجس (النابع)، لما كان ذلك بأعجب من مطاعنةٍ (تلقيح) الضراب؛ تخال قصبة مداري (أمشاط) من فضة، وما أنبت عليها عجيب داراته (حالاته) وشموسه خالص العقيان (الذهب) وفِلذ الزبرجد.
فإن شبهته بما أنبتت الأرض قلت: جنىً جُني من هرة كل ربيع، وإن ضاهيته بالملابس فهوكموشّى (المنقوش) الحلل، وكمؤنق عصب اليمن، وإن شاكلته بالحلي فهوكفصوص ذات ألوان، قد نُقِّطَت باللجين (الفضة) المكلل (المزين) يمشي مشيَ المرح المختال، ويتصفح ذَنَبه وجناحيه، فيقهقه ضاحكاً لجمال سرباله (لباسه) وأصابيغ وشاحه؛ فإذا رمى ببصره إلى قوائمه زقا (صاح) معولاً بصوت يكاد يبين عن استغاثته، ويشهد بصادق توجعه، لأن قوائمه حُمشٌ (دقيقة) كقوائم الديكة الخلاسية (المهجنة) وقد نجمت (لبثت) من ظنوب (حرف عظمة الأسفل) ساقه صيصية (شوكة) خفية، وله في موضع العرف قُنـزعة (خصلة) خضراء موشاة، ومخرج عنقه كالإبريق، ومغرسها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية، أوكحريرة ملبسةٍ مرآة ذات صقال وكأنه متلفع بمعجر (بثوب) أسحم (أسود)؛ إلا أنه يخيل للكثرة مئة، وشدة بريقه، أن الخضرة الناضرة ممتزجة به، ومع فتق سمعه خط لمستدق القلم في لون الأقحوان (البابونج) أبيض يقق (شديد البياض)، فهوبياض في سواد ما هنالك يتألق (يلمع) وقلَّ صبغٌ إلا وقد أخذ منه بقسط (نصيب) وعلاه (فاقه) بكثرة صقاله وبريقه، وبصيص ديباجه ورونقه (حسنه) فهوكالأزاهير المبثوثة لم تُربِّها أمطار ربيع، فيسقط تترى، وينبت تباعا، فينحت (يسقط) من قصبه انحتات أوراق الأغصان، ثم يتلاحق نامياً حتى يعود كهيئته قبل سقوطه، لا يخالف سالف ألوانه، ولا يقع لون في غير مكانه! وإذا تصفحت شعرةً من شعرات قصبه أرتك حمرةً ورديةً، وتارة خضرة زبرجدية، وأحياناً صفرة عسجدية (مذهبة)، فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق (أعماق) الفطن، وتبلغه قرائح العقول، أوتستنم وصفه أقوال الواصفين!
وأقل أجزائه قد أعجز الأوهام أن تُركه، والألسنة أن تصفه فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاّه (أهره) للعيون، فأدركته محدوداً مكوّناً أومؤلّفاً؛ وأعجز الألسن عن تلخيص صفته، وقصر بها عن تأدية نعته)).
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى