العدالة الاجتماعية في فكر الامام علي (ع) جزء الثاني

2021.07.06 - 08:57
Facebook Share
طباعة

 في مجال الحقوق 

يمكن رصد بعض أهم ما تجلى منها في كتاب نهج البلاغة، وما أكدّ عليه الإمام علي (ع) لتحقيق العدالة وحماية إنسانية الإنسان.
أولاً: الحق في الحياة
لقد شدد الإمام على أن حق الإنسان في الحياة هو حق مقدس لا يجوز الاعتداء عليه. بل إن من أشد الكبائر والذنوب المهلكة هو قتل النفس الإنسانية بغير موجب شرعي للقتل. وبهذا فإن الإمام يريد أن يضع حداً لاستهداف حياة الإنسان ولمن تمشي بهم أقدامهم نحو سفك الدماء ببرودة واستسهال ما يجعل الدنيا تمور بالاضطرابات والأزمات وتؤول إلى الفناء.
فيقول في عهده لمالك الأشتر: "إياك والدماء وسفكها بغير حلها، فإنه ليس شيء أدنى لنقمة، ولا أعظم لتبعة، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حقها".
ثانياً: الحق في المساواة
إن الكثير من المشاكل والصراعات تنتج من جهة ما يقوم به البعض من تمييز وتصنيف وتفاضل وتفاوت طبقي واجتماعي وعرقي وسياسي، ما يؤدي إلى الاستئثار وطغيان شخص على شخص وفئة على فئة. وسيراً على هدي الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله فقد أرسى الإمام قاعدة في هذا المجال عندما قال إن الناس صنفان: "إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق". ما يعني أن الإنسان يتساوى مع أخيه الإنسان بأنه نظير له في الخلق. بحيث لا يكون لصاحب لون أو لغة أو موقع أو امتياز ما أفضلية من هذه الجهات، فكل بني البشر يتساوون أنهم من أصل واحد ونظراء في أساس الخلقة. ويقول عليه السلام في نص آخر: "وليكن القريب والبعيد عندك في الحق سواء". ثم يشدد على عامله مالك الأشتر ويحذره من الاستئثار بقوله: إياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة.
وفي هذا يضع الإمام أسس مجتمع صحيح سليم ومعافى، بعيد عن الفوارق الاعتبارية التي يعززها البعض بهدف الاستعلاء والتمايز عن الآخرين والانتقاص من القيمة الإنسانية لمن هم دونهم موقعاً اجتماعياً ومعرفياً وما إلى ذلك.
ثالثاً: الحق في الحرية
لقد اراد الإمام للإنسان أن يعيش حريته المسؤولة بأوسع معانيها وأجمل أشكالها. وبديهي أن يريد الإمام ذلك لأن هبة الحرية هي من الله ولا يحق لأي كان أن يستعبد إنساناً فقط لأنه أقوى منه سطوة وقدرة ومالاً. وعندما نتأمل بسيرته عليه السلام ندرك كم من الجهود بذلها في سبيل تحرير الرقاب من الاستعباد والعمل بالسخرة، وكم أنفق من مال ليعتق العبيد ليعيشوا كما بقية الناس أحراراً كراماً. ولعل مقولته المشهورة هذه التي قالها في كتابه لابنه الإمام الحسن عليه السلام: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً". تؤكد على أنه لا يقبل بأي شكل من الأشكال أن يعيش الإنسان حياة العبودية والمذلة والمهانة تحت قيد إنسان آخر. بل إنه يدعو إلى رفض هذه الظاهرة المقيتة لأن الله جعل الإنسان حراً وخلقه حراً وأنشأه حراً. بحيث لا استحقاق ولا صلاحية لأي كان مهما كانت رتبته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أن يستعبد الناس ويجعلهم أرقاء له. كما أنه يدعو العبيد إلى أن يثوروا ويتمردوا على أسيادهم لأنهم يريدون أن يملكوا ما لا يُملك ويسترقوا ما لا يسترق.
وفي نص آخر للإمام يشير إلى حرية الإنسان في أن يعمل ما بدا له، على أن يكون هو مسؤولاً عن خياراته وتصرفاته استناداً إلى كونه حراً في القول والعمل وفي السكن والتنقل والإيمان والكفر وما إلى ذلك حيث يقول مخاطباً المغيرة بن شعبة: "وقد أذنت لك أن تكون من أمرك على ما بدا لك". ثم يقول لشيخ من أهل الشام حضر صفين: "... ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين".
فالإنسان ليس مجبراً أن يفعل ويقول ما ليس مقتنعاً به بل له الحرية في أن يتجه إلى أي عمل أو أي موقف يراه مناسباً مع قناعاته وتوجهاته. كما أن ذلك يسري على ما يُعرف اليوم بحرية اختيار العمل. أي أن العامل له الحرية في أن يعمل في المجال الذي يتوافق مع كفاءاته ومهاراته ورغباته. وليس لأحد أن يكرهه على مجال لا تطيقه نفسه وبذلك يقول الإمام عليه السلام: "ولست أرى أن أجبر أحداً على عمل يكرهه".
كما أن مسألة الإمرة والإطاعة لا علاقة لها بالاستعباد وإنما هي قائمة على أساس الولاية والقيادة والتنظيم.
يقول عليه السلام: "أيها الناس إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة وأن الناس كلهم أحرار ولكن الله خوّل بعضكم بعضا".
فالقائد والولي ليس سيداً يستعبد الناس وإنما يتحمل مسؤوليات وواجبات في تنظيم أوضاع المجتمع وليس له أن يتحكم بخياراتهم وطريقة عيشهم وحرية تفكيرهم. وإنما عليه واجب في تقديم النصيحة لهم والإحسان في معاملتهم وإقامة الحق فيهم.
ففي خطبة له يشير خلالها إلى نعله فيقول: "والله لهي أحب إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً".
رابعاً: حق الفقراء في العيش بكرامة
لقد خصص الإمام مساحة واسعة من فكره ومشاغله في رفع مستوى الفقراء لكي يعيشوا بكرامة من دون مِنّة أو استعطاف. وقد وجّه عماله على الأمصار ليرفع الحاجة الماديّة عنهم بأن يُعطى لهم كفايتهم من بيت المال.
يقول عليه السلام لمالك الأشتر النخعي لما ولاه على مصر: وَاحْفَظْ للهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكَ، وَقِسْماً مِنْ غَـلاَّتِ صَوَافِي الإسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَد، فإِنَّ لِـلأقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِـلأَدْنَى، وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ; فَـلاَ يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ، فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لأحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ.
وبهذا الفعل يهدف الإمام إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي من خلال ضمان معيشة كريمة لجميع الفقراء والمعوزين.
خامساً: حق الفقراء في سؤال الحاكم على أحوالهم
من حق الفقراء إذا كانوا في ظل حكومة إسلامية أن يتوجه إليهم الرعاة والحكام ليطلعوا على أوضاعهم وليسألوا عن أحوالهم. وقد عنى الإمام بهذه المسألة أشد عناية عندما قال للأشتر: "وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ هؤُلاَءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الإنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ".
لأنهم عادة ما يسكنون في أماكن بعيدة ولا وسيلة لهم في إيصال شكواهم ومعاناتهم إلى الحاكم وصناع القرار في العاصمة الإسلامية.
سادساً: حق الضعيف أن يأخذ حقه من القوي
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِع".
سابعاً: في القضاء 
التقاضي على أساس المساواة بين جميع الناس 
يقول عليه السلام إلى بعض عماله: "وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ، حَتَّى لاَ يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ، وَلاَ يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ".
ما يعني أن الناس جميعاً لهم الحق في الترافع والتحاكم بعيداً عن المحاباة والقوة والجاه والنفوذ والغنى. بل كلهم سواسية حتى لا يكون هناك تعدٍ على حدود الله.
ثامناً: حق الناس على الوالي أن يستر عيوبها
يقول عليه السلام في عهده للأشتر: "وَ لْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَ أَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا. فَلَا تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ. فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ".
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى