كيف نستفيد من منهج الامام علي (ع) لتحقيق العدالة الاجتماعية ج9

2021.09.30 - 09:55
Facebook Share
طباعة

الباحث حسن كاظم السباعي:
لو أردنا التتبُّع لمنهج الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في مواجهة الأزمات على كافة الأصعدة المبتلى بها في الزمن المعاصر، فإنَّ ذلك سيتطلب دراسة واسعة لا تسعها هذه الأسطر القليلة، إلا أنه يمكن اختصار جانب منها في نموذجين نعتبرهما رمزًا لكيفية التعامل مع الأزمات الأخرى.
النموذج الأول: إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، هو أوّل من أسّس نظام الضمان الاجتماعي والذي هو عبارة عن دفع مبلغ مالي للعاجزين والعاطلين عن العمل، "unemployment benefi"، وذلك في قصة مشهورة حينما شاهد نصراني يتكفَّف([1]-[2])، فأمر بتخصيص راتب منظَّم له من بيت المال، بغض النظر عن انتمائه الطائفي أو القومي أو الفكري أو أي اعتبار آخر، فهو قد وضع علاج لرفع الحاجة من الأساس، ورغم كل الأزمات والمؤامرات، التي واجهها العالم الإسلامي إبان عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) من الاعتداءات والغارات وشنِّ ثلاث حروب ظالمة، إلا انَّ المجتمع الكبير الذي يساوي اليوم خمسين دولة من دول العالم المعاصر، لم يشعر بأي نوع من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وذلك لما كان يتمتع به من إدارة كريمة وحكيمة.
أما النموذج الثاني: فيتمثل في الغارة التي شنّها معاوية بقيادة بسر بن أرطأة، ونهب فيها خلخال زينة من امرأة ذمّية([3])؛ فصدر رد فعل حزين وغاضب من أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلًا: "فَلَو أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً..([4])"، وهذا معناه في الزمن المعاصر؛ أن تضحّي الدولة بحياة قادتها وخيراتها، من أجل الدفاع عن حق أضعف طبقة من الناحية الاقتصادية والفكرية والسياسية على حد سواء. حيث وضّح (عليه السلام)، أن حفظ سمعة الدولة هو في حماية أضعف الخلق، وليس الهدف فقط حماية خلخال زينة بسيط من الناحية المادية، فنظرُ الإمام أعمق وأبعد. وبعبارة أُخرى من المستحسن وقوع ضرر مهلك لجماعة من المتنفّذين في السلطة والحكم من أجل حماية فرد من خارج هذه الدائرة.
أو كما سبق في النموذج الأول؛ فإنَّ الدولة عليها أن تبذل من مواردها المالية، من أجل فرد قد لا يقدِّم أي نفع أورد مقابل. وهذا أمر لن يستوعبه العالم المادي، أو الرأسمالي الذي يحسب للمصالح الخاصة، والأرباح، ألف حساب، سواءً من الناحية الاقتصادية أو السياسية. مثلًا؛ إن لم تكن أيّة منفعة في الدفاع عن أقلية تُقتل في بورما، فسوف لن تُذكر حتى في نشرات الأخبار ناهيك عن الفكرة في حمايتهم.
وفي القاموس السياسي المعاصر؛ إنَّ الأغنياء والمتمكنين هم في المقدمة دائمًا من حيث توزيع إمكانيات البقاء، وليست جائحة كوفيد ١٩ إلا نموذج صغير من ذلك التمييز المادي.
من هنا فإنَّ العالم إذا أراد أن يعيش بخير ورفاهية وأمن وسلام وازدهار، فليس عليه إلا أن يعود إلى نهج سيد الأوصياء (عليه السلام).


[1] وسائل الشيعة، ج11، ص 49.
[2] يتكفف أي كفيف أعمى.
[3]الذّمي هو غير المسلم ضمن المجتمع الإسلامي.
[4] نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٦٩.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى