كيف نستفيد من منهج الامام علي (ع) لتحقيق العدالة الاجتماعية ج2

2021.09.30 - 09:49
Facebook Share
طباعة

الدكتور سليم كاطع علي:
ان أثر الإمام عليّ عليه السلام مثّل معينا للإنسانية لا ينضب، وعطاءا ًزاخرا يتجدد مع حركة المجتمع وتطوره، ومما جعل من هذا العطاء الإنساني حيا، أنّه لم يكن بعيدا في يوم من الأيام عن واقع الأمة وظروفها، بل أن ما جاء به الإمام، كان قريبا من مشاكل الأمة ويتحسس معاناتها، ويحمل همومها، ولم يكن يحيط نفسه بالعلو والترفع السلطوي على النّاس، ولم يغادر المحيط الاجتماعي والسعي نحو تحقيق الأمن والسلام والتعايش السلمي.
فمدرسة الإمام علي عليه السلام كانت مدرسة شاملة نستقي منها معاني الإنسانية، لنتحسس جوهر الوجود الذي حرمت منه الأمة على يد حكامها وطغاتها. ومن هنا يمكن القول ان منهج الإمام في تحقيق العدالة الاجتماعية كان له الأولوية في حكمه، انطلاقا من منظوره، أن تحقيق العدالة يشكّل الأساس والمفتاح لتحقيق الحقوق الأخرى، فلو انعدمت العدالة في المجتمع، لانعدمت ما دونها من حقوق، انطلاقا من كون الناس احرارا يولدون ويموتون، وليس من حق أحد أن يسلبهم ذلك الحق.
إن منظور الإمام عليه السلام لتطبيق العدالة يتجاوز النظرة الضيّقة، بأن يتساوى الناس في الحقوق، بل كان منظوره ينطلق من كون المساواة لا تتحدد بالمساواة في المعيشة والرزق فحسب، بل تتعداه إلى انصاف الناس في كل شيء من قبل الحكام، لأن الحاكم العادل لابد أن يكون مجتمعه عادلا، لأنها انعكاسات لتصرفاته في أمور رعيته.
كما أن الإمام لم يفرق بين رعيته على أساس الانتماء والعقيدة، بل شكّلت المواطنة غايته في سياسة الناس، إذ جعل من المواطنة اطارا جامعا شاملا للأمة، وان ما عداها يأتي في دائرة الجزيئات والفرعيات.
فالعدالة في نظر الإمام لم تكن شعارا للحصول على المكاسب والغنائم، كما هو ديدن الكثير من الاحزاب والحكام، أو الوصول من خلالها إلى السلطة وكسب ود الناس، أو أن تكون خاضعة لنوازع شخصية، بل كانت نظرته عليه السلام للعدالة بأنها ضرورة من ضرورات الحياة، وغاية يسعى الحكّام إلى تحقيقها، وأن الحاكم الذي لا يملك برنامجا إصلاحيا، إنّما هو حاكم ظالم لا يمكن للأمّة قبوله.
وهنا يمكن القول بأن الأمة في ظروفها الحالية، هي أحوج ما تكون لمنهج الإمام عليه السلام، ولا سيما في تحقيق العدالة الاجتماعية، والأمة بحاجة إلى مراجعة فكر الإمام، وأن تأخذ به في التطبيق والممارسة، كونه المسار الذي يمكن أن يحفّز الأمة على تجاوز مشكلاتها وأزماتها. وعلى الحكام، ومن هم بالسلطة التمسك بالأثر الخالد للأمام في تحقيق العدالة في المجتمع، لأنّها الأساس في تحقيق المساواة والانصاف والعدل بين الرعية، انطلاقا من ضرورة أن يأخذ الحاكم برؤية الإمام للعدالة كمشروع شامل لغرض النهوض بواقع الأمة، وأن يكون منهجا وسياسة قابل للتطبيق وليس شعارات ترفعها السّلطة لتحقيق مصالحها الخاصة.
وأن ذلك يجب أن يكون مرهونا بضمان حقوق الناس، قويهم وضعيفهم، والابتعاد عن المحسوبية والمحاباة، ومغادرة الانتماء والتمايز الطبقي، والاختلاف الذهبي والعرقي، وصولا لتحقيق التعايش السلمي والتسامح، والشعور بالمسؤولية والمواطنة، انطلاقا من أن الإنسان يحب أن يكون عزيزا كريما في وطنه، محترما للحقوق ملتزما بالواجبات، وهو ما يجعل من العدالة الاجتماعية منهج وتطبيق في الوقت ذاته.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى