قصة خليل فرحات مع الامام علي عليه السلام

2020.07.08 - 01:09
Facebook Share
طباعة

لخليل فرحات قصة رائعة مع الامام علي بن ابي طالب (ع) وقد رواها بنفسه شعرا ورواها لاصدقائه كما يرويها القديس الذي رآى من يحب وما يحب.
خليل فرحات بالانتماء الديني مسيحي ملتزم بدينه، وهو أديب وشاعر وباحث من لبنان مولود في مدينة زحلة، وتعلم في الكليَّة الشرقيَّة. واصل علومه بالمراسلة مع جامعة "مونبيلييه" فحصل على إجازة باللغة الفرنسية. هاجر إلى غانا في أفريقية ثم عاد إلى مسقط رأسه عام 1960. وفي تاريخ لبنان يذكرون ان خليل الماروني كتب في علي ديوانا اسماه
"في محراب علي".
أصيب خليل فرحات بداء استعصى شفاؤه، فقرر الاطباء بتر ساقه من تحت الركبة. في الليلة السابقة لموعد اجراء العملية نام اهل بيته على همّ ذاك الألم المادّي والمعنويّ المرافق للبتر. لكن الشاعر والمثقف الذي فهم علي بن ابي طالب من منظار الفيلسوف والمفكر، عرف قدر علي عند الله تعالى ولم تحجبه مارونيّته عن التوسل الى الله بعليّ، والثقة بالله في الإجابة. محبته لعلي بن ابي طالب قادته للتوسل بالإمام في رؤيا جاءت مفاعيلها حقيقيَّة، فلما أصبحوا في اليوم التّالي، وجاؤوا لأخذه الى المستشفى، وجدوه واقفا على قدميه، ساخراً من فكرة قطع ساقه، قائلاً لكل من استغرب: " إن الله تعالى شافاه ببركة صلاته متوسلا بعلي في رؤيا أتته".
يقول الشاعر نجيب جمال الدين ناقلا عن لسان خليل فرحات: "بقيت يا صاحبي عشرة أيام، ورجلي هذه، وأشار إلى اليسرى، مرفوعة إلى العلاء بحبل، بعد أن احتبس فيها الدم واعتصم، وأبى أن يدور، وذلك بسبب انخفاض السكر أو ارتفاعه لا أدري, وتهدّد الجسد كلّه، لا الرجل عندها اجتمع الأصدقاء من الأطباء إليّ في البيت، وكان القرار بالقطع, لم أعترض إنَّما قلت: لديّ مشوار إلى عليّ، فإن قطعتم، فكيف أمشي؟ لم يفهموا.. إلا صديقتك جورجيت -يعني السيدة قرينته- فقد قالت: كفى بربك! ودعنا الآن من الشعر، فالمسألة فيها حياتك، يعني نحن جميعًا! وأجبتها: ولأنها كذلك، فهذا موقفي! وأكمل: ثم انصرفوا، وبعد يوم واحد، فككت رجلي من المشنقة، وقمت ولم أعُدْ بعدها للفراش، أفلا ترى أنَّ الإمام هو الذي أمرني بالرحلة، فكيف أتخلّف! ثم ألا ترى أنَّه كان كما أحب، فكيف لا أكون كما يُحبُّ، وبخاصّة كما يحب! وأضاف: يا أبا فيصل، لن توحش الطريق، ما دام فيها ذلك الرفيق! ثم كتب بعد ذلك ديوانه "في محراب علي".
تقول شيراز ابنته، حين سئلت عن قصّة أبيها مع الإمام: "هي قصة إيمان، وثقة بربنا، ووالدي كان يقول إن الله لكل الطوائف، بحيث كل شخص يسير في استقامة مع الله، سيجيبه الله وسيساعده ويلبي طلباته، فلو لم يعش الإمام علي في تلك الأيام، حياة كلها طاعة لله الذي يعبده، لم يصل إلى ما وصل إليه".
ومما قاله الشاعر فرحات بوصف الإمام:
 
لئن كان كل الغيب عندك علمه .. فما عالم الكيمياء أو عالم الجبر
رقيتَ رُبى الناسوت ثم سبرته .. وطوّفت باللاهوت شبراً ورا شبر
فما كنت في الكنهين إلا هما معاً .. وما كنت إلا ذلك الباذخ المثري
خذ الشمس إذ كفاك قالا بعودة .. فشمس غروب تلك عادت إلى العصر
وما عجبٌ فيها استجابت على رضى .. أليست هي الدنيا وتصدع بالأمر
وإن تسأل الجوزاء من بات رَبُّها .. أشارت إلى علياك بالأنمل العشر
دَرَيتَ وكل الناس مثلك لم تدر .. فقد صُبَّت الإعصار عندك في عصر
وكنت أمير الحدس تدرك غورها .. وتسبُر أخفاها العصي على السبر
دللت على الرحمن هل كنت غيره .. ففيك استوى الرحمن بالفعل والفكر
وفيك تجلَّت قدرة الله آيةً .. كما شعشعت في الضوء خالصة الدر
تعالت بك الأرضون واشتد ظهرها .. فلولاك هذي الأرض مقصوصة الظهر
 
يأخذ البعض على الشّاعر والأديب والفيلسوف خليل فرحات مغالاته في وصف الإمام علي عليه السّلام، وتصريحه اللفظي المباشر بنسبة صفات لاهوتيّة لشخصيّة علي، الأمر الذي قد يُشكل على ناقصي الفهم والإدراك، ويدخلهم في خلطٍ قد يؤثّرُ على مفهوماتهم الإيمانيّة. ربّما لاهوتيّة خليل فرحات هي التي أعطته تلك المساحة في الألفاظ والدّلالات، فهو ابن بيئة دينيّة، تعلّم فيها أبجديّات الحياة المترهبنة إلى الله، فانتقى لشعره منها كلّ الألفاظ التي تحمل أبلغ المعاني الإيمانيّة وتحمل المرء إلى عالم سامٍ نورانيّ، فها هو يقارن بين شخصيّة السيّد المسيح، وشخصيّة الإمام عليّ عليهما السّلام، في العطاء والمثل العُليا للأخلاق، وفي المحبّة والتسامح، وانتصار العقيدة على هوى النّفس، فيقول:
 
وقيلَ مسيحُ الحب ضاق بحبّه.. وَكَرَّ على الرائين بالسوط والزَّجرِ
وَصَاحَ: دعوا بيتي دعوني فإنما .. سواكم أنا، والبيتُ شردتم قِطري
لقد شُيدَ بيتي للتعبُّد والهدى .. فحوَّلتموه للتلصًّص والفُجر
وكَمْ داسَ أرزاقاً وَعَفْرَّ أوجُهاً .. وَأغرقَ عبَّاد الدوانق بالسُّخْرِ
وأنتَ وسعتَ النّاسَ دوماً برحمةٍ .. وقد أمطروك الوِتر في آثرِ الوترِ
عَلوتَ وكنتَ النفس أكبرِ قادرٍ .. على قهرها، تلك المليئة بالكبر
وقصَّرَ عقلُ النَّاسِ عن قهر ميلِهم .. فبوركت قهَّاراً على النفسِ يستجري
 
يتولّى صديق خليل فرحات الشاعر نجيب جمال الدّين توضيح هذا الجانب أيضاً بالقول: "خليل فرحات سمح لنفسه بالدّخول إلى عليّ، اقتحامٌ لم يجرؤ عليه أحد. السّفر إلى عليّ، حاوله كثيرون ذوو ولعٍ بالمغامرة، لكنّهم ظلّوا يراوحون على خطوط التّماس. لماذا انطلق خليل فرحات من مواقع متشددة في العليائية أو العلويّة؟ ربّما هي محاولة لبناء الإنسان العربي الجديد، وهذه مسألة تربوية، وخليل مربٍ، ويهتمّ بإعداد إنسانٍ قادرٍ على المواجهة، بعدما أفلست كلّ العصور".
إنّ إيغال خليل فرحات في المجاز بشعره، خاصّة في وصف عليّ، يجعل القارئ في حيرة من أمره، فخليل الفيلسوف لم يكن يؤمن مطلقاً بفكرة "الحلول" الصّوفيّة، لكنّ شعره يكاد ينضح بها، فإذا أخذنا الفكرة مجرّدة فإنّها تصح من حيث المبدأ، فالله سبحانه وتعالى، يتجلى -بلا ريبٍ- في مخلوقاته. بلا شكّ إنّها مغامرة كبرى، أن تغوص في المجاز لدرجة أن تقول: " دللت على الرحمن هل كنت غيره .. ففيك استوى الرحمن بالفعل والفكر!"، يقول الشاعر نجيب جمال الدّين في ذلك:
"القارئ الجيّد هو الذي (يشتلق)، والاشتلاق هو لفظ يطلقه عامّة النّاس على الفطنة، والملاحظة بعين العقل، لا عين الوجه، وإلا لو كان القارئ محروماً من تلك العين التي بؤبؤها الدّماغ، وقرأ آية {كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها} لوقع في معصيةٍ تهون عندها كلّ المعاصي الأخرى".
إذاً فغاية خليل فرحات في الإيغال الرّمزي ليس الغلوّ والتّكلّف، وإنّما تعويد القارئ على الإبحار إلى ما وراء الكلمة، والمعنى الظّاهري، فكيف إذا كان الموصوف عليّاً، يقول نجيب جمال الدّين في معرض دفاعه عن خليل فرحات: "أرمسترونغ اقتحم القمر، وهو بضعة من أرض، ولكن عليّ أصعب من القمر والشّمس أيضاً، أوليس خليل هو الذي عالج تلك المسألة؟ وحاول إخضاع الأسطورة لشحنة الشّعور الشّخصي، والقناعة الفرديّة؟ وعليّ يردّ الشّمس لقضاء فريضة! فما عُرف عنه قضاء".
بالمقابل لم يقف خليل فرحات عند الرّمزية فقط، فهذه اللغة مطواعةٌ لأجل عليّ، وهو الذي طوّعها، لذا خاطب فرحات العامّة مشيراً إلى ذلك بلغةٍ مباشرةٍ بيّن فيها فضائل عليّ على اللغة، والفقه، والنّحو. اللغة التي لولاه لما كنّا نستطيع الآن أن نقرأ بالأريحيّة التي هي عليها الآن، فاللغة بصريحها ومجازها تقرّ بالفضل لعليّ:
 
أرى الفقه كالإعصارِ ندّ شكائماً .. ولمّا نهضتَ انصاعَ كالريّضِ المهرِ
أرى النّحوَ في الدّيجورِ ضاعتْ دروبهُ .. وقلتَ لهُ ينحو فماسَ بلا خمرِ
كذلك كان الخطّ خطواً بعتمةٍ .. وأنتَ جعلتَ الخطَّ في ضحوةِ الفجرِ
كذا اللغة السّمحاء عندك نضّرتْ .. كما رقرق الإشعاعُ تبراً على تبرِ
رفعت معانيها وشدت بروجها .. وكم فرّج الأبراج مفتاحك السّحري
هو العالم المعلوم لولاك ما نما .. ولم يُفر مجهول لو انّك لم تفرِ
 
المراجع
1. الإمام عليّ في الفكر المسيحي المعاصر» لراجي أنور هيفا، ص 179.
 
 
 
 
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى