قصة الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي والامام علي (ع)

2020.07.08 - 03:43
Facebook Share
طباعة

- الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي[1]، والامام عليّ (ع):
 
ارتبط اسم الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي بالرواية التي حدّث بها تلميذته، حول وصيّة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) لولديه الحسن والحسين، فقد لفت انتباه إحدى الطالبات في جامعة السوربون العريقة، حيث كان يمارس غارودي التدريس لمدّة لا بأس بها، كثرة استشهاد المفكر الكبير بأقوال للإمام عليّ أمام طلابه، فسألته الطّالبة عن سرّ انجذابه لشخصيّة تنتمي إلى فكر إسلامي دموي -بحسب زعمها- فصمت غارودي قليلاً تاركاً الطّالبة تكمل سؤالها قائلة: "أنت مدرسي وأنا احرص على قراءة كتاباتك ومقالاتك وحضور محاضراتك، وقد لفت نظري انك تتكلم دائماً عن شخص مسلم اسمه عليّ، فـمن هو عليّ؟  ولماذا أثرّ فيك كل هذا التأثير؟". أجابها غارودي: "عليّ هو ابن عمّ نبيّ الإسلام محمّد، وزوج ابنته، وقائده العسكريّ، وكان الرجل الثاني في الإسلام بعد محمد، وخليفته، وهو شخصية فذّة لا مثيل لها. دعيني أنا الآخر أسألك سؤالاً لنتبين حالة أو جزءً بسيطاً من هذه الشخصيّة". قالت الطالبة: "تفضل"، فسألها غارودي برويّة: "لو أنّك عبرت الشارع وجاءت سيارة مسرعة وصدمتك، ماذا سيحصل لك؟"، فأجابت: "سأموت حالاً، أو يُغمى عليّ!"، فأجاب غارودي: "هذا الرّجل الذي تسألين عنه، تعرّض لضربة سيف وهو ساجد يصلّي، وقد وصلت الإصابة إلى داخل تجويف الجمجمة، أي أنّها وصلت إلى الدّماغ، فماذا تتوقعين منه؟"، فأجابت: "سيموت حالاً أو سيفقد الوعي في احسن تقدير"، فقال لها غارودي: "تصوّري أنّ هذا الرّجل لم يمت في حينها، ولم يفقد الوعي، لقد وصلت الضّربة إلى أعماق أعماق المخ، هناك حيث تقبع الحكمة والمعرفة، لكن دون أن يفقد وعيه، أو يحصل له ما يحصل للبشر في مثل هذه الحالات، وبعد يوم واحد فقط، راح يُملي وهو على فراش الموت، والضربة القاتلة نافذة في أعماق المخ، وصية الى ابنه البكر الحسن (ع)، هي أروع ما عرفه التّراث الإنساني عبر تاريخه على الاطلاق، تتضمن الحكمة والموعظة والتوادد، وقد بقي بكامل وعيه، وأملى أجمل وصية من أب لولده في تاريخ الإنسانية" .قالت الطّالبة وقد بدا عليها التّأثّر: "وماذا قال فيها؟"، أجاب غارودي: "سأروي لك بعض منها، قال لأبنه الحسن، ارفق يا ولدي بأسيرك (القاتل)، وارحمه، وأحسن إليه، واشفق عليه، بحقي عليك أطعمه يا بني مما تأكله  واسقه مما تشرب! ولا تقيّد له قدماً، ولا تغلّ له يداً، فإن أنا متّ فاقتصّ منه، ضربه بضربة، ولا تحرقه بالنّار، ولا تمثّل بالرّجل، فإنّي سمعت جدّك رسول الله يقول، إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور، وإن أنا عشت، فأنا وليّ دمي، وأولى بالعفو عنه". 
العبرة في قصّة غارودي تلك، هي أنّ عليّاً (عليه السلام)، كان الخليفة والآمر النّاهي، وخليفة رسول الله، بينما ابن ملجم (القاتل) كان شقيّاً مضللاً، ولا يوجد أي عتبٍ على الخليفة وقتذاك إن عمل بالمبدأ الجاهليّ بالاقتصاص فوراً من القاتل، بل وبالتنكيل به، فهذا عليّ أشرف النّاس، وذاك ابن ملجم أشقى النّاس، وليس من المنطق العرفي المساواة بين أشرف النّاس وأشقاهم، فقصّة الزّير سالم كانت قريبة العهد من ذاك التّاريخ، وهو الذي أطلق حرباً دامت عشر سنين وراح ضحيّتها الألوف من بني تغلب وبني بكر بن وائل، ثأراً لزعيم تغلب كليب ربيعة. لكنّ هذا عليّ، إمام الإنسانيّة، معلّم المبادئ، تلميذ مدرسة النّبوّة، فهل عساه يأذن ببحر من الدّماء مقابل ما أصابه؟ كلا، بل أعطى مثالاً بالسماحة والحلم، فهو وليّ دمه إن عاش، وهو أولى بالصّفح عن الرّجل، وإن مات من الضّربة، فإنّما هي ضربة بضربة، وهذا هو المبدأ القانوني العادل في كلّ الشرائع، إذ لا بدّ من القَصاص، حتّى لا تستشري الجرائم في المجتمع. وعلينا ألا نغفل الجانب الإنساني المهم الذي سبق القانون الدّولي الإنساني بأربعة عشر قرناً، حين أوصى ولده بالإحسان إلى الأسير، وإطعامه، وسقياه، وعدم إغلال يديه ورجليه بالقيود.
لعمري إنّ هذا مدعاة للاستشهاد بعلي، في عقر دار الأمم التي تدّعي الإنسانيّة والحضارة، وقد أظهر غارودي بمثاله هذا حجّته، وتمّ التصفيق له في القاعة بحماس كبير بعد أن انتهى، كما شكرته الطّالبة وهي لا تكاد تكفكف دموعها.


[1]  روجيه غارودي، (1913 - 2012)، فيلسوف وكاتب فرنسي اعتنق الإسلام سنة 1982.
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى