كيف نستثمر منهج الإمام علي (ع) في تحسين المنظومة السياسية

2021.09.30 - 09:46
Facebook Share
طباعة

منهج الإمام علي (ع) يقوم على مبدأ اللاعنف، والاحتواء وديمومة الفكر الإسلامي، في حين نجد في يومنا هذا، اتجاه اغلب الساسة نحو تقديم السلطة والمنافع الشخصية، على حساب المصالح العامة وخدمة الشعب، فالقيم المادية متجذرة فيهم ومتغلبة على بقية قيمهم المعنوية الصحيحة، وذلك ما جعل من المجتمع يتجه نوح المادية الاستهلاكية.
 
مما أدى إلى تفشّي ظاهرة قياس الفرد على أساس مظهره وماله، لا على أساس أفكاره وخدمته للمجتمع، فإذا أخذنا لمنهج الإمام علي كأنموذج لتحسين الواقع السياسي، يجب على الساسة فهم أن السلطة شيء ثانوي، وخدمة الشعب هي الأمر الأساس، وأن يعملوا على مبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، أي لا مجال للمحسوبية والواسطة، فمنهج الإمام علي (ع) قائم على عدم التمييز بين شخص وآخر، واختيار الشخص حسب مؤهلاته لا على أساس علاقته الوطيدة بأصحاب السلطة. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر حين ولاه على مصر([1])، إذا بدأت العظمة تتسلل إلى نفسك من خلال المنصب الذي توليّته، فتذكّر سلطان الله فوقك، فإن هذا أولى أن يعيدك إلى صوابك فتتواضع، وعليك أن تنتبه إلى حاشيتك وأهلك فتعاقبهم إن أخطأوا كما تعاقب غيرهم من المخطئين، وإلا فأنت ظالم، ومن ظلم فالله له بالمرصاد: "وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك، فإن ذلك يطامن إليك من طماحك([2])، ويكف عنك من غربك([3])، ويفئ([4]) إليك بما عزب([5]) عنك من عقلك إياك ومساماة([6]) الله في عظمته والتشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار ويهين كل مختال أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم،  ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض([7]) حجته وكان لله حرباً حتى ينزع([8]) ويتوب. وليس شئ أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد".
 
فقوة الدولة قائمة على أساس الخطّة التي يسير عليها صنّاع القرار، وبالنتيجة إنْ سار السياسيون على منهج الإمام علي فسوف يصبح وضع البلد في حالة ازدهار دائم، وتقدم مستمر، فمنهج الغدير الذي يقوم على معايير العدل، والاستقامة والإنصاف والكفاءة، هو المنهج الذي يستحق أن يكون أنموذجا لجميع قادة المسلمين بل العالم أجمع.
من المهم أن ننوّه، أنّ الاقتداء لا يكون مجرّد شعارات فارغة، تُرفع كالبيارق التي تنسحب من المعركة عند الالتحام، فكم من مسمّى على اسم عليّ، كان في الحقيقة أشدّ على النّاس من ابن أبيه والحجاج، فلا مقياس للحكومات إلا بإنجازاتها، لا بخطط إعلاميّة منمّقة لا يُنجز منها شيء. أمّا بالنّسبة للظروف، فإننا نرى نهضة اليابان قامت على أنقاض بلد لم يصل إليها أحد، وكذلك ألمانيا الغربيّة، إذاً فالقصّة مجرّد شكوى وتسويف، وإمكانيّات البلاد أعظم من أن تُحدّ، ولكنّها الإرادة، والقيادة الرّشيدة.
يقول أمير المؤمنين في عهده إلى مالك الأشتر، لا تشغلك جباية الضرائب عن زيادة الإنتاج، لأن زيادة الإنتاج تعني بالضرورة زيادة مدخول الدولة، أما العكس فلا، بل هو خراب للبلاد ولنفوس العباد، وإيّاك أن يشتكي النّاس من القلّة، أو العطش، أو بوار أرض، أو فيضان نهر، فعليك أن تبادر بما أوتيت من إمكانات الحكم أن تخفف عنهم، وتساعدهم، وتعوّض عليهم، وتوفر أي مساعدات تقدّمها لهم لأن ذلك سيعود على الحكومة بالنفع، وسيعود عليك بالثناء، وعليك بالمبالغة في تحري العدل في الرّعية، فإن ذلك لا بد أن يأتي بالعمران للبلد الذي تحكمه: "وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً، فإن شكوا ثقلاً أو علة أو انقطاع شرب أو بالة[9] أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش، خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم، ولا يثقلن عليك شئ خففت به المؤونة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك[10] باستفاضة العدل فيهم معتمداً فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك[11] لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم في رفقك بهم، فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حملته، وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالعبر".
 


[1] أهم وثيقة تاريخيّة في علوم الحكم والسياسة وحقوق الإنسان، قبل ميكافيلي بستة قرون، وفيها من العبر ما حدى بالأمم المتّحدة لاعتمادها وثيقة عالميّة في حقوق الإنسان.
[2] طموحك
[3] تغرّبك عن التقوى
[4]يُرجع
[5] ابتعد
[6]مشابهة
[7] أبطل
[8] يتخلّى
[9] فيضان
[10] المبالغة
[11] كفايتك لهم
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى